جيوسياسية الفساد: جورج سوروس وتسريبات بنما
هزت أكبر فضيحة فساد العالم، بعد تسرب أكثر من 2.6 تيرابايت من البيانات، و11,5 مليون وثيقة سرية من شركة Mossack Fonseca البنمية. ونشر الاتحاد الدولي الأمريكي للصحافيين المستقلين هذه البيانات. وتتهم هذه البيانات سياسيين بارزين باستخدام حسابات بنكية في الخارج، وبالتالي تشير بشكل غير مباشر لفساد جزء كبير من النخبة السياسية في العالم. المواد المشار إليها تضم اسماء أشخاص من محيط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيسين الأوكراني والأذربيجاني، بوروشينكو وعلييف، وتطال أيضا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. وهذه ليست القائمة الكاملة.
عمل أجهزة المخابرات
كمية المعلومات المنشورة تشير إلى أن الأمر هو ثمرة عمل ليس مجرد "صحافيين مستقلين"، بل أجهزة استخبارات حكومية أو خاصة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الفضيحة الجديدة لديها أهداف جيوسياسية محددة. التحقق من صحة الوثائق المنشورة في ضوء عددها الكبير، غير ممكن على المدى القصير، ما يعني أنها توفر مساحة واسعة للتلاعب، وخاصة في المجال الإعلامي.
ابتزاز أعداء النظام
في معظم الأحيان، تهاجم وسائل الإعلام الغربية، فلاديمير بوتين. وهذه محاولة جديدة لابتزاز الرئيس الروسي -وهجوم مباشر من قبل الدوائر الحاكمة في الغرب، ووسيلة للضغط على الرئيس وعلى جزء كبير من النخبة الروسية. هنالك سعي لإجبار روسيا على التنازل عن سياستها الخارجية المستقلة، باستخدام "الفضائح" والضجة الإعلامية حولها. ونقل موقع "تسار غراد"، عن المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، تصريحه بأن هدف المعلومات المنشورة، هو محاولة "قتل" الإنجازات الإيجابية للاتحاد الروسي وللرئيس فلاديمير بوتين في سورية. ومن الجدير بالذكر أن "الصحافيين المستقلين"، سارعت إلى نشر المواد التي تمس بالرئيس السوري بشار الأسد ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما. ويقود الغرب ضد الأول حربا مباشرة، وزوما، الموالي لروسيا والموالي للصين، يحاول الغرب ازاحته عن منصبه منذ عامين، باستخدام تقنيات الثورات الملونة.
الضغط على الدمى
وفي حين أن اسم بوتين لم يظهر في الوثائق المنشورة، و"الأدلة" ضد الرئيس الروسي - غير مباشرة، فإن ذكر زعيمين آخرين لدول ما بعد الاتحاد السوفيتي، تم بوضوح، وهما: إلهام علييف وعائلته، وبيترو بوروشينكو. من الجدير بالذكر أن علييف، عشية نشر المواد، قرر أثناء زيارته للولايات المتحدة، شن حرب في ناغورنو قرة باغ. هل هذه صدفة؟ لا أعتقد. ظهور علييف وبوروشينكو في القائمة، علامة تدل على أن الغرب يمسك الآن قيادة هذه الدول في يد من حديد.
القائمة الغريبة
دعونا نرى، من يظهر أيضا في الوثائق المنشورة. القائمة مثيرة جدا للاهتمام. فهي تضم عاهل المملكة السعودية الملك سلمان، ورئيس الأرجنتين الحالي الموالي لأميركا موريسيو ماكري، والرؤساء السابقين للبلاد كريستينا ونستور كيرشنر، الذين كانا على العكس من الحالي، يحاربان الهيمنة الأمريكية، ووالد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الأمير السابق لقطر والرئيس الحالي لدولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الوزراء السابق في الصين وعددا من المسؤولين الصينيين الكبار.
للوهلة الأولى – القائمة غريبة. من هم اللاعبون الرئيسيون في العالم، الذين يستهدفون شخصيات هذه القائمة؟ هذا لا يشبه أسلوب عمل الاستخبارات الأميركية، أو بالأحرى، ليس فقط أسلوب أجهزة الاستخبارات الأمريكية. هذه الجهة مؤثرة على نطاق عالمي، تحارب روسيا وبوتين وتناهض للصين، وتكن مشاعر سلبية للملكيات العربية المستبدة ولليبراليين اليساريين مثل كاميرون. جهة تشبه جدا، جورج سوروس.
صحافيون في خدمة سوروس
وبالفعل، الاتحاد الدولي للصحفيين هو مشروع تابع للمنظمة الأميركية الليبرالية غير الحكومية Center for Public Integrity. وهي أكبر منظمة أمريكية غير ربحية تعمل في مجال الصحافة الاستقصائية. في العام 1996، اشتهرت المنظمة بحملتها الشهيرة ضد المرشح الرئاسي الأمريكي باتريك بيوكونان، بناءعلى طلب من سوروس لاجباره على مغادره الحملة الانتخابية. بين الرعاة الرسميين لـ"الصحفيين المستقلين": مؤسسة "المجتمع المفتوح" (مؤسسة سوروس)،"صندوق ضوء الشمس" التي تحصل على معظم تمويلها من سوروس، ومؤسسات ماك آرثر، نايت، فورد، روكفلر، كارنيغي، ومؤسس موقع إيباي، الليبرالي العولمي، اوميديارا وآخرين.
في الولايات المتحدة مركز النزاهة العامة والاتحاد الدولي للصحفيين، تشارك في حرب إعلامية منذ سنوات، يقودها سوروس ضد الإخوة كوخ، المليارديرات المرتبطين بأوساط الجمهوريين اليمينيين. وعادة، يتم خلال حملة سوروس اتهام الصحافيين بالاحتيال الصريح، وانتهاك القانون الأمريكي وتشويه الحقائق.
طبيعة أغلبية فضائح الاتحاد الدولي للصحفيين، تدل على أن هذا الهيكل يخدم في المقام الأول كأداة للدعاية في يد سوروس. على سبيل المثال، الحملة الموجهة ضد الإخوة كوخ وقيادة الاتحاد الأوروبي، في تسريبات لوكسمبورغ. وبعد أن بدأ سوروس لعبته ضد الفرنك السويسري، سارع "الصحافيون المستقلون"، للتحقيق في "غسل الأموال" في البنوك السويسرية.
ومن المثير للاهتمام، أن ممول كلا الهيكلين، سابقا كان هاينز اندوومنت، صاحب الصندوق الذي ترأسه تيريزا هاينز كيري، زوجة وزير الخارجية الأمريكي. سوروس مول سابقا زوجها عندما كان مرشحا للرئاسة في الولايات المتحدة (كما، بالمناسبة، في وقت لاحق، أوباما، وهيلاري كلينتون الآن). وبذلك، ندرك أن التواصل بين الإدارة الأمريكية الحالية والمضارب المالي، قوي جدا. فماذا وراء الزيارة الأخيرة لكيري الى موسكو مع الحقيبة الغامضة؟
التحالف مع الخارجية الأمريكية
قائمة قادة العالم المستهدفين، تشير إلى أن فضيحة الحسابات، جاءت نتيجة شراكة بين القطاعين العام والخاص. جميع الأشخاص في القائمة، معارضين لسوروس، ولكن حيث يدور الحديث عن أعداء الولايات المتحدة الجيوسياسيين، تم طرح اتهامات أكثر خطورة. على العكس من ذلك، في حالة كاميرون وماكري، يتعلق الأمر بالأعمال التجارية للعائلة، للوهلة الأولى، لا يمت بصلة لعملهم كقادة لبلدانهم. ولا تظهر الجهات الليبرالية اليسارية والشخصيات المرتبطة بسوروس، الذي يستخدم بنشاط الحسابات الخارجية في مضارباته المالية. شراء سوروس لكيري، أو لهيلاري كلينتون، عبر صب مبالغ هائلة في ميزانية حملاتهم الانتخابية، لا يعتبر فسادا، مثلها مثل المخططات السوداء، التي تستخدمها سياسات الليبرالية في جميع أنحاء العالم.
عالم بلا سياسة
ومن المثير للاهتمام، أن الفضيحة المالية الجديدة، موجهة أساسا ضد السياسيين. في واقع الأمر، هي جزء من عملية واسعة النطاق في العالم، لتشويه سمعة الطبقة السياسية. الفكر الليبرالي "المجتمع المفتوح" بنظر سوروس، هو رفض السياسة ككل. لتحل محلها المعاملات الاقتصادية، والصفقات. يتم تدمير الحاجز الأخير، وفي بعض الحالات، العقبة أمام إقامة سلطة المال. هذا هو السبب في أن سوروس، يمول الحركات اليسارية الموجهة ضد المؤسسة السياسية في جميع أنحاء العالم. وكما سبق ذكره، بيير أوميديار، ممول "الصحافيين المستقلين"، يطرح ويروج لمشروع عالم ما بعد السياسة.