حرب السعودية الخفية ضد إيران.. استراتيجية ضررها أكبر من نفعها

02.07.2016

تشهد منطقة الشرق الأوسط خلافا للحروب والنزاعات المتأججة في أنحائه، حربا باردة تشبه إلى حد ما، الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وفي حين تتلون صراعات المنطقة بالطابع المسلح، تأخذ هذه الحرب بعدًا جيوسياسيًّا بين السعودية وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جانب آخر، ويحاول كل من الطرفين نشر نفوذه على المنطقة.

وتختلف ميادين هذه الحرب عن سابقتها، فهي حتى الآن لم تشهد مواجهة عسكرية مباشرة، بل تحمل لون المعارك الدبلوماسية والأيديولوجية والاقتصادية، ويقتصر الجانب العسكري فيها على "حروب الوكالة"، التي تشهدها سوريا واليمن.

بعد توقيع إيران الاتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي، الذي تلاه رفع العقوبات عنها، أصبحت إيران تتمتع بنفوذ وإمكانيات أوسع في المنطقة، ما جعل السعودية تشعر بخيبة الأمل، بل وبالغدر من جهة حليفتها الكبرى – الولايات المتحدة. وقد أصبح الاقتصاد الإيراني الآن مؤهلاً للانطلاق والنمو.

تتفوق إيران على السعودية في التعداد السكاني وعدد عناصرالجيش، لكن السعودية تتفوق من ناحية حجم التسليح. وقد تمكنت إيران من إنقاذ نظام بشار الأسد، حليفها في المنطقة، بعد أن كان على شفا الهاوية. وفي المقابل، أغدق وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان بالدعم للمتمردين المناوئين للرئيس السوري.

تشعر السعودية بقلق كبير من انتقال الفوضى العارمة التي تضرب العراق إليها، يعززه توسع النفوذ الإيراني في العراق، وفشلها في القضاء على الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى ميل ميزان القوة إلى جهة القوات الحكومية السورية. كما تتزايد أصابع الاتهام المشيرة للسعودية فيما يخص دعم ونشر الإرهاب، ناهيك عن الانتقادات الغربية المتكررة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة.

ومما زاد الطين بلة، قيام بن سلمان بشن حرب ضد حلفاء إيران في اليمن، ما سبب أزمة إنسانية كبيرة. بالإضافة للهجمة الاقتصادية ضد إيران، واستخدام النفط كسلاح، إذ قامت المملكة بضخ النفط إلى الأسواق العالمية، بهدف تقليل أسعاره المنخفة أصلا، ما تسبب لها في المقام الأول بخسائر إقتصادية كبيرة، إن لم تكن فادحة، ولم يؤثرهذا السلاح على طهران بالشكل المطلوب.

ومن المثير للإهتمام، مواصلة السعودية الآن إغراق أسواق النفط بالإنتاج المفرط، على أمل ضرب الإقتصاد الإبراني، الذي تمكن من البقاء على قيد الحياة لسنوات طويلة في ظل عقوبات غربية واسعة، ومن الواضح أن أسعار النفط المنخفضة، لن تؤثر على إيران، وتوجهاتها السياسية. كما تأمل السعودية القضاء على انتاج النفط الصخري الأمريكي، الذي حد من اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط، غير أن معظم الخبراء يشيرون إلى احتمال مؤكد لعودة انتاج النفط الصخري، فور تحسن الأسعار.

كما أطلق بن سلمان مؤخرا "رؤية 2030"، كأحد الأوجه الأخرى للحرب الاقتصادية. وتسعى هذه الخطة لتنويع مصادر الدخل السعودي، في مواجهة الانخفاض الهائل في أسعار النفط، التي كانت لعقود ركيزة العائلة الحاكمة لضمان السلام والاستقرار الاجتماعي في البلاد. إلا أن هذه الخطة تبدو خيالية للغاية، خاصة في ظل المجتمع السعودي، شبه الخالي من الكوادر الوطنية المؤهلة، والمقيد بتقاليد وعادات ستعرقل بالتأكيد تنفيذ الخطة الطموحة، ناهيك عن تخوف المستثمرين الأجانب -الذين يعتبر استجذابهم حجر زاوية الـ"رؤية" السعودية- من العمل في السوق السعودية، المتعاملة بقوانين الشريعة الإسلامية، بدلا من قوانين التجارة والاستثمار الدولية.

من السهل التنبؤ بنتيجة هذه الحرب. سيكون من الصعب على إيران التوسع في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، بسبب أن معظم سكان العالم العربي من المسلمين السنة، ولكن من المؤكد أنها ستحافظ على نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومن المرجح أنها ستعززه بعد تقديمها الدعم للقوى السياسية النشطة في هذه الدول في الأوقات العصيبة، والذي ستجنى بالتأكيد طهران ثماره في أوقات السلم.

ومن الواضح أن المملكة السعودية تحتاج لرؤية أكثر نضجا وعقلانية، وللتخلي عن شكوكها ونظرتها الطائفية لإيران، وتقبلها كلاعب إقليمي ذو أهمية سياسة لا يمكن إنكارها، والتعامل مع مصالحها بإحترام أكبر، وربما البحث عن سبل للشراكة السياسية والإقتصادية معها.