حرب المعلومات الهندية للمرة الأولى ضد روسيا كانت فاشلة

28.09.2016

أطلقت الهند  حرب المعلومات الأولى من نوعها ضد روسيا في الأسبوع الماضي، مما يشير إلى أن  عقودا من الصداقة المتينة بين اثنتين من القوى العظمى تتحول بسرعة إلى ذكرى من الماضي بعد تحول نيودلهي بسرعة نحو واشنطن. ينظر المراقبون الدوليون إلى 'الأخبار' الوهمية التي ينشرها جهاز البحث والتحليل المخابراتي الهندي (RAW) ، وهو النسخة الهندية عن وكالة الاستخبارات المركزية) في وسائل الإعلام المحلية في الهند، والتي تزعم أن روسيا قد قررت إلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع باكستان على أنها علامة على التضامن مع الهند.
الفرضية وراء هذا الهجوم المعلوماتي هي تقويض الثقة المتزايد بين خصمي الحرب الباردة الذين وضعا بشجاعة الخلافات التاريخية جانبا ودخلا في عهد جديد من التقارب متعدد القطبية والمربح للجانبين. الشرط الذي تم  تقديمه لروسيا مع إنذار ضمني بأنها يجب أن "تختار" بين الهند وباكستان، وهذه المعضلة الملفقة  تماما صممت للحصول على تأثير في وسائل الإعلام ولتغيير المواقف في شبه القارة الهندية تجاه روسيا، ولكن هذا الهجوم أدى إلى نتائج عكسية بشكل مذهل وفي أسوأ طريقة يمكن تصورها بالنسبة للهند، مع أنها في نهاية المطاف فضلت الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة.
الشائعات والأسباب
توقع جهاز البحث والتحليل المخابراتي الهندي  من رواد وسائل التواصل الاجتماعي الهنود أن يتأثروا بهذه الكذبة وبالتالي سيشارك مئات الملايين بذلك مما يؤدي إلى صدمة تكفي لتوليد تأثير كبير في وسائل الإعلام،  بتأثير الهندوتفا في البلاد لتوليد تأثير كبير في  وسائل التواصل الاجتماعي ، وهذا الذي حصل في الواقع في المراحل الأولية. بدأت وسائل الإعلام الأجنبية التقاط القصة الكاذبة حتى من دون التحقق من المصادر، ولو أنهم فعلوا، لكانوا رأوا أن القصة بدأت  من قبل قناة س ن ن الاخبارية 18  (شكر خاص لبيتري كروهن لإيجاد المصدر).
القصة  الكاذبة بأن روسيا قد ألغت تدريباتها مع باكستان تهدف إلى الضغط على صناع القرار الروس لاتخاذ هذا الخيار وذلك لتجنب "الحرج" مع "الحليف" الهندي ، ولكن الهنود اخطؤوا في الحكم على الروس لأن موسكو لن تدع أبدا هذه التكتيكات المخادعة في وسائل الإعلام أن تأثر على سياستها.
على العكس تماما، فإن قضية المعلومات الهندية الملفقة ضد روسيا  جعلت موقف موسكو أكثر صلابة وتصميما على إجراء التدريبات العسكرية المشتركة مع اسلام اباد وتماما في ظروف الثقة الضعيفة بين روسيا والهند. لم يحدث من قبل في التاريخ أن الهند حاولت التدخل بجرأة في السياسة الروسية، ناهيك عن أن ذلك تم من خلال وسائل الإعلام العامة، وهذا يعتبر قرارا لتغيير قواعد اللعبة قد يكون له آثاره الجوهرية في العلاقات الروسية الهندية ، نيودلهي انجرفت نحو الولايات المتحدة منذ حوالي عشر سنوات بالفعل، ولكن هذا المسار تسارع تحت قيادة نارندرا مودي، الذي جعل ذلك نقطة رئيسية في سياسته الخارجية أكثر من أي وقت مضى منذ وصوله إلى السلطة. من الواضح، وكما يبدو أن  استراتيجيات الولايات المتحدة ب'القوة الناعمة' قد تم اعتمادها من الهنود، الذين يقلدون الآن شريكهم العسكري الاستراتيجي الجديد في كل وسيلة وحتى أنهم يعلنوا رسميا عن وجود "الاستثنائية الهندية"
"الاستثنائية الهندية"
قال السفير الهندي السابق لدى الولايات المتحدة في ملاحظة حديثة حول "الاستثنائية الهندية" في نهاية الأسبوع الماضي ما يلي:
"أمريكا لديها فكرتها حول الاستثنائية. كذلك لدينا نحن  فكرتنا حول الاستثنائية الهندية، وقد أخبر بذلك  "الجمهور في  واشنطن ذات مرة. وقال لمحاورين أمريكيين أن الهند تدرك أن شراكتها مع الولايات المتحدة هي الأكثر أهمية. الدافع وراء السياسات الإستراتيجية الهندية هي احتياجات التنمية، وليس التخلي عن حسنة الهند حول مفهوم الحكم الذاتي الاستراتيجي ".
من غير المعروف ما يعنيه بالضبط من هذا، ولا ما هي  الخصائص الإيديولوجية ل"الاستثنائية الهندية، ولكن تقييم التحركات الهندية  في الآونة الأخيرة في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة مودي ، يمكننا من قراءة بعض الاستدلالات.
الأكثر انطباقا بما يخص نطاق بحث المقال يتعلق بالمناورات العسكرية الجبلية بين روسيا وباكستان، والتي تتزامن مع مشاعر هندية في غير محلها وخاصة مع تزامنها مع التدريبات البحرية الخاصة بها مع روسيا في الشرق الأقصى كما يرى معظم المراقبين المحايدين،  الأمر  الذي يحقق التوازن ويلغي اعتراضات نيودلهي، ولكن الهند لم ترض عن هذا، على الرغم من التطمينات التي  قدمتها روسيا في استجابة لضغوط رسمية من نيودلهي على موسكو. ومن المناسب أن نذكر أن الهند قامت بإجراء مناورات مشتركة استفزازية مع الولايات المتحدة في جبال الهيمالايا في الوقت الراهن وعلى مقربة من الحدود الصينية، على الرغم من أن القيادة الهندية على ما يبدو لا ترى أية مشكلة في هذا وليست قادرة كما يبدو على الفهم أن  شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة لعبت دورا حاسما في قرار روسيا بإجراء مناورات مكافحة الإرهاب مع باكستان. على ما يبدو، "الحكم الذاتي الاستراتيجي" لا ينطبق إلا على الهند ولذلك فنيودلهي تعارض أن تمارس موسكو جهودها الدبلوماسية العسكرية لتحقيق التعاون في آسيا، وبالتالي يجعل هذا المعيار المزدوج أحد سمات "الاستثنائية الهندية.
كانت غطرسة السياسة الخارجية للهند جلية منذ فترة طويلة وهي توجه علاقات نيودلهي مع جميع جيرانها الإقليميين في جنوب آسيا، ولكن حتى هذه النقطة، لم تكن قد توضحت في علاقات الهند مع روسيا. حقيقة أن نيودلهي تشعر الآن بثقة كافية لممارسة هذه السياسة التي وضعتها منذ عقود طويلة، سيجعل تعاملها مع موسكو يدل على تحول عميق في التفكير الاستراتيجي في الهند، وجزء كبير من هذا يعود إلى قيادة الهندوتفا من وسائط الدوفال وهي الأسس الأيديولوجية للهندوتفا في التفوق العنصري الديني والميل للعنف والإبادة الجماعية، وهو ما يعكس هيكلية  الاستثنائية في أمريكا،ولدى المذهب الوهابي، و "الأخوة" في الصهيونية. وإذا فهمنا هذه العقائد  الثلاثة المذكورة أعلاه  برئاسة "سيربيروس" الأحادي القطبية، يمكننا من الناحية النظرية أن نقول أنه قد   ظهر الرأس الرابع مع الهندوتفا، الذي لم يضيع الوقت في جعل زملائه فخورين بعقائده التي تحولت دون خجل ضد روسيا وعملت على تعزيز القطبية الأحادية في شبه القارة الهندية .
ما هي العزلة؟
في محاولة خرقاء للحذو حذو الولايات المتحدة في سعيها لعزل روسيا، حاولت الهند شيئا من هذا القبيل ضد باكستان من خلال الاعتماد على نفس الإستراتيجية بالإنذار الشفهي والمهاترات عبر الأمم المتحدة وحرب المعلومات الشرسة، ولكن تماما كما فشلت واشنطن بعزل موسكو، فقد فشلت نيودلهي إلى أبعد الحدود بعزل اسلام اباد. موقف باكستان بشأن كشمير الذي تدعمه منظمة التعاون الإسلامي، والأهم من ذلك موقف الرئيس الإيراني روحاني حيث اتفق على العمل سويا مع الصين وباكستان على الكاريدور الصيني الباكستاني الاقتصادي CPEC، والذي كان ضربة ساحقة للهند. التعاون المتعدد الأطراف مع باكستان، التي لا تحتاج التدريبات العسكرية الروسية لإظهار أنها ليست معزولة، لكنها أبرزت بالتأكيد نقطة هامة حيث أظهرت بقوة أن الهند وحليفها الأميركي الإسرائيلي "لن ينجحا أبدا في الحرب الهجينة على CPEC.
عودة ضربات "غوغاء مودي
جهاز البحث والتحليل المخابراتي الهندي يعرف بأن ردة فعل المجتمع ووسائل التواصل الاجتماعي الهندي ستكون حادة إذا لم يوافق بوتين على طلب مودي، والحق يقال، أنهم وضعوا على الأرجح هذه الحملة المعلوماتية للاستفادة الكاملة من ذلك عندما يكون هناك حدث متوقع ، ولكن الحقيقة ستظهر عندما يكتشف ملايين الهنود موقف روسيا الذي يدعو إلى الفخر.
مصنع الأقزام الهندي، ويشار له بالعامية   باسم "غوغاء مودي" وبالنسبة لهم الولاء للهندوتفا والتعصب ل" الزعيم الأعلى" في الهند، يخرجون بقوة لتوجيه اللوم على روسيا في الفيسبوك وغيرها من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مرددين تصريحات  وزير داخليتهم بأن باكستان هي "دولة إرهابية" ويستنتجون بأن فعل روسيا هو الآن يحدد نوعيتها. ويتم تشجيع القراء الغريبين الذين لم يختبروا هذا بعد ورد الفعل البغيض من خلال قراءة التعليقات على " تقرير روسيا والهند " في صفحة الفيسبوك، التي لديها 'أفضل' الغوغاء "لهذا الغرض ،  الهند تقوم بتبديل علاقتها الإستراتيجية سابقا مع روسيا  بعلاقتها ب'إسرائيل' (الذي تم بالفعل من عدة سنوات).
أفكار ختامية
من وجهة نظر أميركية، كل شيء يسير حسب المخطط،  من خلال  التلاعب ببراعة بالجماهير الهندية بالهجوم على التدريبات العسكرية الروسية الباكستانية من أجل أن يشعر الهنود بقدر من الكراهية نحو موسكو. وقد تم هذا فعلا من أجل زراعة الدعم "الشعبي" بين قاعدة الهندوتفا التي تعمل لمكافحة المحور متعدد القطبية ، وهو الأمر الذي تم بالفعل بشكل مستمر منذ فترة طويلة وهذا ما تنبأ به الكاتب في مقالين مرة في شهر مايو، والثانية التي تحدث فيها مباشرة عن التهديد الحقيقي والضغط الذي تفعله الهند وإعادة صياغة توجهها الجيوسياسي لتفكيك بريكس. ضحى مودي  بعلاقة الهند التاريخية مع روسيا عندما أعطى الإشارة للبدء في أول معركة معلوماتية ضد موسكو في استخدام "الأخبار" الوهمية وتقارير للضغط على موسكو لإلغاء مناورات مشتركة مع "الداعمة للإرهاب" إسلام آباد.
التنبؤ حول المستقبل، يبدو أنه من الواضح أن الأمور لن تكون هي نفسها بين روسيا والهند، وسائل الإعلام الهندية (الغالبية العظمى تسيطر عليها بشكل غير مباشر الحكومة أو حلفاؤها الغربيون إلى حد ما) قد اتخذت بشكل ملحوظ افتتاحيات سلبية للغاية ضد موسكو. هم يتقاربون بشكل صارخ من وسائل الإعلام الأمريكية والمكشوفة تجاه روسيا، لكن المهم أن اللهجة واللغة غير الودية ،  والغمز على روسيا لم يسبق أن حدث سابقا ، الحقيقة أن كل وسائل الإعلام الوطنية تغير موقفها في انسجام كامل وهم يفعلون ذلك بناء على أوامر نيودلهي، أو أنهم  تلقوا" نصيحة "من الشريك الأمريكي العسكري الاستراتيجي. وبالتالي، يمكن أن نتوقع أن  النقاشات ستكون  أكثر علانية في المستقبل القريب وستصيب بالضرر العلاقات التاريخية بين الهند وروسيا ".
وفي ملاحظة أخيرة، فإن قمة بريكس القادمة في غوا ستكون أكثر أهمية مما يتوقعه أي شخص كان، لأن التغيرات الجيوسباسبة التي أحدثتها الولايات المتحدة ستكون في قلب الحدث. سقطت البرازيل ضحية "انقلاب دستوري" والهند هي الآن شريك عسكري استراتيجي للولايات المتحدة، في حين أن جنوب أفريقيا هي غامضة كما كانت دائما في الكتلة. استغرق الأمر سنة واحدة فقط بالنسبة للولايات المتحدة لتفكيك إنجاز غير مسبوق لإعلان أوفا، وعلى الرغم من أن كل دول البريكس قد التزمت الهدوء والعمل المشترك في السعي لتحقيق تلك المصلحة الذاتية المشتركة في إصلاح النظام الاقتصادي والمالي العالمي، فالحقيقة أن العمود الفقري الجيوسياسي للمحور متعدد القطبية تم كسره في الهند ، وهذا أمر ينذر بأن الأساس الأوراسي لهذه المبادرة قد يتغير والعالم يصبح غير مستقر بشكل مقلق. من حيث الوظائف كاملة الطيف فإن "انشقاق"  الهند الجيوسياسي إلى معسكر القطب الواحد يدل على أن حلم المحور متعدد القطبية  لبلدان بريكس بجمع مليارات الناس حسب رؤية يفغيني بريماكوف قد يتلاشى، ولكن عن طريق رؤية بوتين، ربما  تكون إيران يوما ما البديل المناسب للهند في إحياء  صيغة معدلة تربط بين جميع الدول المقاومة والمتحدية للنفوذ الأمريكي.