هل يخدم انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي مصالح موسكو؟

24.06.2016

سارع سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا، مايكل ماكفول، بوصف نتائج الاستفتاء البريطاني بأنها انتصار لفلاديمير بوتين.

وكتب ماكفول في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "صدمت بنتائج الاستفتاء، كل من يؤمن بقوة ووحدة وديمقراطية أوروبا خسر، أما بوتين فقد فاز".

ومن المثير للاهتمام، كيف استخدم المسؤولون الغربيون، "فزاعة" روسيا لحث المقترعين على التصويت لبقاء المملكة في التجمع الأوروبي، حتى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير خارجيته فيليب هاموند، صرحا بأن روسيا (جنبا إلى جنب مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) ستكون أحد المستفيدين الرئيسين إذا انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومن الجدير بالذكر أن موسكو لم تعرب عن أي رأي حول هذا الاستفتاء، ولم تقم في أي حال بأية محاولة  للتأثير على الرأي العام في المملكة المتحدة.

وبالنظر إلى القصة الكاملة للإستفتاء البريطاني، يمكن فهم الحالة العامة. ففي العام 2013، تعهد ديفيد كاميرون بإجراء مثل هذا الاستفتاء في محاولة لاسترضاء المتشككين بالمشروع الأوروبي في حزبه، وبالتالي تجنب الانقسام الداخلي عشية الانتخابات البرلمانية في عام 2015.

والحقيقة هي أن بعض الأعضاء من النخبة في حزب المحافظين كانوا دائما يدافعون عن السيادة البرلمانية ضد إملاءات القوى فوق الوطنية في بروكسل، ولا يمكن للحزب في حال انقسامه الفوز في الانتخابات. وكان الهدف الثاني لوعد كاميرون بإجراء هذا الاستفتاء، منع تدفق الناخبين المحافظين إلى حزب "الاستقلال" في المملكة المتحدة، بقيادة نايجل فاراج.

في ذلك الحين، كان من السهل جدا إعطاء مثل هذا الوعد، خاصة أن استطلاعات الرأي كانت تشير إلى احتمال نزع الثقة عن للبرلمان، ما يعني تشكيل حكومة ائتلافية.

وساهم وعد كاميرون بفوز حزب المحافظين في الانتخابات، وتحت ضغوط المتشككين بالمشروع الأوروبي، تزايد التذمر العام من فقدان بريطانيا لسيادتها تحت عباءة بروكسل، اضطر كاميرون للوفاء بوعده. وبهذا، يتضح أن رئيس الوزراء حاول بهذه الطريقة حل مشاكل الحزب التكتيكية، واضعا المصالح الإستراتيجية للبلد تحت التهديد.

اللجوء إلى الخطاب المعادي لروسيا، أصبح القشة الأخيرة للغريق كاميرون، الذي حاول لعب ورقة "تهديد عدو خارجي"، من بين حجج أخرى، لحمل الناس على التصويت لصالح عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. رغم أن استطلاعات الرأي، أظهرت أن ميل البريطانيين "للطلاق" من بروكسل، جاء بسبب قلق معظمهم من مشكلة الهجرة المنفلتة من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ودفع لندن مبالغ ضخكة (280 مليون جنيه استرليني أسبوعيا) للإتحاد الأوروبي.

من وجهة النظر الاقتصادية، سيؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سلبا على التجارة الثنائية الروسية البريطانية والعلاقات الاقتصادية. ورغم أن حجم التجارة الثنائية ليس له تلك الاهمية الكبيرة، بسبب العقوبات الاقتصادية المتعلقة بأوكرانيا، إلا أن الخسائر الاقتصادية غير المباشرة قد تكون كبيرة جدا بالنسبة لروسيا. على سبيل المثال، روسيا لا تقف على الحياد فيما يتعلق بوضع مدينة لندن كمركز مالي، حيث أسهم الشركات الروسية الرائدة (غازبروم، روسنفت، لوك أويل، سبيربنك وتاتنفت) يجري تداولها في لندن بشكل يومي. وقد ألقت الأنباء الأولى عن نتائج الاستفتاء بظلالها على أسواق المال الروسية، وعلى سعر الروبل بالفعل.

كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤثر سلبا على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي أنشأت معها روسيا شبكة من الاتصالات (مثل هولندا وقبرص، وكلاهما لديهما علاقات اقتصادية وثيقة مع بريطانيا). وكذلك قد يؤثر سلبا على احتياطي الذهب والعملة في روسيا، في ظل انحفاض قيمة اليورو.

أما من الناحية السياسية، فمما لا شك فيه، أن المزاج السياسي في روسيا، يؤيد "تخلص" الإتحاد الأوروبي من بريطانيا، التي تعتبر محرك المصالح الأمريكية في القارة الأوروبية، والمروّج لمعاداة روسيا، فهي وضعت كل ثقلها في قضية تمديد العقوبات الأوروبية ضد روسيا، والتي يسعى الكرملين لإلغائها أو تخفيفها على الأقل، دون نجاح حتى اللحظة، بسبب الضغط الأمريكي/البريطاني.

من الناحية السياسية، روسيا ستستفيد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن بريطانيا تتبنى في الاتحاد الأوروبي الموقف الأكثر صرامة ضد روسيا، جنبا إلى جنب مع بولندا ودول البلطيق. وخروج بريطانيا، سيؤثر على موقف الاتحاد الأوروبي ككل، وسيؤدي إلى تخفيف لهجة الخطاب المعادي لروسيا.من ناحية أخرى.

غير أن هذا الخروج، قد يحمل عواقب سياسية سلبية للإتحاد الروسي، فحالة عدم اليقين في الإتحاد الأوروبي، والتحول في ميزان القوى داخل هذا التجمع، قد يغير خارطة التوجهات السياسية، وبالتالي، قد يضطر الكرملين للتعامل مع خصوم جدد، وبأساليب جديدة. كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تأثير الدومينو، الذي من شأنه أن يشعل فتيل التوترات السياسية في تلك البلدان الأوروبية وفي مواقع قريبة جدا من روسيا.

ومن الواضح أن الادعاء بأن روسيا هي "المستفيد الأول" من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو مجرد مبالغة غير مبررة، من قبل أولئك الذين يحاولن استخدام أية وسيلة لتبرير أهدافهم.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها كاميرون مثل هذه اللعبة المحفوفة بالمخاطر، ففي عام 2011، كان هناك استفتاء على النظام الانتخابي، وبعد ذلك في العام 2014، كان هناك استفتاء على استقلال اسكتلندا. قبل أسبوعين فقط من الاستفتاء الاسكتلندي، انقسم المؤيدون والمعارضون للاستقلال بشكل خطير، كان من الممكن أن يقود رئيس الوزراء كاميرون، البلاد إلى التفكك. إلا أن كاميرون الذي حالفه الحظ مرتين في السابق، قد خسر معركته الأخيرة، وفشل هذه المرة في تحقيق نتائج متسقة مع مواقفه السياسية.