هل تتخلى إسرائيل عن سياسة الغموض النووي؟

28.04.2016

أظهرت فحوص فوق صوتية أجريت على مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي وجود ما لا يقل عن 1537 موضع خلل في البوتقة المعدنية للمفاعل، وفق ما نشر في بحث عرضه علماء في مؤتمر علمي عقد في تل أبيب الشهر الماضي.

ويعود نشوء مواضع الخلل هذه إلى واقع العمر المفرط للمفاعل الذي أنشئ قبل أكثر من 50 عاماً. ويرى خبراء أنه ليس بوسع إسرائيل بناء مفاعل جديد من دون الاستعانة بخبرات دولية، ما يستدعي التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الأمر الذي يهدد الإستراتيجية النووية الإسرائيلية الحالية القائمة على سياسة الغموض.

وبحسب صحيفة «هآرتس» فإن العلماء الذين أعدوا البحث عن مفاعل ديمونا كتبوا إنه ليس في مواضع الخلل المكتشفة ما يشير إلى وجود مشكلة في المفاعل، ولكن كانت الخشية من حالة المفاعل واضحة في المؤتمر العلمي الذي عقد في تل أبيب. وأوضحت الصحيفة أن معظم الأبحاث التي عرضها علماء في المفاعل ركزت على جوانب سلامة المفاعل، وليس على نتائج الأبحاث العلمية فيه. وعرضت أبحاث عن حماية العاملين وتعزيز المفاعل لمواجهة هزات أرضية، أو حماية المفاعل من الصواريخ.

وبوتقة المفاعل النووي مصنوعة من المعدن المغلف بطبقة من الخرسانة، وتوضع بداخلها قضبان الوقود النووي، وفيها يحدث الإشعاع. وقد حصلت إسرائيل على مفاعل ديمونا من فرنسا في نهاية الخمسينات، وبدأ الخدمة الفعلية في العام 1963. وبوتقة المفاعل تتحمل درجة حرارة هائلة وطاقة إشعاع كبيرة تؤدي مع الوقت إلى تآكلها، لذلك فإن مفاعلات من هذا النوع معدة للخدمة 40 عاماً خشية ألا تتحمل أعباء العمل الشاق.

وتظهر برقية للسفارة الأميركية تسربت، ضمن وثائق الخارجية الأميركية، أنه في العام 2007 أبلغ نائب المدير العام للمفاعل البروفيسور إيلي أبراموف نائب وزير الخارجية الأميركي حينها روبرت جوزيف أن إسرائيل تعمد إلى تغيير كل أجهزة المفاعل، وخصوصاً أبراج التبريد. غير أنه أضاف أن المشكلة تتمثل في واقع أن بوتقة المفاعل لا يمكن تغييرها، لذلك فإنه تتم صيانتها طوال الوقت بوسائل أخرى للتأكد من صلابتها. وفي المؤتمر العلمي في تل أبيب في آذار الماضي تم للمرة الأولى الكشف عن احدى وسائل مراقبة وضع المفاعل عن طريق الفحص الفوق صوتي (ألترا ساوند).

وعبر هذه الطريقة يتم إنزال قضيب إلى داخل المفاعل حاملاً 16 مجساً فوق صوتي، وبواسطة موجات الصوت يمكن اكتشاف مواضع الخلل، والتصدعات المختلفة في البوتقة. وأجري هذا الفحص في العام 2007 وأعيد عام 2015، وهو الفحص الذي أظهر وجود 1537 موضع خلل. ومعروف أن البروفيسور عوزي إيفن، وهو عضو سابق في لجنة الطاقة النووية، يدعو منذ سنوات إلى إغلاق المفاعل بسبب شيخوخته.

وفي كل حال فإن الأبحاث تظهر أن إدارة المفاعل تبدي خشية من حالة البوتقة المتقادمة. وحتى إذا كانت البوتقة صالحة حالياً فإن إسرائيل لا تملك على المدى البعيد حلاً للمشكلة. ويرجع ذلك أساساً لأسباب سياسية، علمية واقتصادية، حيث لا تريد إسرائيل ولا تملك القدرة على بناء مفاعل جديد. والخلاصة أن إسرائيل صارت تقل من استخدام المفاعل وتزيد من الفحوصات وترتيبات السلامة.

واعتبر المعلق الأمني في صحيفة «معاريف» يوسي ميلمان أن ما نشر عن مواضع الخلل في المفاعل يعني أن «ساعة الحقيقة في السياسة النووية لإسرائيل تقترب». وفي نظر ميلمان فإن مواضع الخلل كانت متوقعة سلفاً مع ازدياد عمر المفاعل، وأنه في العام 2004 نقل عن كبار المسؤولين في المفاعل اعترافهم، في مؤتمر علمي، بالمصاعب التي يواجهونها لرفع مستوى الأمان والسلامة فيه. ونقل عن مدير عام لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية حينها جدعون فرانك قوله إن الأميركيين طوروا أساليب تسمح بإطالة عمر المفاعل 20 سنة أخرى.

وأشار ميلمان إلى أن «المفاعل في ديمونا صار ابن 53، وهو تلقى ويتلقى علاجاً مضاداً للشيخوخة هو الأكثر تقدما في العالم. والسؤال هو إلى متى؟ إذا ما استندنا إلى أقوال فرانك في تلك الندوة، فقد تبقى للمفاعل سبع سنين عمر أخرى. وبالتالي فلن يكون مفر عندها من تعطيله». وأوضح أن هذا «اضطرار تكنولوجي ينطوي على معضلة إستراتيجية هي الأعلى مستوى. فالمفاعل الذي اشترته إسرائيل من فرنسا، حسب منشورات أجنبية، كان بقوة 24 ميغاوات ويستهدف ظاهراً أغراض البحث. ولكن حسب تلك المنشورات، فقد زادت إسرائيل إنتاجه إلى 50 ميغاوات، وربما، حسب منشورات أخرى، أكثر من ذلك».

وأضاف ميلمان، أنه حسب ما نشر في الخارج، تنتج إسرائيل في المفاعل يورانيوم وبلوتونيوم، وهي مكونات تركيب السلاح النووي. وكان هذا الهدف الأصلي للمبادرين، رجال الخيار النووي في قمة الحكم في إسرائيل ـ رئيس الوزراء دافيد بن غوريون ومساعداه شمعون بيريز وموشيه ديان. على هذه الخلفية نشبت خلافات في القيادة السياسية والعسكرية، وكان هناك من عارضوا الخطوة مثل يغئال ألون وفلاسفة مثل يشعياهو ليفوفيتش وعلماء نووي، بعضهم استقال من لجنة الطاقة الذرية.

ويرى ميلمان أن إسرائيل أبدعت في تطويرها سياسة الغموض النووي فمنعت ملاحقتها في المحافل الدولية بهذا الشأن، لكنها حرمتها أيضا من التوقيع على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. وأضاف «هذا هو الشرك الذي توجد فيه إسرائيل الآن. ليس لإسرائيل القدرة والعتاد لبناء مفاعل نووي جديد. وهي بحاجة إلى مساعدة من الخارج. وإذا ما وقعت على الميثاق، ستتمكن من الحصول على مفاعلات نووية لأغراض البحث وإنتاج الكهرباء، لكنها ستكون مطالبة أيضاً بان تعلن وتكشف عما لديها في الموضوع النووي والاحتكار المنسوب لها في ذلك في الشرق الأوسط».

وبعد أن يشير ميلمان إلى تقديرات تقول بأن إسرائيل صنعت 200 قنبلة، وتقديرات معهد السلام في السويد تتحدث عن 80 قنبلة، يقول إنه لديها ترسانة تسمح ببقاء الردع حتى إذ أغلق المفاعل. مع ذلك يوضح أن المفاعل بقبته المتميزة كان أيضاً رمزا لكون إسرائيل قوة عظمى نووية.

جريدة "السفير"