هل ترامب هتلر الولايات المتحدة الأمريكية فعلا؟
لم يكن يعتقد معظم المحللين السّياسيين أن دونالد ترامب سيفوز في الانتخابات ضد مواطنته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ليصبح الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أقواله المثيرة للجدل من جهة والممتلئة كراهية من جهة أخرى، فقد قال في وقت سابق عن الرئيس الكوري كيم جونغ أون الذي يكن عداوة كبيرة لأمريكا ولا يتوان لوهلة في تهديدها بضربات نووية كورية: كم عدد الشباب أمثاله في عمر الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين، الذين تولوا الإشراف على هؤلاء الجنرالات الصارمين، وكل ذلك بشكل مفاجئ.. إن الأمر مدهش عند التفكير فيه. وبعد أن هاجم المسلمين في عدة مواضع صرح في مواضع أخرى قائلا: أحب المسلمين وأعتقد أنهم رائعون، ولدي الكثير من الأصدقاء المسلمين، ويمكن أن تضم حكومتي مسلمين. وهاجم ترامب المهاجرين المكسيكيين ووصفهم بالمجرمين وبائعي مخدرات، كما تكلم بكلام سيء عن النّساء، وشكك في خطورة الاحتباس الحراري والتّغير المناخي الحاصل في العالم.
إن هذا الأسلوب الذي انتهجه دونالد ترامب إنما كان مناورة مدروسة للفوز بالانتخابات، وهو أبعد ما يكون عن هذا الأسلوب، خاصة وهو أمريكي تربى في أمريكا ودرس فيها وكون ثروته فيها، إن ترامب لم يقم بمحاكاة شخصية هتلر كما يعتقد الكثيرون، ولا بمحاكاة ستالين ولكن لعب دور العالم المثقف الفيلسوف على طريقة داروين وشوبنهاور ونيتشه، ونجح في ذلك إلى أبعد الحدود ونال إعجاب الجماهير، فأمام مجتمع أكثره ملحد لا يؤمن إلا بنظرية التّطور الداروينية من جهة، ويدرس نظريات نيتشه وشوبنهاور من جهة أخرى، لا شك أنه سيلقى احترام الجميع فقد تمثل على صورة هؤلاء.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيقبل الشعب الأمريكي بالتحقيق الفعلي لكلام ترامب على أرض الواقع؟ الجواب: طبعا لا، فإن هتلر لم يقم إلا بتطبيق عملي لما هو مسطّر في كتب هؤلاء الثلاثة الذين ذكرناهم آنفا ولكن في المقابل لا يتمتع بالسمعة التي يتمتع بها هؤلاء، فهو يعتبر سفاحا مجرما في نظر العالم بينما يعتبرون علماء فلاسفة غيروا مجرى الإنسان في نظر الأكثرية، يقول المؤرخ "هيكمان " عن هتلر: لقد كان مؤمنًا راسخًا بالتطوُّر ومبشرًا به، وأيًّا كانت عقده النفسية الأعمق والأغوص، فأنه من المؤكد أن (فكرة الصراع كانت مهمة بالنسبة له) لأن في كتاب "كفاحي" بيَّن بوضوح عددًا من الأفكار التطوُّريَّة، وخاصة تلك التي تؤكد على الصراع، والبقاء للأصلح، وإبادة الضعفاء لإنتاج مجتمع أفضل. ويقول هتلر: كنت أحمل أعمال شوبنهاور معي طوال الحرب العالمية الأولى، وقد تعلمت منه الكثير. ويذكر الصحفي وليام شايرر أن هتلر بعدما ترك السجن كان كثيرًا ما يزور متحف نيتشه في مدينة فايمر، معلنًا عن تبجيله لهذا الفيلسوف عبر التقاط صور له وهو يحدق مسرورًا في التمثال النصفي لهذا الرجل العظيم.
لقد كان هتلر وستالين وكيم جونغ إيل دكتاتوريين حقيقيين، فقد صقلتهم المواقف وخرجوا من رحم المعاناة، فبصمت بذلك حياتهم النفسية والإجتماعية على أخلاقهم ومبادئهم، فقد ولد هتلر في عائلة متواضعة وقد عاش حياة بئيسة وكان أبوه عنيفا يشبعه كل مرة ضربا، ومن المثير للإهتمام أننا نجد أن هتلر ذكر ذلك ودونه، وبعد موت أمه عانى هتلر من الحرمان وأصبح يعيش في مأوى للمتشردين وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى تطوع في الجيش وعمل كساعي بريد وهو عمل خطير جدا لكثرة تعرضهم لإطلاق النار والقنص من القوات المعادية، وهكذا تواصلت حياة هتلر بالمصاعب والمصائب حتى أصبح فوهرر ألمانيا، وهكذا أيضا عاش ستالين حياة بئيسة وكان يتعرض للضرب من أبيه السكير مما دفعه فيما بعد ليرد الإعتبار لنفسه فقام بتغيير اسمه من جوزيف إلى ستالين أي الرجل الحديدي، وفي وقت قصير أصبح ستالين ثوريا ينصب العداء للنظام الحاكم، ونظم عدة مظاهرات مما أسفر عن اعتقاله عدة مرات ولكنه تمكن من الهروب وواصل طريقه نحو السلطة وبالفعل حصل له ذلك وفعل بعدها ما فعل، أما كيم جونغ إيل فقد ولد في معسكر سري للمتمردين في كوريا وكان المعسكر بقيادة والده وقد عاش حياة صعبة مما جعل منه شخصية ثورية صلبة.
أما ترامب فقد تربى في أحضان والده الذي منح له الحب والمال وأدخله جامعة هي من بين الأعرق في الولايات المتحدة الأمريكية وهي جامعة بلسنفانيا، وبعد نهاية دراسته التي طبعا لم تكن فلسفية أو اجتماعية كي لا يقول قائل أنه تأثر بدراسته ولكنه كانت اقتصادية ليهيئ نفسه للدخول إلى عالم الأعمال مع أبيه، الذي خلفه دونالد فيما بعد على رأس هذه الشركات، ويذكر أنه ليس لترامب سجل سياسي كبير أو نضال معروف، بل وصل إلى ما وصل إليه من خلال أمواله وهذا ما يظهر من خلال مؤلفاته التي كتبها: أحدها حول سيرته الذاتية وآخر نصائح لمن يريد أن يصبح غنيا، وكتب أخرى حول الإقتصاد.
من خلال تصريحات دونالد ترامب يتضح أنه يريد أن يعطي لنفسه الشرعية الكاريزماتكية التي تكلم عنها الفيلسوف ماكس فيبر والمتمثلة في السلطة المطلقة للقائد على الشعب الذي ينقاد له بشكل كلي نتيجة عمل عسكري أو سياسي أو ثوري مهم قام به، ولا شك أن دونالد ترامب لم يقم بشيء من هذا القبيل، وحتى لو قام بذلك فإن دستور الولايات المتحدة الأمريكية يعطي صلاحيات للرئيس ولكن دائما هذه الصلاحيات مقيدة بقرارات الكونغرس الأمريكي، ويتضح ذلك جليا من خلال قانون جاستا الأخير أين استعمل الرئيس المنتهي ولايته باراك أوباما الفيتو كمحاولة لمنع تمرير قانون جاستا وانقاذ العلاقات الأمريكية السعودية ولكنه باء بالفشل ومرر الكونغرس الأمريكي القانون، فمثلا تعيين المناصب في الولايات المتحدة الأمريكية يكون من طرف الرئيس ولكن بموافقة مجلس الشيوخ أحد مجالس الكونغرس الأمريكي، المراسيم التنفيذية الصادرة عن الرئيس يمكن توفيقها أو تعطيلها من طرف الكونغرس. أما بخصوص تصريحات ترامب عن رغبته في تعزيز العلاقات مع روسيا وحتى رغبته بالتواصل مع زعيم كوريا الشمالية الحالي فهذا لا أشك أنه مجرد كلام بسيط لا علاقة له بالحقيقة، فإن السياسة الخارجية الأمريكية غير معلقة بالرئيس فقط بل بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الذي يلعب دورا مهما في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية.
لا يمكن لترامب لوحده أن يحدث أي تغيير يذكر، لا في السياسة الداخلية ولا الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، ولا داعي للترقب ولا للتخوف فكما كان العالم ينتظر تغيرا إيجابيا في عهده أوباما ولم يحدث شيء، فلا أعتقد أنه سيتغير شيء في عهد ترامب، فالسياسة الأمريكية هي نفسها ولم تتغير يوما بتغير الرؤساء.
لا يمكن لترامب أن يظهر نفسه بعد الآن على أنه الزعيم العصبي الذي يقول ما يريد ويفعل ما يشاء، بل سنرى الآن رئيسا يحترم أمريكا ويحترم الشعب الأمريكي ويحترم قبل كل شيء القانون الأمريكي ومبادئ الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رأينا كيف تكلم بعد فوزه في الانتخابات وأكد أنه رئيس كل الأمريكيين وأنه سيعمل من اجل بلده، ولا شك أنه لن يحقق ذلك إذا واصل في طريق مهازله التي لا فائدة له منها على الإطلاق، فلن يكون ترامب هتلر ولا ستالين ولكن سيكون خادما لأمريكا كسلفه حذو القذة بالقذة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا مسؤولية على هيئة التحرير