هل ستواجه واشنطن طهران بعد الاختبارات الصاروخية؟
واشنطن لن تغض الطرف عن الاختبار الصاروخي الإيراني، والذي تعتبره "غير مقبول على الاطلاق"، وهو ينتهك الاتفاق النووي، مشيرة إلى أن هذه الصواريخ الإيرانية كافية لحمل رؤوس نووية.
وردا على ذلك، تقول طهران إن الادارة الامريكية تبحث عن "ذريعة" لإثارة التوترات الجديدة معها، وأكدت أن برنامجها الصاروخي ليس موضوعا في الاتفاق النووي، ولا يغطيه قرار مجلس الأمن (2231 )، وذلك لأن الصواريخ الإيرانية "ليست مصممة لحمل رؤوس نووية"، و "إيران لن تستخدم أبدا الصواريخ المصنعة محليا لمهاجمة أية دولة أخرى".
الخلاف حول تفسير قرار الأمم المتحدة:
ولم يكن هذا الاختبار الصاروخي هو الأول في إيران منذ إعلان الاتفاق النووي. حيث شرعت إيران بإجراء سلسلة من التجارب الصاروخية في شهري أكتوبر ونوفمبر عام 2015، وكذلك في يناير كانون الثاني ومارس ويوليو من عام 2016. لذا فإن النقاش هنا يرتبط بتفسير الاتفاق النووي نفسه، وقرار مجلس الأمن (2231)، الذي "دعا" إيران لعدم القيام بأية أنشطة تتعلق بالصواريخ الباليستية التي صممت لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية، بما في ذلك عدم استخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية لمثل هذه الصواريخ لمدة ثماني سنوات.
وتؤكد إيران أن الصواريخ الجديدة، على الرغم من أنها قادرة على حمل رؤوس نووية، فهي غير مصممة لهذا الغرض، وبالتالي فهي ليست مخالفة للقرار 2231 الذي جاء في صيغة غير ملزمة خلافا لصيغة القرار السابق (1929). حيث ذكر القرار السابق، (1929) أن على "إيران عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، بما في ذلك باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، ويجب أن تتخذ الدول جميع التدابير اللازمة لمنع نقل التكنولوجيا أو التقنية المساعدة لإيران المتعلقة بهذه الأنشطة ".
مع هذا الجدل لم يكن غريبا أن العديد من البلدان لم تكن إيجابية حول اختبار الصواريخ الايرانية. صحيح أن بعض المواقف تؤكد أن إيران لا تزال تشكل عقبة أمام السلام في المنطقة، ولكنها لم تتخذ موقفا حاسما تجاهها، وأن دعوة مواجهة إيران، أو حتى التوقف عن العمل معها حول الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها ، لم تحدث.
على سبيل المثال، فقد دعا الاتحاد الاوروبي إيران فقط أن تمتنع عن الأنشطة التي تعيق "بناء الثقة"، مثل تجارب الصواريخ الباليستية، وفقا لنبيلة ناصرالي المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي ، والتي أشارت إلى أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية لم يكن مدرجا في اتفاق "الخطة الشاملة للعمل المشترك "، وبالتالي فإن هذه الاختبارات لا تشكل انتهاكا.
كما ان روسيا تعتبر أن الاختبار الصاروخي الإيراني يتماشى مع قرار مجلس الأمن بشأن برنامجها النووي، وترى أيضا أن المطالبة بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن هو "لتسخين الوضع"، والاستخدام "لأغراض سياسية". نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أكد أن قرار الأمم المتحدة (2231) لم ينص على منع إيران من إجراء تجارب صاروخية، بل يدعو ايران لعدم إجراء اختبارات على صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وأضاف أن: "الدعوة ليست من حيث المنطق مماثلة للمنع .. انها ليست نفس الشيء ".
وأشار الدبلوماسي الروسي إلى أن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)" - وفقا للاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 15 يوليو 2015 - فرضت رقابة صارمة على البرنامج النووي الإيراني برمته، بما في ذلك اعتماد الإجراءات الشاملة التي تتيح ضمان عدم وجود أي برنامج نووي عسكري في إيران، وتابع: "هذا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك أي حديث عن رأس حربي من هذا القبيل حتى من الناحية النظرية".
وزير الخارجية الفرنسي، على الرغم من انه اتصل بإيران لتهدئة المخاوف الدولية بشأن الصواريخ البالستية، لكنه قال خلال لقاء في طهران مع نظيره جواد ظريف، في 31 يناير 2017، أن هناك حاجة إلى مراجعة الاتفاق النووي "لأنه اتفاق تاريخي بين إيران والمجتمع الدولي". وأعرب جان مارك أيرولت عن قلق بلاده من تصريحات في هذا الاتجاه، كالتي أدلى بها ترامب خلال حملته الانتخابية.
إمكانية تجديد العقوبات الأمريكية ضد إيران:
بسبب استمرار إيران في اختبار الصواريخ الباليستية، ومواقف بعض الأطراف الأخرى، فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على إيران، في 3 فبراير 2017، باعتبارها الخطوة الأولى من هذا النوع من قبل إدارة ترامب. وشملت العقوبات 25 شخصا وكيانا ايرانيا والأجانب المتورطين في مساعدة برنامج إيران الصاروخي أو مساعدة "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" والنخبة في "قوة القدس" التي تعتبرها الولايات المتحدة تدعم الجماعات "الإرهابية"، مثل "حزب الله".
من ناحية أخرى، وزير الخارجية الايراني جواد ظريف، يعتبر أن عقوبات الولايات المتحدة على إيران خطوة "استفزازية" ، وانتهاكا للاتفاق النووي، مشيرا إلى أن "إيران لن تتأثر بمثل هذه التهديدات". وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن نيتها فرض عقوبات ضد الشركات ورجال الأعمال الأمريكيين، وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل.
هل أصبح الخيار العسكري هو "الخيار المعتمد" في مواجهة إيران ؟:
مع قرار الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على إيران، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الخيار العسكري قد اختفى في التعامل مع إيران، واضعين في الاعتبار قول الرئيس الامريكي دونالد ترامب في تغريداته على التويتر إن "ايران تلعب بالنار - لأنهم لا يقدرون كم كان الرئيس أوباما "لطيفا" معهم، مشددا على أنه لن يكون مثله، وجميع الخيارات مطروحة
على الطاولة، بما في ذلك توجيه ضربة عسكرية، خصوصا بعد التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة.
في ضوء ذلك، رأى البعض أن احتمالات المواجهة العسكرية مع إيران لا تزال موجودة، خاصة بعد إعلان "الحرس الثوري الإيراني" مناورات عسكرية جديدة في 4 فبراير 2017، شملت إطلاق الصواريخ، وتستخدم فيها أنواع مختلفة من الرادارات والصواريخ محلية الصنع وأنظمة ذات قدرات مختلفة. قبل يوم واحد من هذه التمارين، أرسل الجيش الامريكي مدمرة بحرية إلى السواحل قبالة اليمن، بالقرب من مضيق "باب المندب"، لحماية الممرات المائية من جماعة "الحوثيين" المدعومة من إيران، كما قالت واشنطن.
البيت الأبيض أيضا قد أصدر بيانا على موقعه على الانترنت عن سياسة ترامب في المستقبل، وأكد فيه أن الإدارة الجديدة تعتزم وضع نظام دفاع صاروخي "متطور" تحسبا لوقوع هجمات من قبل إيران أو كوريا الشمالية.
وكذلك هناك مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي، مقدم من إلسي هوستاند، عضو لجنة الشؤون الخارجية، في 3 يناير 2017، والذي من شأنه أن "يسمح باستخدام القوات المسلحة الأمريكية من أجل منع إيران من امتلاك أسلحة نووية "، ويأذن لرئيس الولايات المتحدة بتوجيه" ضربة وقائية "ضد إيران. قدم مشروع القانون هذا من خلال الكونغرس، مع قائمة من المطالب الاخرى لفرض عقوبات على إيران بسبب توسع برنامجها الباليستي الصاروخي.
ولكن على الرغم مما سبق، فالصعوبات لا تزال موجودة أمام واشنطن لمواجهة إيران عسكريا، للأسباب التالية:
- الكونغرس الأمريكي لم يتخذ بعد أي قرار بشأن مشروع القرار القاضي بالسماح للرئيس الأمريكي بتوجيه "ضربة عسكرية وقائية" ضد إيران. معظم الناس يعتقدون أن هناك فرصة ضعيفة للغاية بأن يمر القرار في مجلسي الشيوخ والنواب. إن إدارة ترامب لم تقدم أية بيانات "رسمية" عن خططها لاستخدام القوة ضد طهران، وكذلك لم يطالب ترامب "رسميا" بعد توليه منصبه بإلغاء الصفقة النووية مع إيران، على الرغم من انتقاداته القاسية للاتفاق خلال حملته الانتخابية.
- أعلنت الحكومة الإيرانية أيضا من جانبها، أنها لن تستخدم القوة ضد أي طرف إلا في حالة الدفاع عن النفس، وفقا لتغريدة وزير الخارجية الايراني جواد ظريف، في رده على الرئيس الأمريكي الذي أخذ الموقف المتشدد تجاه إيران، خصوصا بعد إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى.
- صحيح أن ترامب، خلال حملته الانتخابية، أدان الاتفاق النووي، وفي بعض الحالات لم يفرق بينه وبين برنامج الصواريخ الباليستية، ولكن يبدو أن هناك رغبة كبيرة داخل الإدارة الأمريكية بعدم إنهاء الاتفاق الآن، و ويمكن أن نشير هنا إلى بيان من وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس -الذي كان معروفا بسبب مواقفه السابقة المتشددة جدا حول إيران – والذي قال في المؤتمر انه يأمل في أن يتمكن الاتفاق من منع الأنشطة النووية الإيرانية لفترة أطول من المنصوص عليه، ولكن العالم أكثر أمنا الآن مع هذه الاتفاقية. كان ترامب على بينة من هذا
التغيير في موقف ماتيس ، لكنه لم يغير اختياره، وطلب من الكونجرس الموافقة على تعيينه وزيرا للدفاع.
- إذا قررت واشنطن إلغاء الاتفاق النووي والدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، سيكون هناك بالطبع آثار هامة، مما يؤثر ليس فقط على مصداقية الولايات المتحدة، التي أيدت الاتفاق بالفعل على المستوى الدولي في الماضي، ولكن واشنطن سوف تتحمل أيضا تكاليف التوترات مع إيران، والتي سوف ترتفع إلى المليارات من الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين. كما ستضطر الولايات المتحدة لاتخاذ احتياطات أمنية مكثفة. والأهم في مسألة التكاليف، سيتعين على واشنطن زيادة وجودها على الأراضي الإيرانية نفسها، وسوف تضطر إلى تكثيف الدوريات البحرية في الخليج والمحيط الهندي.