غارتا دمشق: إسرائيل تختبر نيات موسكو.. وخطوطها الحمراء
شكّلت الغارة الإسرائيلية الأخيرة قرب دمشق موضوعاً لتحليل المُعلقين العسكريين في الصحافة الإسرائيلية. وفيما اعتبر معلقون أن الغارة تعني موافقةً روسية صامتة على الخطوط الحمراء الإسرائيلية، رأى آخرون أن إسرائيل ما كانت لتفعل ذلك لولا اضطرارها، بسبب ما تنطوي عليه هذه الغارة من مساسٍ بروسيا.
وأشار المعلق العسكري لموقع «والا»، أمير بوحبوط، إلى أن الغارة توضحُ أن إسرائيل لا تبدي تردداً حينما يتعلق الأمر بأي تهديد يمسها «حتى لو تعلق الأمر باقتراب جوهري من ميدان العمليات الروسية في سوريا. والرسالة المركزية التي وجهها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن كانت إسرائيل المسؤولة عن الغارة، هي أن لإسرائيل خطوطاً حمراء، وهي لن تقبل بتسليح حزب الله».
وفي نظر بوحبوط، فإن «الكرملين لم يصدر بعد أي بلاغ سياسي يتحدى الخطوط الحمراء الإسرائيلية، ومن الجائز أن هذا الصمت ينطوي على نوع من تقبل السياسة الإسرائيلية، ما دامت لا تمس بالمصالح السياسية والأمنية الروسية. والواقع أن آلية التنسيق أعدت لمنع سوء الفهم بين القوات، لكنها لا تتضمن اطلاعاً مسبقاً على عمليات ميدانية».
وأشار بوحبوط إلى أن «المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تلتزم الصمت ولا ترد على مختلف التقارير، ولكن وفق أحداث الأسبوع الأخير على الأقل، يبدو أن حكم تهريب السلاح لحزب الله من سوريا هو كحكم العمليات الإرهابية لداعش في جنوب هضبة الجولان ضد جنود لواء غولاني. في الحالتين الهجوم من الجو، وإذا صحت التقارير المحلية والأجنبية، يمكن الافتراض أن الجيش الإسرائيلي يبدي يقظة في كل ما يتصل بإزالة المخاطر الاستراتيجية على دولة إسرائيل».
وبرغم إشارة بوحبوط إلى تعاون روسي مع «حزب الله» في مجال العمليات في سوريا، فإن هذا الحزب لا يحظى حتى الآن بالغطاء الجوي الروسي القائم على الساحل السوري وقرب دمشق. ونقل عن رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي العميد طال كلمان قوله إن «منظومات السلاح التي نشرت في البحر المتوسط مؤخراً ليست موجهة ضد دولة إسرائيل، وذلك لأننا نفهم نيات مشغلي هذه المنظومات، فنحن نطير ونتواجد».
وأضفى المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، نوعاً من الإثارة في تعليقه على الغارة الإسرائيلية قرب دمشق، حين كتب أن «كل اللاعبين في الملعب السوري، بما في ذلك إسرائيل، «حزب الله» وايران، ينتظرون بفضول يصل إلى القلق ما ستقوله موسكو. واضح للجميع أن الهجوم المنسوب لإسرائيل هو «حالة اختبار» لحدود حرية العمل الاسرائيلية في سوريا وفي لبنان، ولكل رد روسي ستكون له آثار على ميزان القوى الإقليمي».
وأضاف أن «الروس يكتفون حتى الآن باقتباس بيان المتحدث العسكري السوري عن الغارة الإسرائيلية قرب دمشق. لا تنديدات، لا تحليلات، لا تسريبات للمحافل في القيادة الروسية. والتمسك بالرواية السورية يدل على أن الروس، من ناحيتهم، يقبلون حقيقة أن اسرائيل مسؤولة عن الهجوم ولا يعتزمون المشاركة في لعبة الاستغماية الاسرائيلية. ومع ذلك، فحقيقة أنهم لم يصدروا بيانا خاصا بهم تدل على أنهم لم يقرروا بعد ما سيفعلونه بهذه المعلومة».
واعتبر فيشمان أن الموقف الروسي حرجٌ بعض الشيء لأن الغارة الإسرائيلية تشكل «أول اختبار علني، ظاهرياً، للتفاهمات التي تحققت بين القيادتين السياسيتين على مستوى بوتين ونتنياهو. ومنذ نشر الروسي جيشه في سوريا في 2015، تقلصت الأنباء عن الهجمات الجوية الإسرائيلية في سوريا، باستثناء الهجمات على طول الحدود في هضبة الجولان. ومع أن الواقع هو الذي استدعى استمرار الاعمال، إذ إن «حزب الله»، بمساعدة الجيش السوري، واصل تهريب العتاد العسكري الى لبنان، ولكن كان يبدو أن اسرائيل اختارت ألا تضع التفاهمات مع روسيا قيد الاختبار».
ومع ذلك، لاحظ فيشمان أنه منذ نشر الروس منظومات «إس 300» و«إس 400»، صار سلاح الجو الإسرائيلي يحلق تحليقاً أكثر تحفظاً من السابق. وأضاف: «مسموح الافتراض أن كل نشاط يتجاوز الحدود يدرس في اسرائيل درساً أكثر تدقيقاً من أجل توسيع هوامش الأمن».
وتابع أن «إسرائيل أوضحت طوال الوقت أنها لن تتنازل عن أي حرف في الخطوط الحمراء التي وضعتها لنفسها في سوريا وفي لبنان: لا للسلاح الكيميائي في يد الجيش السوري أو «حزب الله»، لا للمس بالسيادة الاسرائيلية، ولا لتهريب عتاد هو من ناحيتها محظور الى لبنان».
وخلص فيشمان إلى أنه «من الرد الروسي حتى الآن، يمكن أخذ الانطباع بأن روسيا تعترف بحق إسرائيل في منع تسرب سلاح من نوع معين من سوريا الى لبنان، ولكن ليس مؤكداً أن هذه ستبقى صورة الوضع على مدى الزمن».
أما المعلق الأمني في صحيفة «معاريف» يوسي ميلمان، فاعتبر أن الغارة الإسرائيلية تشكل ضربة غير مباشرة لروسيا، وهي تثبت استمرار قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على العمل في سوريا.
وكتب: «هذا الاسبوع فقط أُعلن عن غارتين: الاولى، ليلة الاحد ـ الاثنين، ضد هدف لداعش في جنوب هضبة الجولان ردا على إطلاق النار نحو كمين للجيش الاسرائيلي. وتحمَّل الجيش الاسرائيلي المسؤولية عن الهجوم. وكان هذا هجوما محدودا ومحليا، ما ينطوي عليه من خطر ليس كبيرا. فروسيا ونظام الأسد على حدّ سواء يرحبان بكل ضربة لداعش ويتفهمانها اذا تمّت قرب الحدود الاسرائيلية وفي أعقاب استفزاز».
وأضاف ميلمان «أما هجوم سلاح الجو قرب دمشق فهذه قصة اخرى. اسرائيل هذه المرة ايضاً لم تؤكد ولم تنف كما حصل في كل الهجمات الاخرى المنسوبة لها في الماضي في عمق سوريا»، مشيراً إلى أن روسيا حليفة للنظام السوري وكل ضربة له هي مثل ضربة غير مباشرة لموسكو أو لسعي روسيا لترسيخ نظام الحكم فيه. وإذا كان ما ينسب لإسرائيل صحيحا بالفعل، فلا بد أنه كان لإسرائيل سبب استثنائي لعمل ذلك وللمخاطرة.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"