إعادة رسم خرائط النفوذ في سوريا.. واشنطن تسعى لعزل موسكو ودمشق عن الرقة
أصبح من الواضح أن الإهتمام الغربي المتصاعد تجاه مدينة الرقة السورية، يبعد كل البعد عن الأهداف المعلنة بتخليص المدينة من قبضة تنظيم "داعش"، إذ تظهر التصريحات الغربية والأطلسية أن سوريا أصبحت مناطق نفوذ، من المباح إعادة رسم خرائطها دون حرج.
ففي حين أعلن حلف شمال الاطلسي (الناتو) أن طائراته "الأواكس" تنفذ مهمات استطلاع لصالح المعركة على الإرهاب في الساحتين العراقية والسورية. يحرج الأميركيون بتصريح "جديد"، يؤكدون فيه تشابك معركتي الموصل والرقة! ويبدأون الحديث عن خطوات لعزل المدينة السورية. ومن المؤكد أن تصريح آشتون كارتر لم يأت بجديد، إذ يدرك القاصي والداني حقيقة هذا التداخل بين الساحتين منذ اكثر من عامين، إلا أن الإعلان عن الأمر من قبل وزير الدفاع الأمريكي، يعني ان واشنطن قد بدأت بأعمال تطبيقية على الأرض
.
ورغم الإقرار بالتشابك والتداخل، سارع الوزير الأمريكي لتأكيد أن روسيا "لن تشارك في عملية التحالف في الرقة"، الأمر الذي يعني أيضا إقصاء الجيش السوري عن حقّه في استرداد المدينة السورية.
ومن البديهي أن المسارعة الأمريكية الأطلسية لفتح جبهة جديدة في الرقة، بعد إطلاق معركة "تحرير الموصل"، تهدف إلى السيطرة على الحدود السورية العراقية، لمنع التواصل الجغرافي المحتمل من ايران الى العراق وسوريا، فلبنان.
كما أن التصريحات الغربية تشي بنوع من التقسيم لمناطق النفوذ السوري، إذ يتم إقصاء روسيا وسوريا عن معركة الشرق السوري، في حين ينصب "التحالف الدولي" نفسه وكيلا ومسؤولا عن خوضها، وتحديد القوى الممكن لها المشاركة فيها، فيما يتقدم الأتراك في الشمال السوري ملوّحاين بعملية غزو مشابهة في الشمال العراقي، بالترافق مع حملة تهويل من مشاركة حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" في حسم المعركة في حلب.
غير أن اكثر ما يثير الريبة في الموقف الاميركي والحديث عن الرهان على قوى محلية لتحرير الرقة، أن الولايات المتحدة تدرك انها تفتقر الى القوات الكافية للعمل على الأرض من اجل شن معركة حاسمة ضد "داعش" في الشرق السوري. فقوات "سوريا الديمقراطية" الكردية لا تزال قاصرة او عاجزة، عن فتح معركة واسعة في الشرق، كما أن عمليات التجنيد السخية التي أطلقتها واشنطن بين ابناء العشائر وغيرهم في اطار ما يسمى "جيش سوريا الجديد"، تمخضت عن فشل شنيع، تجلى بأوضح صوره في عملية الإنزال الكارثية التي وقعت في مدينة البوكمال في يونيو/حزيران الماضي، في محاولة جديدة للامساك بمقاليد السيطرة على الحدود السورية مع العراق، دون نجاح يذكر.
ومن المثير للإهتمام، إعلان وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر في باريس، بدء الاستعدادات لعزل الرقة، متباهيا بـ"الانتصارات" ضد الجهاديين التي تحققت في منطقة الرقة على أيدي "قوات سوريا الديموقراطية" المدعومة من واشنطن لمدينة نبج في آب/أغسطس 2016.
وتساءل الوزير الأميركي "اي قوة عسكرية ستستعيد الرقة؟ المبدأ الاستراتيجي للتحالف يقول إن هذه المهمة يجب ان تتولاها قوات محلية فاعلة علينا تحديد هويتها والسماح لها بالتدخل"، معتبراً أن "هذا الأمر لا يمكن ان يقوم به سوى اناس يعيشون هنا. لأننا نسعى الى هزيمة دائمة لداعش، ولا يمكن تحقيق هزيمة دائمة عبر قوات خارجية". ولم يوضح الوزير الاميركي إذا ما كان سيتم إستثناء تركيا التي لوحت مرارا بتصميمها على المشاركة في معركة الرقة، شريطة استبعاد المقاتلين الاكراد من المشاركة فيها، ما يعني فعليا ابعاد "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الأميركيين.
وكان كارتر قد اكد يوم الأحد الماضي من اربيل "أننا نريد ان نرى بدءاً لعملية عزل الرقة بأسرع وقت ممكن، ونحن نعمل مع شركائنا على الأرض في سوريا من اجل ذلك"، موضحاً انه "سيكون هناك بعض التزامن بين العمليتين (الرقة والموصل)"، مضيفاً ان "فكرة التزامن هذه شكلت جزءاً من تخطيطنا منذ فترة".
وشدّد الوزير الأميركي على أن روسيا "لن تشارك في عملية التحالف في الرقة"، قائلاً "نحن نعمل على تفادي الصدام بين عملياتنا والعمليات الروسية في سوريا من خلال قناة عسكرية ـ عسكرية مهنية جداً بين الجانبين. هذه القناة تعمل بنشاط بشكل يومي، والكل ملتزم بمهنية عالية من كلا الطرفين".
وأشار كارتر الى "بدء العمل على الأرضية مع شركائنا لعزل الرقة، سيكون هناك تزامن (مع الموصل). هذا جزء من خططنا، ونحن متحضرون لذلك"، مشيراً إلى وجود قوات سورية محلية "قادرة ومتحمسة" ستقود المعركة. وقال في هذا الإطار "نحن نعمل على توليد القوات المحلية".
وبدوره، أشار نظيره الفرنسي جان ـ ايف لودريان أمس، إلى "تلازمٍ" بين العمليات المقررة في العراق وسوريا، من دون ان يحدد جدولاً زمنياً واضحاً.
وترأس الوزيران في باريس اجتماعا ضم ثلاثة عشر وزير دفاع يمثلون ابرز دول "التحالف" لعرض سير الهجوم على الموصل في العراق ونتائجه والمراحل التي ستليه. وقال لودريان "بالنسبة للموصل، فإن الأمور حتى الان تسير في شكل مطابق لما خططنا له"، مكررا ان المعركة ستكون "صعبة".
وفي ما يتعلق بسوريا، قال إنه "كما الموصل، تشكّل الرقة هدفاً استراتيجياً وتظل بالتأكيد محور اهتمامنا".
من جهته، دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الثلاثاء التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق الى "استباق تبعات سقوط الموصل" في شمال العراق، محذرا بصورة خاصة من "عودة المقاتلين الاجانب" الى بلادهم او انكفائهم الى سوريا.
وفي السياق ذاته، أعلن الأمين العام لحلف شمال الاطلسي يانس ستولتنبرغ امس، أن طائرات "اواكس" الاستطلاعية التابعة للحلف قامت بأول مهمة لها دعماً للتحالف ضد "داعش". وقال ستولتنبرغ ، إن "الحلف نفسه يقدم الآن دعماً مباشراً بطائرات اواكس الاستطلاعية"، مشيرا الى ان اول الطلعات جرت في العشرين من أكتوبر/تشرين الاول الحالي، أي يوم الخميس الماضي.
وبعدما اشار الى أن الحلف "ملتزم بدعم عمليات التحالف لهزم تنظيم الدولة الاسلامية بشكل نهائي"، أكد رغم انه لا يستطيع الافصاح عن دور تلك الطائرات بدقة، الا انها "لن تشارك في العمليات القتالية".
من جهة اخرى، أعرب الأمين العام لـ"الناتو" عن قلقه بشأن احتمال استخدام الطراد الروسي "الأميرال كوزنيتسوف" المتوجه إلى سواحل سوريا لتوجيه ضربات إلى حلب.
وقال ستولتنبرغ إن الناتو يتابع حركة مجموعة السفن الحربية الروسية الحاملة للطائرات "بشكل اعتيادي ومسؤول"، مشيرا إلى أن هذه المرة ليست الأولى التي يتوجه "كوزنيتسوف" فيها إلى البحر المتوسط، إلا أن المجموعة هذه "من المحتمل أن تستخدم هذه المرة لتعزيز قدرات روسيا في إجراء عمليات عسكرية في أجواء سوريا وزيادة الضربات الموجهة إلى حلب"، معتبراً ان "ذلك يثير المزيد من المسائل حول تصريحات الجانب الروسي بشأن استعداده للعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية"، داعيا "القيادة الروسية إلى وقف قصف حلب وتنفيذ الهدنة والمساهمة في البحث عن حل سياسي".
يذكر أن وزارة الدفاع الروسية قدأعلنت في وقت سابق أنها لم تنفذ هي والقوات السورية أي طلعات جوية فوق حلب منذ أسبوع، غير أن الإتهامات الغربية ضد موسكو تتواصل.