أفول الحلم السعودي

09.01.2017

جهدت المملكة العربية السعودية لمدة نصف قرن على تأسيس نفسها باعتبارها القوة الرئيسية بين الدول العربية والإسلامية ومؤخرا، قبل عامين،  بدت كما لو أنها نجحت في ذلك. رسالة وزارة الخارجية الأمريكية التي بعثت بها وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، في عام 2014 والتي نشرتها ويكيليكس تحدثت بأن السعوديين والقطريين يبدو وكأنهم انتصروا في معركتهم "للسيطرة على العالم السني".
وبعد ذلك بعام وفي ديسمبر عام 2015، كانت المخابرات الألمانية الخارجية BND قلقة جدا من تنامي نفوذ المملكة العربية السعودية مما تطلب خطوة غير عادية بصياغة مذكرة، مفادها ان "الموقف الدبلوماسي الحذر المعتاد من الأعضاء القياديين الكبار في السن في العائلة المالكة يتم الاستعاضة عنه بسياسة تدخل متهورة ".
أجبر الحرج الذي وقعت به الحكومة الألمانية المخابرات الألمانية الخارجية BND على التراجع، ولكن على مدى العام الماضي، فإن المخاوف إزاء تأثير السياسات السعودية الأكثر عدوانية لزعزعة الاستقرار أصبحت أكثر من واضحة. ما لم يكن متوقعا هو السرعة التي أحبطت بها الطموحات العالية للمملكة العربية السعودية على كل الجبهات تقريبا. وفي العام الماضي شهدت المملكة العربية السعودية خسارة حلفائها في الحرب السورية وهم يفقدون المركز الحضري الأكبر في شرق حلب. هنا، على الأقل، كان  التدخل السعودي الفاشل بشكل غير مباشر ولكن في الحرب اليمنية كان تدخل الآلة العسكرية السعودية مباشرا ومكلفا جدا وفشل في تحقيق النصر. بدلا من تقليص النفوذ الإيراني من قبل السياسة السعودية الأكثر نشاطا، فالعكس تماما قد حدث. في اجتماع أوبك الأخير خفض السعوديون انتاج النفط الخام في حين رفعت إيران إنتاجها، عكس ما كانت تقوله الرياض دائما.
في الولايات المتحدة، الضامن النهائي لاستمرار حكم آل سعود، سمح الرئيس أوباما لنفسه بأن يتذمر من  اتفاقية السعودية مع واشنطن التي تعتبر المملكة العربية السعودية كصديق وحليف. على المستوى الشعبي، هناك تزايد في العداء ضد السعودية ينعكس بشبه إجماع ظهر في الكونغرس للسماح لضحايا عائلات 11/9 بمقاضاة الحكومة السعودية وتحميلها المسؤولية عن الهجوم.
من خلال توجيهات نائب ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، وهو الشخصية الأقوى في صنع القرار السعودي، فقد أصبحت  السياسة الخارجية السعودية أكثر عسكرية وقومية بعد استلام والده الملك  سلمان يوم 23 يناير عام 2015والبالغ من العمر 80 عاما.  حيث جاء التدخل العسكري السعودي في اليمن ، كما تم تقديم المزيد من المساعدة السعودية لتحالف المتمردين في سوريا المتمثل في جبهة النصرة  التابعة لتنظيم القاعدة.
لم تسر الأمور بشكل جيد بالنسبة للسعوديين لا في اليمن ولا في سوريا. كان يتوقع السعوديون أن يهزموا الحوثيين بسرعة، ولكن بعد خمسة عشر شهرا من القصف الشديد عليهم وعلى حليفهم، الرئيس السابق صالح، ما زالت العاصمة صنعاء وشمال اليمن بيدهم. وقد أدى القصف الذي طال أمده على أفقر دولة في العالم العربي  إلى وقوع كارثة إنسانية حيث أن 60 % من سكان اليمن، والبالغ عددهم 25 مليون نسمة، لا يحصلون على ما يكفي من الطعام أو الشراب.
كان للتدخل السعودي في سوريا عام 2015 إلى جانب المتمردين عواقب مدمرة على نحو غير متوقع. كان السعوديون محظوظون لأن قطر كانت الداعم الرئيسي لحركة التمرد السوري عام 2013 حيث ظن هؤلاء الحلفاء أنه يمكنهم هزيمة الرئيس بشار الأسد أو استدراج الولايات المتحدة إلى القيام بذلك نيابة عنهم. في هذا السياق، خدم الضغط العسكري الكبير الأسد بجعله يسعى إلى مزيد من المساعدة الروسية والإيرانية، وعجل بالتدخل العسكري الروسي في سبتمبر 2015 وهذا ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لمعارضته.
تم توجيه اللوم للأمير محمد بن سلمان داخل المملكة وخارجها لسوء التقدير والتسرع  الذي جلب الفشل أو الجمود على الصعيد الاقتصادي، مشروعه الاقتصادي الذي يمتد حتى عام 2030 لتصبح المملكة العربية السعودية أقل اعتمادا على إيرادات النفط وأكثر جذبا كدولة غير نفطية كان ممزوجا بالشك والسخرية من البداية. ومن المشكوك فيه ما إذا كان هناك الكثير من التغيير في نظام المحسوبية داخل السعودية حيث تنفق نسبة كبيرة من إيرادات النفط على توظيف السعوديين بغض النظر عن مؤهلاتهم أو رغبتهم في العمل.
احتجاجات العشرة مليون عامل أجنبي في المملكة العربية السعودية ، والرقم يمثل ثلث السكان البالغ  30 مليون نسمة، نتيجة لعدم دفع الأجور لأنه يمكن تجاهلها أو سحقها بالجلد والسجن. أمن الدولة السعودية غير مهدد!
الخطر بالنسبة لحكام المملكة العربية السعودية وقطر ودول خليجية أخرى هو الغطرسة والتمني والإغراء في محاولة لفعل أشياء تتجاوز قوتهم. لا شيء من هذا يعتبر جديدا، فدول الخليج النفطية ازدادت قوتها في العالمين العربي والإسلامي منذ هزيمة الأنظمة القومية في مصر وسوريا من قبل إسرائيل في عام 1967. يجد الباحثون أن المملكة العربية السعودية تعمل الآن الشيء نفسه فهي تستغل العنصر القومي والعسكري بشكل جيد لتعزيز دعم الحكام طالما هم يعدون بالنصر، ولكن هذا سيسلبهم الشرعية  عندما يعانون من  الهزيمة.
عملت المملكة العربية السعودية ودول الخليج سابقا من خلال حلفائها وأتباعها حتى بدايات الثورات الشعبية عام 2011. حيث تحولت قطر والمملكة العربية السعودية فيما بعد لدعم تغيير الأنظمة بالقوة. الثورات قد تحولت إلى ثورات مضادة، وخاصة مع وجود التركيبة الطائفية المتنوعة  في بلدان مثل العراق وسوريا واليمن والبحرين حيث يوجد سكان من السنة وسكان من غير السنة.
منتقدو السياسات السعودية والقطرية يصورونهم بصورة الماكر الفعال، ولكن السمة الأكثر بالنسبة لهم هي اعتمادهم على الفوضى وجهلهم بالظروف الحقيقية على الأرض. في عام 2011 اعتقدت قطر بأن الأسد يمكن أن ينتزع  بسرعة من السلطة كما حصل لمعمر القذافي في ليبيا. عندما لم يحدث هذا قامت بضخ المال والسلاح طوعا أو كرها كما اعتقدت أنه  يمكن إقناع الولايات المتحدة بالتدخل عسكريا للإطاحة بالأسد كما فعل حلف شمال الأطلسي في ليبيا.
يشكك الخبراء حول مدى علم السعوديين والقطريين بتمويل الدولة الإسلامية والقاعدة والفصائل المنبثقة عنها في سورية. الجواب يبدو أنهم لا يعرفون، وغالبا لا يهتمون،  لأن غالبية التمويل، على أية حال،  جاء من أفراد أثرياء وليس من الجهات الحكومية أو المخابرات السعودية.
الآلية التي يمكن من خلالها وصول المال السعودي إلى الجماعات الجهادية المتطرفة موضحة "في مقال كارلوتا غال في صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر كانون الاول، وكيف مول السعوديون   حركة طالبان بعد هزيمتهم في عام 2001. المقال يستشهد بوزير المالية السابق في طالبان أغا يناير معتصم ، حيث يشرح في المقابلة كيف انه يتوجه الى المملكة العربية السعودية لجمع مبالغ كبيرة من المال من الأفراد ثم ينقله سرا إلى أفغانستان. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أفغان قولهم بأن كلفة 40000 من  طالبان بالنسبة للجهات المانحة الأجنبية كانت مليار $.
أثبتت الوقائع أن محاولة   المملكة العربية السعودية ودول الخليج النفطية لتحقيق الهيمنة في العالمين العربي والإسلامي كانت كارثية على الجميع تقريبا. السيطرة على شرق حلب من قبل الجيش السوري والسقوط المرجح للموصل بيد الجيش العراقي هو خسارة للعرب السنة في مناطق شاسعة كبيرة تمتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. بفضل  المحسنين   في الخليج، هم يواجهون بشكل دائم الحكومات المعادية لسياساتهم.