فلسطينيو سوريا ورحلة البحث عن حياة في لبنان

07.09.2016

هم نازحون، أو يمكن القول إنّهم لاجئون. لا يهم ذلك كثيراً. لا يكترث هؤلاء للتوصيف، هم كانوا على دراية بكل النتائج التي ستترتب حين قرروا النجاة بأنفسهم والهرب من الحرب في سوريا.

ثلاثة شباب كانوا يعيشون في كنف "المدينة التي لا تنام"، كما يحبون تسميته، أي مخيم اليرموك في سوريا. أتوا إلى لبنان في العام 2012، يحملون وثائق فلسطينيّة سوريّة ليبدأوا رحلة البحث عن حياة كريمة.

العنصرية
خسر محمد شقيقه ووالده في سوريا، أمّا ديانا فقد علمت أن المحل الذي كانت تمتلكه عائلتها سوّي أرضاً كما منزلهم. بينما خرج وسام مع عائلته من سوريا خوفاً من انخراط أحدٍ منهم في الحرب.

يتقاسم هؤلاء المعاناة نفسها، مخيم اليرموك الذي كان يضج بالحياة تحول إلى خراب. يتحدثون عن الماضي وهم على يقين بأنّهم لن يعودوا. يسيطر الحنين على ديانا وهي تتحدّث عنه، الكهرباء لا تنقطع، الأسواق تعجّ بالحياة، الأبنية مرتبة. "هناك كانت الحياة، لا هنا".

كان من الصعب على ديانا مواجهة حقيقة البلد الذي أحبته متأثّرة بالشعارات: "لبنان بلد الحريات، منبع الديمقراطية، سويسرا الشرق". سرعان ما اكتشفت حقيقة الوضع هنا. تقول: "الشعور بالاستغلال لا يفارقني في حياتي اليومية، هذا عدا العنصرية تجاه اللاجئ". تروي عندما دخلت إلى الجامعة لدراسة فن التواصل، وقدّمت مشروعاً يتناول المسلسلات السورية، "كوني ابنة تلك البيئة"، ما استفز بعض الطلاب، وخرجت إحداهن لتقول: "كمان السوريين بدن يمسكوا المشاريع بالجامعة".

أما محمد، الذي أصر على مواجهة الظروف القاسية، فانخرط في العمل التطوعي، لإيمانه بأنّ جزءاً من رسالته يكمن في مساعدة اللاجئين على هذه الأرض. لكنّه لم يسلم من النظرة "الدونية"، رغم كونه مسؤولاً عن المشاريع في إحدى الجمعيات. في أحد الأيام سمع واحداً من الذين كان يعتبرهم زملاء يقول: "هيدا يلي من سوريا، صار مديرنا".

لم تنحصر المضايقات بسبب أنّه لاجئ في العمل فقط، بل امتدّت إلى الحياة اليومية. ففي حال "دوبل" على الأوتوستراد، يصرخ أحدهم: "أنت سوري وبدك تدوبل"، لكون سيارته تحمل رقم لوحة سورية.

وسام، الذي سكن في مخيم عين الحلوة يحكي عن تجربته في الحرب. قبل مجيئه إلى لبنان. اعتقل مرتين وهو ينتقل من شارع إلى آخر في مخيم اليرموك من قبل الجيش النظامي دون سبب واضح. "كنت أنضرب، طوال اليوم، ويسألونني إذا كنت تابعاً لجهة معينة وعندما أجيب بالنفي. أصفع على وجهي، ولا أتفوّه بأي كلمة، فالفوضى مخيفة في اليرموك". يصف وسام حياته داخل مخيم عين الحلوة بالجحيم. لا هواء نقي، الشوارع ضيّقة، "حتى لا مكان للجلوس على الأرض". يزيد أهل المخيم الأمور صعوبة، "نحن الحلقة الأضعف، يسخر البعض منّا، ويطلبون منّا الرحيل من المخيم".

الاستغلال
"لا مستقبل في هذا البلد"، هذا ما يُجمع عليه الثلاثة. إذ لا حماية قانونية لهم، وإذا تمكّن أحدهم من الحصول على وظيفة، يفرح صاحب العمل لأنّهم فلسطينيون، إذ لا يتكبد أيّ مصاريف كالتأمين وعقد عمل. تقول ديانا: "أعمل مقابل 300$ شهرياً، دون أيّ ضمان أو تأمين، كأنّني سلعة طبع عليها فلسطينية/ سورية".

يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى عدم موافقة الدولة اللبنانية إعطاء صفة لاجئ للفلسطينيين السوريين، كي لا تتحمل تكاليفهم. مع العلم، أنّه تم الاتفاق مع "الأونروا" على معالجة الوضع، ويبدو أنّ الجهات الرسمية اللبنانية صنفتهم ضمن النازحين في "دولة الأونروا" التي لم يغادروا حدودها، بينما السوريون غادروا الحدود الدولية وبذلك أصبحوا "لاجئين".

إذاً، هم ليسوا لاجئين. يتوجّب عليهم تجديد إقاماتهم كلّ ثلاثة أشهر بكلفة 200$ للشخص الواحد. وبسبب هذه الكلفة المرتفعة، ومنع تجديد الإقامات حسب "مزاج" السلطات، قرّرت ديانا عدم تجديد أوراقها، "نحن 3 أشخاص، ولم أجدّد الإقامة منذ ستّة أشهر أي أنّها ستكلّفني مبلغ 1200$".

إلى جانب سياسة السلطات اللبنانية هناك الجمعيات الدولية. تمتنع هذه الجمعيات عن توظيف لاجئين، إن كانوا سوريين أو سوريين فلسطينيّين. يقول محمد: "يحقّ لهم حسب القانون الجديد توظيف 10% من الأجانب، بشرط ألّا تكون جنسيتهم سورية أو فلسطينية، بحجة الخوف من التعاطف مع اللاجئين".

يبقى الحل الوحيد هو السفر، وهذا ما يفكّر به وسام "الخروج من هنا، إلى العراق للوصول إلى تركيا". تقاطعه ديانا "يلا، وخدني معك، ومحمد كمان، يمكن نرتاح".

سارة حطيط - عن ملحق "الشباب"