فلسطين.. الإنضمام إلى الإتحاد الروسي

16.05.2016

قد تبدو فكرة إنضمام فلسطين إلى الإتحاد الروسي للوهلة الأولى خيالية وبعيدة عن الواقع وليس لها ما يبررها، إلا أنه بالنظر إلى تاريخ التواجد الروسي في المنطقة، وتاريخ العلاقات الدينية والثقافية بين روسيا وفلسطين التاريخية، يتضح أن هذا الأمر ممكن جدا، بل أنه ضروري، لدعم وتوثيق المصالح المشتركة للشعبين الروسي والفلسطيني، خاصة في ظل وجود جذور الإحترام والود والتاريخ المشترك، إن لم يكن من الناحية الدينية والثقافية والإجتماعية، فمن ناحية وحدة الأعداء الجيوسياسيين للشعبين الروسي والفلسطيني، وسعيهم منذ عقود لزعزعة إستقرار ورفاه الشعبين.

كان من المثير للإهتمام في بداية العام 2014، حين إجراء إستفتاء انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وانضمام الإقليم فعليا إلى الإتحاد الروسي، قيام حوالي 50 ألف مواطن فلسطيني بتوجيه رسالة للرئاسة الروسية، تطالب بضم قطاع غزة المحاصر إلى روسيا. هذا الأمر بدأ كمداعبة ساخرة، إلا أنه ليس خافيا على أحد، أن هذه المداعبة كانت تغطي رغبة حقيقية في إنضمام الشعب المنهك، الذي يحاول منذ عقود، الحصول على أبسط حقوق الحياة والعيش الكريم دون نجاح، بسبب التهميش المتكرر من قبل مؤسسات المجتمع الدولي، المنقادة وراء الإرادة الغربية والأمريكية، والتي تضع مصالح الولايات المتحدة، ووليدها في المنطقة إسرائيل على قائمة أولوياتها.

وبالنظر إلى روسيا، الوريث الشرعي للإتحاد السوفييتي، الذي لطالما دعم وناصر حقوق الشعب الفلسطيني. واستعادتها لدورها الريادي وقوتها العظمى وتأثيرها في العالم والمنطقة، ولدت في وعي الفلسطيني المنتهك الحقوق، بادرة أمل بالإنضمام إلى الكيان الروسي العملاق، القادر على حماية حقوقه، واستعادة كرامته. ورغم أن هذا الأمل لم يتعدى كونه شطحة خيال في نفوس المستضعفين، إلا أنه عند التفكير المتعمق، تبدو الفكرة أقرب إلى الواقع والحقيقة، رغم الصعوبة المحتمة لتنفيذها.

يتواجد في فلسطين ما يزيد عن 10 آلاف متحدث بالروسية، الكثير منهم من مواليد روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفييتي السابقة، ورغم سوء الأوضاع والقصف المتكرر والعمليات العسكرية الإسرائيلية الهمجية، لم يلاحظ أي نوع من مغادرة أو هرب هؤلاء الأشخاص إلى بلدهم الأم، وهذا يدل على أن وجودهم في فلسطين، رغم قسوة الظروف، موضع ترحيب. وهذا الأمر يعد دليلا على امكانية تواجد المواطنين الروس في فلسطين، واندماجهم في الحياة والعيش فيها، ما سيتعزز في ظل وجود حكومة فيدرالية روسية، تحافظ على الأمن والإستقرار في المنطقة، وتصد الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، والتي لا تلقى قوة قانونية أو عسكرية تردعها، بسبب إنعدام الإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وتواجد قضيته في يد وسطاء غربيين، يثمنون علاقاتهم بإسرائيل على حساب مصالح الفلسطينيين.

كما أن الشعب الفلسطيني من أكبر الشعوب تثقيفا في العالم، ونسبة حملة الشهادات العليا، من أكبر النسب بين شعوب العالم، الأمر الذي سيخدم مصالح الإتحاد الروسي، الذي يتواجد الآن في حاجة ماسة لمؤهلات علمية وفنية.

وقد تشكل مسألة اللغة والدين في السنوات الأولى حاجزا ثقافيا، إلا أن هذه المشكلة قد تجاوزها الإتحاد الروسي بنجاح مطلق في تجاربه مع الحمهوريات الإسلامية الروسية، مثل الشيشان وتتارستان وأخرى، حيث تم الحفاظ على اللغة الأصلية كلغة رسمية إلى جانب اللغة الروسية. ومن الناحية الدينية، يتميز المسلمون الفلسطينيون بالنظرة المعتدلة، وانعدام العنصرية القومية أو الدينية لديهم، وهذا الأمر يؤكده التعايش والتسامح بين الطوائف الفلسطينية المسلمة والمسيحية التي هي أرثوذكسية بالمناسبة، وأقرب إلى الكنيسة الروسية الشرقية، من الكنيسة البابوية الكاثوليكية.

كما أن فلسطين تعتبر وجهة هامة للمسيحيين الروس، ولها في قلوبهم موقعا خاصا، والكثير منهم يحلم بزيارة بيت لحم والقدس ومواقع أثرية ودينية أخرى في الأرض المقدسة، وانضمام فلسطين إلى روسيا الإتحادية، سيسهل عملية التنقل، وسيعزز السياحة الدينية والثقافية، ما سيصب في النهاية في مصلحة الشعبين والحكومتين الفيدرالية والمحلية، بسبب عوائد السياحة التي ستصبح داخلية.

بالإضافة إلى السياحة الدينية، ستتحول فلسطين المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وعلى البحر الميت، إلى منتجع سياحي محلي لمواطني الجمهوريات والأقاليم الروسية، ما سيغنيهم عن الرحلات السياحية المكلفة والمحاطة بالمخاطر إلى مصر وتركيا ودول أخرى. بالإضافة إلى أن تعزيز المجال الزراعي في الأراضي الفلسطينية تحت رقابة وخبرة فيدرالية روسية، ودون مضايقات إسرائيلية، سيسهم في سد حاجة الأقاليم الروسية من الفواكه والخضروات والمنتجات المشتقة التي تحتاج لمناخ متوسطي لنموها وانتاجها، ما سيدعم خطة الإكتفاء الذاتي الروسية في ظل العقوبات الحالية من دول الغرب وتبعته، وعقوبات لاحقة قد تنشأ.

ومن الناحية السياسية، سيشكل وجود الأراضي الفلسطينية تحت الإدارة الفيدرالية الروسية، عامل استقرار في المنطقة، محليا وإقليميا: محليا، ستكون روسيا قوة ردع تمنع الهجمات والإنتهاكات الإسرائيلية، كما أن الحياة الكريمة للمواطنين الفلسطيين، ستلغى الحاجة لوجود حركات المقاومة المسلحة، وستوجه الإهتمام الجماهيري نحو قضايا أخرى، مثل قضايا العمل والإنتاج والتنمية, ومن المعروف أن عددا كبيرا من السكان في إسرائيل، من المتحدثين بالروسية، ومن المهاجرين من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وكون الأراضي الفلسطينية جزءا من روسيا الكبرى، سيسهم في تعزيز التواصل المجتمعى والثقافي والسياسي بين الشعبين، ما سيخفف من نزعات التطرف وانعدام التفاهم بين الشعبين.

وعلى المستوى الإقليمي، سيكون لروسيا تواجد قانوني في منطقة الشرق الأوسط، يسمح لها بتطوير العلاقات التجارية والدبلوماسية مع دول المنطقة، ويسهم في تعزيز دورها ونفوذها في المنطقة، ما سيخدم مصالحها في صراع النفوذ على المستوى العالمي، خاصة في ظل الأهمية الحصرية للمنطقة، بالإضافة إلى أن الأسطول الروسي سيتمتع بقواعده الخاصة في البحر المتوسط، ما سيعزز من قوته ونفوذه، وسيمحو أهمية التهديدات التركية فيما بتعلق بسيطرتها على مضيق البوسفور، وإمكانية إعاقة تحركات السفن الروسية.

من الناحية الجغرافية، تبدو فلسطين على الخريطة بعيدة عن روسيا، إلا أنها في الحقيقة أقرب إلى موسكو جغرافيا من أقاليم ما وراء الأورال ومن الشرق الأقصى، ومما لا شك فيه، أن انضمام الأراضي الفلسطينية (قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية) إلى الكيان الروسي، سيخدم مصالح الشعبين، بشكل غني عن الوصف ومن كل النواحي.

لن تشكل فلسطين عبئا ماليا أو إقتصاديا على الإتحاد الروسي، فالموارد موجودة ووفيرة، من إحتياطات الغاز قبالة شواطئ غزة، مرورا بالإمكانيات الزراعية واللوجستية لاحقا، وحتى كون المنطقة وجهة سياحية من الأهم عالميا.

الأمر بطبيعة الحال لن يكون سهلا، وسيلقى مقاومة عنيفة من قبل إسرائيل الساعية بتوجيه أمريكي إلى الحفاظ على وضع الفوضى الراهنة وزيادة زعزعة الإستقرار في المنطقة، الأمر الذي سيختفي فور ضم فلسطين إلى روسيا، كما أن تل أبيب لن تكون قادرة في هذه الحالة على تجاهل القوانين الدولية، ومواصلة انتهاكات حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، الذي أصبح جزءا من الشعب الروسي، ومحميا بجيشه وجهازه الدبلوماسي. إلا أن هذه المسألة من الناحية القانونية تعتمد فقط على إرادة الشعب الفلسطيني وعلى إرادة القيادة الروسية، ومن الممكن تطبيقها عبر استفتاء مماثل لما جرى في القرم، ومن المؤكد أنه سيشهد نجاحا غير مشهود، أو عبر وسائل قانونية أخرى، وهي بالمناسبة كثيرة.