بحر الصين الجنوبي بوابة التوتر الصيني ـ الأميركي
في العلاقات بين الدول، تتداخل الجغرافيا بالسياسة، والمصالح بلعبة شد الحبال في سبيل تحصيل أكبر نسبة من المكاسب الممكنة على طاولة المفاوضات. وتنشط الضغوط والأدوار المتقنة في عملية تثبيت نقاط القوة، للقوى والمحاور السياسية التي تتولى ادارة المشهد السياسي على المسرح الدولي.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة تعيش حالة من القلق تجاه صعود نجم الصين كمنافس رئيس، لا سيما على المستوى الاقتصادي، حيث تشرف الصين على أكبر عملية تصدير للأسواق العالمية، وتتحكم مصانعها بأكبر كمية من السلع المنتجة، من مختلف الأنواع والكميات والتقنيات الحديثة. ومن المواضيع المختلف عليها بين الصين والولايات المتحدة يأتي بحر الصين الجنوبي. فالصين تعتبر أن حقها في استثمار موارد بحر الصين الجنوبي لا جدال فيه، في ظل اعتراض دول مجاورة، على رأسها الفيليبين وبروناي وماليزيا وفيتنام وتايوان، التي تحظى بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأميركية.
فهل ستكون مشكلة التنازع على بحر الصين الجنوبي، بوابة نزاع دولي في المحيط الهادئ، ما يزيد من حجم وتعقيد المشاكل الدولية، التي تثيرها الولايات المتحدة، مستفيدة من المشاكل الحدودية بين الدول، لتتدخل وتفرض حلولا وتسويات وفقا لمصالحها؟
هذا السؤال يقودنا الى ملاحقة التوترات شبه الدائمة التي يتسبب بها التنازع على ملكية الجزر في بحر الصين الجنوبي.
فالصين تعتبر نفسها منذ استقلالها في العام 1949، القيمة الأساسية على ملكية الجزر الواقعة في وسط البحر الغني بكنوزه وموارده الأولية. كما تدافع عن حقها القانوني في أن تستفيد من كل المنافع السياحية والطبيعية التي تختزنها مياه البحر. ومن المرشح أن تستمر التوترات والخلافات بين بكين وواشنطن، التي لا تترك فرصة إلا وتحرّض عبرها جيران الصين للمطالبة بحقوقهم (المشروعة) في تقاسم خيرات وموارد بحر الصين الجنوبي. وهذا ما تعتبره الصين تهديدا واستفزازا لسيادتها على الجزر والمياه الإقليمية في بحر الصين.
وفي سبيل التخفيف من حدة التوتر، تقدمت تايوان ـ الدولة الجارة للصين والقريبة حاليا من الولايات المتحدة ـ في السنة الماضية، بمبادرة سلام لحل النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، التي أعلنها الرئيس التايواني ما يينج جيو، ودعت الأطراف المتنازعة إلى تعليق خلافاتها مؤقتا، لتتمكن من إجراء مفاوضات حول تقاسم الموارد.
وما ساهم في رفع منسوب التوتر، قيام الصين في أواخر العام 2013، بإنشاء منطقة الدفاع الجوي التي يفترض أن تقوم فيها الطائرات بتعريف نفسها للسلطات الصينية فوق بحر الصين الشرقي، الأمر الذي أثار إدانة من جانب اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأستراليا.
وتتمثل الاستفزازات الأميركية، التي تتحدث عنها الصين باستمرار، من خلال عبور السفن الحربية وتحليق الطائرات الحربية الأميركية بشكل مريب ومن دون إبلاغ السلطات الصينية فوق الجزر المتنازع عليها في بحر الصين. كما تدّعي بكين الحق الحصري في استثمار موارد الجزر وإقامة المنتجعات السياحية والمحميات الطبيعية واستخراج خيراتها، التي يمثل المرجان والمعادن الثمينة إضافة الى النفط والغاز أحد مصادر غناها.
وحاليا لا زالت مشكلة الإشراف على بحر الصين الجنوبي تتسبب بالمزيد من الخلافات بين الصين وجيرانها الإقليميين المدعومين من الولايات المتحدة الأميركية. ففي شهر أيار الماضي كاد التوتر ان يتسبب في اندلاع أزمة حادة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية. فقد أكدت الصين أن الحرب ستكون حتمية بينها وبين الولايات المتحدة بشأن بحر الصين الجنوبي، إذا لم تكف واشنطن عن مطالبة بكين بوقف بناء جزر صناعية في تلك المنطقة المتنازع عليها.
وقد تزايد التوتر بين بكين وواشنطن مؤخراً، على إثر رصد الصين لطائرة تجسس أميركية فوق مناطق قريبة من الجزر والمنشآت التي تقوم الصين ببنائها.
على المستوى السياسي، نجد حرصا أميركيا للتخفيف من حدة التوتر مع الصين. في المقابل، يبدي الصينيون باستمرار سخطهم الشديد مما يسموه «الاستفزازات الأميركية المتصاعدة في بحر الصين الجنوبي».
إلا أن فترة التهدئة لم تدم طويلا، حيث اعتبرت الخارجية الأميركية مؤخرا على لسان وزير خارجيتها أن ما تمارسه السلطات الصينية في الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي بمثابة تحد للأمن الإقليمي، وزعزعة لاستقرار المنطقة. ومما قاله كيري إن بلاده ستعتبر إقامة السلطات الصينية منطقة للدفاع الجوي فوق أجزاء من بحر الصين الجنوبي «عملا استفزازيا ومزعزعا للاستقرار الإقليمي، وسيؤدي تلقائيا إلى زيادة التوتر وإثارة تساؤلات جدية بشأن التزام الصين بمعالجة الخلافات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي بطرق ديبلوماسية».
وكانت وزارة الدفاع الصينية قد أعلنت في وقت سابق أن إمكانية إقامة مثل هذه المنطقة في بحر الصين الجنوبي من «حق الدولة السيادي»، وأن لا أحد يحق له أن يساومها في هذا الحق.
وهكذا نخلص الى أن التوتر أو التنافس بين الصين والولايات المتحدة يأخذ أكثر من بعد، وفي أكثر من نقطة توتر في العالم. كما نخلص الى أن الأبعاد الجيوستراتيجية في السلوك السياسي الصيني تمثل قضية في غاية الأهمية. إذ تتفاعل في هذه المسألة المصالح الإستراتيجية العليا للدولة، مع بدائل السلوك السياسية في تعاملها مع البيئات الثلاث، التي تشكل البيئة الخارجية. ومن الواضح أن الدور الذي ستمارسه المؤسسة العسكرية في هذا الجانب للحفاظ على حدودها الإستراتيجية، يشكل أحد محددات هذه المسألة. ويبدو لنا من خلال المتابعة أن الصين قد تميل نحو إقامة منطقة أمنية على حدودها الجيوستراتيجية. فإذا علمنا أن طول الحدود الصينية يصل إلى 21656 كيلومتراً، وأن مساحة مياهها الإقليمية تصل إلى 3 ملايين كيلومتر مربع، فإن علينا أن ندرك كذلك أن 70 في المئة من الحدود البرية و66 في المئة من الحدود البحرية، قد تشكل نقاط توتر محتملة مع الصين.
جريدة "السفير"