عودة روسيا للبحر الاحمر
هناك تغييرات تطرأ على شكل خارطة المجال البحري في الشرق الاوسط، حيث اصبح في وضع بالغ الخطورة، مع تنامي الصراع في تلك المنطقة خصوصا منطقة البحر الاحمر من باب المندب الى قناة السويس، وفي خليج عدن، وبحر العرب ، وهو امر مقلق للدول الكبرى التي تحاول تأمين خطوط الملاحة الدولية. حيث اصبح الوضع الامني هناك خطير جدا وهو ما يهدد النقل التجارية بين الشرق والغرب. وسط هذه الفوضى الحالية، حيث خليج اليمن هو نقطة الوصل بين البحر الاحمر والمحيط الهندي، تتصارع القوى الاقليمية على ايجاد مداخل وقواعد لها في اليمن،الصومال، جبوتي .
هذه المنطقة تقع تحت سيطرت القوات الامريكية والبريطانية منذ فترة طويلة، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي حيث كان يملك اكبر قاعدة عسكرية في جنوب البحر الاحمر، تم تقاسم تركته بين القوى الغربية.مؤخرا وقعت موسكو مع ابوظبي اتفاقية بحرية "اعلان الشراكة الاستراتيجية" احدى نقاطها تتعلق بتنظيم خطوط الاتصالات البحرية، وايجاد حلول لاكثر هذه الخطوط فوضى في العالم. فبسقوط وضعف الدول الموجودة في هذا الشريط البحري الهام، يرتفع منسوب الصراع وتزيد الفوضى وتهدد التجارة العالمية ، هذا شجع الدول الاقليمية "قطر، الامارات، السعودية، وسلطنة عمان" على بناء شبكات موقعية، واصبح هناك صراع محموم بينها، خاصة بين الامارات وقطر، على فرض التواجد في هذه الخارطة البحرية الهامة للعالم.
ومع عودة روسيا الى الشرق الاوسط، حيث تتواجد اساطيل الصين والهند وايران، ترسم هذه التغييرات المجال البحري الجديد في المنطقة بتوزيع النفوذ. وتقوية المراكز الاقليمية بشراكة مع المراكز الدولية وليس في منافسة معها. فالامارات وقطر لاينافسون التواجد البريطاني- الامريكي الضخم في المنطقة البحرية الحساسة، في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الاحمر، بل يتعاونون معها، ويقومون بمهام تتف مع سياسة الدول الغربية، ومن هنا يأتي التنسيق الروسي مع السعودية والامارات في رسم استراتجية بحرية- نفطية في المنطقة، تجعل العودة الروسية الى هذه المنطقة عن طريق التنسيق مع القوى الاقليمية الصاعده، وهذا على حساب الدول الوطنية التي تنهار او تلك الضعيفة "اليمن- الصومال- جبوتي- السودان، ارتيريا" فهناك تعاون بين روسيا والامارات والسعودية في اليمن، على اساسه تنال موسكو مجال لرسو لسفنها العسكرية في ميناء عدن الجنوبي في اليمن، وربما ان تمت السيطرة على ميناء الحديدة يتم الاتفاق على وجود نقطة الرسو الخامس لروسيا في منطقة الشرق الاوسط على امتداد البحر الاحمر والبحر العربي.
فهناك 4 نقاط حاليا للرسو الروسي في ميناء العقبة في الاردن، وفي الاسكندرية في مصر، والفجيرة في الامارات، وستكون عدن التي تقع تحت سيطرة دولة الامارت نقطة الرسو الروسية الخامسه. اضافة الى قاعدة عسكرية بحرية في سوريا "طرطوس " وهي قاعدة عسكرية ثابتة تابعة للبحرية الروسية، منذ العهد السوفيتي، هي الوحيدة منذ تفكيك قاعدتها البحرية العسكرية في اليمن . ومؤخرا عززت روسيا قاعدتها البحرية في سوريا بقاعدة جوية في حميميم.
روسيا التي تطمح لاعادة بناء اسطولها البحري، تعتبر نقاط الرسو الخمسة الحالية، تعزيز مهم لاعادة هذا الاسطول العابر للقارات في اهم مناطق الوصل البحري وممرات الملاحة العالمية. فمواقع الرسو هو امر بالغ الاهمية للعمليات البحرية العسكرية، ولتامين التجارة ايضا، وهنا تهتم بها الامارات التي تسيطر على هذه المناطق في البحر الاحمر، حيث تهيء لروسيا قاعدة مرورا باليمن وبلدان الشرق الاوسط وافريقيا واسيا.
فالامارات هي مدخل عودة روسيا الى هذه المنطقة تحديدا، لتعيد علاقتها القديمة بقواعدها العسكرية البحرية في باب المندب، لذا فان تعاون روسيا والامارات في اليمن، يأتي من طموحهما المشترك للتواجد في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية. ومن هنا جاء التوقيع بين فلادمير بوتين ومحمد بن زايد على الاتفاقية الاستراتيجية بداية هذا الشهر. قبل ايام من بدء عملية الساحل الغربي والسيطرة على ميناء الحديدة بقيادة الامارات، وهي العملية التي حظيت بضوء اخطر بريطاني- امريكي، وكان التعليق الروسي عليها انها تخشى ان تؤدي الى تفاقم الازمة الانسانية في اليمن، اذا ما عمدت المعارك على ايقاف عمل ميناء الحديدة شريان الحياة بالنسبة لملايين اليمنيين .
الامارات تعمل كشريك لامريكا وبريطانيا وايضا لروسيا مؤخرا، وتحاول ان تكون لاعبا مستقلا في الشرق الاوسط، يجري محادثات مع الشركاء المحوريين "روسيا- امريكا" غير ان الامور مستقبلية رهينة بمعالجة الخلل الجيوبوليتيكي في هذه المنطقة المعرضة للانفجارات.
لذلك يحاول الشركاء ايجاد نقاط تماس، وفتح ملفات الحوار، ومن ضمنها الاشتراك في ايجاد حل للازمة اليمنية حيث تشتعل الحرب، فالحرص على ايجاد مخرج للازمة اليمنية يتفق فيه الشركاء، حيث يفضلون حل الامور سياسيا للحفاظ على هدوء واستقرار هذه المنطقة وعدم الاضرار بمصالحهم ، بينما تذهب الامارات الى حسم الامور عسكريا، مما يعني تعريض هذه المناطق الاستراتيجية لانفجارات مستقبلية.