ترامب وبوتين لقاء عصف بالامريكان ..عودة جسر الجواسيس و"بوتينا"
اصفة غضب امريكية حتى داخل الحزب الجهوري ابان قمة هلسنكي ، التي جمعت الرئيس الروسي والامريكي، حيث يظهر ترامب في الاعلام الامريكي خاضعا تماما لبوتين، وانه سمح له بالتدخل في الشأن الامريكي.غضب الامريكان لم يثني" ترامب" الذي جاء كرئيس من خارج الدولة العميقة، لدعوة بوتين الى قمة اخرى في واشنطن، حيث اكد البيت الابيض ان ترامب وجه دعوة لبوتين للقدوم الى واشنطن في الخريف لمناقشة ما تم التحدث عنه في قمة هلسنكي.
قبل القمة اثار الاعلام الامريكي تُهم تدخل الروس في الانتخابات، واختراق النظام الانتخابي ، وهي التهم التي رد عليها ترامب بدهاء من خلال تويته قائلا :ان كان هذا قد تم فقد حدث في فترة ادارة الرئيس اوباما ويجب محاسبته، وبعدها تم اسكات الحديث عن هذا الموضوع .ترامب يتحرك دون اذرع اعلامية قوية منذ حملته الانتخابية ، يعتمد على تويتر لايصال رسائله، او حتى لاقالة وزير خارجيته، وهو فعلا خارج كل الاعراف الامريكية، ويبدو ان المواجهة الامريكية معه مستمرة.
غضب الامريكان الذي ينطلق من الارث التاريخي للعلاقة مع روسيا ، بوصفها العدو التقليدي لامريكا، لا ينسجم والتوجه الجديد للرئاسة الامريكية التي يرى فيها ترامب ان روسيا طرف يمكن الاتفاق معه، واجراء مناقشات ، وربما تحالفات سياسية جديدة في الشرق الاوسط. لاشك ان روسيا تعود مجددا للمنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، بشكل و سياسة جديدة، وهو امر يربك جناح الامريكان الرافض لهذه العودة الروسية، ونسخ علاقات ودية ، فيبدو المعسكر القديم الذي عاش وقاد الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، متخوفا من الوجه الجديد لروسيا، ومن عودتها للمنطقة.
بينما تظهر شخصية ترامب تتحدى هذا الجناح الامريكي المتشدد وتقدر ماهي مصلحة امريكا، مواجهة الرفض سواء داخل المخابرات، اوالحزب الجمهوري نفسه، الذي ينتمي اليه ترامب ، حيث يؤكد ترامب انه لا يأبه للاراء الغاضبة، والعاصفة الاعلامية، ضده وانه ماض في طريقه للقاء بوتين.ترامب يواجه داخل امريكا تهما بالخيانة ، وانه اصبح دميه بيد بوتين، حيث يصوره الاعلام الامريكي، بالشخص القوي، ذو النفوذ، والحضور الطاغي، يالها من خدمة جليلة يقدمها الامريكان لبوتين. غضبهم الذي قد يصل للحد الذي يطالب فيه الكونغرس باستجواب ترامب، يجعل من روسيا فعلا ، دولة قوية باسرع مما تتوقع، فالاعلام الامريكي يساهم برسم صورة روسيا الجديدة ويالها من صورة مرعبة يرسمها لك اعداؤك.
بحسب صورة روسيا في الاعلام الامريكي الغاضب ، فانها روسيا القوية المؤثرة داخل القرار الامريكي، وحتى الانتخابات الامريكية، الرئاسية، بل انها هي من ساهمت بصعود ترامب وليس الشعب الامريكي، والديمقراطية، مما يعني ان ديمقراطية امريكا كذبة وانها مخترقة. يال قوة الاستخارات الروسية اذا كان يمكنها فعل ذلك، انها تتحكم بمفاصل الدولة الامريكية ومؤسساتها، وتصبح هي القوة الاهم في العالم .وامريكا ليست سوى دميه في حضنها ، تماما كما تم تصوير ذلك في الاعلام الامريكي، وان من يحكم امريكا هو الرئيس فلادمير بوتين بحسب ما جاء على غلاف مجلة التايم الامريكية.اعتقد ان بوتين لو كان قد خطط لقيام حملة دعائية ضخمة تروج لصورته القوية، او لخلق صورة قوية لروسيا، لما كان قد نجح كما فعل الاعلام الامريكي الذي يتحرك ضده، بكل ترسانته وقدراته ، ونعلم مدى قدرات امريكا الاعلامية الدعائية المهولة، والتي لاينافسها الاعلام الروسي، الذي يظهر متواضعا مقارنة بها.
الترسانة الاعلامية اليوم تسرب اخبارا، عن القبض عن جاسوسة روسية اسمها "بوتينا" ركز في الاسم. بوتينا هي طالبة روسية قدمت الى امريكا للدراسة منذ سنوات، لكن الجاسوسة الخطيرة بحسب الاعلام الامريكي الموجه ، كانت تحت انظار الاستخبارات منذ وصولها ، واليوم تم كشف حقيقتها.بوتينا تشجع اقتناء الاسلحة الشخصية ، تخيلوا فظاعة التهمة، وتتواصل مع سياسين روس كبار مقربين من بوتين، فلقد تم نشر صور لها مع هؤلاء السياسين الروس "ابناء بلدها" وهي صور اخذت من صفحتها على الانترنت ولم تصورها المخابرات الامريكية الخطيرة . وهكذا ينشغل الاعلام الامريكي ويشغل الراي العام ببوتين وبوتينا.
ان امريكا واعلامها مهووسون جدا بقصص الجواسيس الروس- والاستخابارات الروسية الخطيرة، التي تنفذ دائما الى مفاصل الدولة والاجهزة الامريكية بكل سهولة، انهم لا يستطيعون مغادرة قصص الحرب البادرة بسهولة وتقبل فكرة ان هناك روسيا جدديدة، وليست الاتحاد السوفيتي ولا الحزب الشيوعي .
بالتاكيد لم يعد بوسع الامريكان اتهام احد بالشيوعية، لأن الحزب الشيوعي لم يعد يحكم في روسيا – لكن تبقى التهمة بالجاسوسية. قبل سنوات شاهدت الفيلم الامريكي " جسر الجواسيس" بطولة الرائع توم هانكس ، حيث يلعب دور محامي امريكي يدافع عن جاسوس روسي، يعرض الفيلم الامريكي مستوى الضغط النفسي الذي عاناه المحامي لمجرد ان يقوم بمهنته.فالمحكمة تقرر تعيين محامي للمتهم الروسي بحسب القوانيين الامريكية ، ويقع الاختيار على هانكس الذي ليس الا محاميا وليس له اي علاقة بالروس او الحرب الباردة، او حتى السياسة.
الفيلم قصته حقيقة، في زمن الحرب الباردة. المحامي الامريكي الشجاع، يواجه حملة اعلامية شرسة من قبل الاعلام الامريكي، بصفته خائنا وعميلا للروس لانه فقط قبل القيام بعمله، بعد ان رفض مهمة الدفاع عن متهم روسي معظم المحاميين في امريكا. يصل الامر لمهاجمة منزله، من قبل جموع الحشود الغاضبة بعد التحريض ضده، يبدو لي ان ترامب اليوم يقف مكان توم هانكس. الامر محزن ومضحك فعلا ، ان كانت هذه هي الطريقة التي يدار بها العالم ويوجه الرأي العام، وان كان رئيس دولة يحاسب بسبب لقائه برئيس دولة اخرى، كانت في حرب سياسية مع بلاده قبل عقود وقبل انهيارها.لقاء ترامب وبوتين مهم لقضايا الشرق الاوسط فيما يخص حروبنا الكارثية التي لا تتوقف، هذا اللقاء قد يعني اتفاقا بشان الحرب السورية – ولاننا بلدان الاواني المستطرقة - فيمكن توقع ايضا حل ايجابي للازمة اليمنية.
اضف الى ذلك ان روسيا ستعلب قريبا دورا مهما في الشرق الاوسط وتعود الى قواعدها السياسية والعسكرية- وهي في اليمن تحتفظ بارث جيد لها منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث كانت لها علاقات متينة باليمن شمالا وجنوبا. وحاليا لروسيا علاقات ايضا جيدة بجميع الاطراف اليمنية دون استثناء، وبرغم اعترافها ككل دول العالم بالحكومة الشرعية، الا انها لم تنقل سفارتها من صنعاء حيث يسيطر الحوثيون ، الا بعد قتلهم للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعدها توترت العلاقة بينها وبين الحوثيين، الى ان تم عودتها تدريجيا سياسيا واعلاميا ، باجراء لقاءات بين الوفد الحوثي برئاسة محمد عبد السلام مع الموفد الخاص لبوتين نائب وزير الخارجية، كما اجرت وكالة سبوتيك الروسية لقاء مطولا مع محمد الحوثي يشرح فيه لماذا قتلوا " صالح".
عودة روسيا الجديدة للشرق الاوسط، سيكون امرا جيدا على كافة المستويات، ان كان يعني عودة التوازن الدولي، ولكن ليس بطريقة الصراع الامريكي- الروسي وطريقة الحرب الباردة، ولكن بطريقة قمة هلسكني، اي الاتفاقات وترجيح المصالح، وتسوية الصفقات والازمات. وربما هذا هو الامر الذي يغضب الجناح الامريكي المتشدد ومن خلفه اللوبي الصهيوني ، الذي يريد بقاء اللعبة كلها في يده، دون منافس او حتى شريك يتفق معه، ان ما يحدث يؤثر على مصالح الجناح الامريكي المتشدد، وعودة التوازن للعالم مهم لانهاء كارثة صعود اليمين المتطرف، وهي كارثة تسبب بها اختفاء الاتحاد السوفييتي من الخارطة. او اختفاء القوى الكبرى التي تواجه السيطرة الغربية – الامريكية.