جراحة قيصريّة في الوعي العربي

23.02.2017

سفير عربي سابق في واشنطن اذ يدعو الى الواقعية، ويردد امام من يلتقيهم ان ما يقوله انما هو رأي كل المسؤولين العرب دون استثناء، يسأل «تريدون تحرير فلسطين انبشوا قبر عنترة بن شداد، وليدخل على رأس جيش جرار الى البيت الابيض».
القرار الوحيد والمنطقي، الذي يمكن ان تتخذه القمة العربية، في مؤتمرها المقبل, اما ان تدعو بنيامين نتنياهو للمشاركة في القمة، وفي صياغة القرارات، او ان تشكل وفداً من الملوك والرؤساء والتوجه الى اورشليم للقاء رئيس الحكومة الاسرائيلية.

في نظر سعادة السفير ان تلك المبادرة اما ان تشكل الضربة القاضية لبنيامين نتنياهو حين تعريه امام العالم، او ان تشكل الصدمة السيكولوجية التي تحمله على اعادة النظر في العرب.
لا داعي لقيام الدولة الفلسطينية ما دامت اسرائيل ستتحول الى دولة شقيقة ويتداخل فيها النص التوراتي مع النص القرآني، لتدخل المنطقة في الحقبة الذهبية. المال العربي والتكنولوجيا اليهودية. في هذه الحال «لا تستغربوا ان تصبح فرنسا مستعمرة جزائرية، وان تنحني الملكة اليزابت امام احمد ابو الغيط».

يدعونا الى التصور «ماذا لو قبل العرب بقيام اسرائيل، واعترفوا فيها في 15 ايار 1948، بدل حالة العداء، وبدل الحروب التي سقط فيها آلاف العرب ومعهم آلاف الكيلومترات المربعة؟». حتماً كانت اسرائيل قد تلاشت او ذابت في الاوقيانوس العربي، وعاد اليهود الى زمن البداوة بعد ان تسقط من ادمغتهم كل ما اتوا به من حمولة ثقافية.
في رأيه ان المسألة لا تحتاج سوى الى خطوة واحدة. فعل ذلك انور السادات ولم يأبه بالعرب الذين طالما رأى فيهم غابة من عيدان الثقاب. تشتعل بسرعة وتهمد بسرعة. وفعل ذلك الملك حسين فمن هي الدولة العربية التي لا ترتبط بعلاقات وثيقة، واحيانا علاقات استراتيجية، مع الاردن؟
لا، لا، المسألة تحتاج الى الشفافية، فالعلاقات الخفية، والحساسة جداً، بين بعض الدول العربية واسرائيل تجاوزت بكثيرعلاقات القاهرة وعمان بها. الكل يعلمون ذلك ويدعون انهم لا يعلمون، معتبرا انه آن الاوان، والخطر الايراني يدق كل الابواب، ان نعلن على الملأ «وحدة المسار والمصير» مع اسرائيل.

ويقول ان دونالد ترامب، بـ «براغماتيته الخلاقة» يعمل في هذا الاتجاه، وبالحرف الواحد قال لحاكم عربي «هكذا ستكون بتصرفكم اكثر من مائتي قنبلة نووية، ويصبح مفتاح مضيق هرمز بأيديكم».
ويقول السفير انه التقى شمعون بيريس اكثر من مرة ولساعات. وكان رأي الرئيس الاسرائيلي الراحل انه لو قام «الحلف الابراهيمي» بين العرب واليهود لغيروا وجه العالم. والمثير انه يصف المفكر الفلسطيني الكبير ادوار سعيد بـ «المتهور» حين اعتبر ان الاميركيين يريدون العرب خدما لليهود، حتى اذا ما قام ذلك النوع من السلام العشوائي او اللامتكافئ عاد العرب الى ثقافة الابل.
السفير العربي السابق في واشنطن لا يرى سبباً للمضي في تبديد الوقت، والمال، والدم. حان وقت الواقعية والجرأة ليغدو العرب واليهود في خندق واحد بدل ان يتقاتلوا على الجغرافيا. أليست «واقعية» العرب هي التي جعلتهم يتخلون عن الاسكندرون لتركيا وعن الاهواز لايران؟.
امام الفلسطينين الذين لم تكن لهم دولتهم يوما مساحات شاسعة من الاراضي ليقيموا دولتهم. كل الشعوب، بمن فيهم الفلسطينيون انفسهم، عرفوا الهجرات الكبرى وكانوا اكثر استقرارا، وازدهارا، في الارض الجديدة التي حلوا بها...
بعد كل هذه، هل غريب ان يقول «ذات يوم فكر تيودور هرتزل بدولة يهودية في ليبيا، بثرواتها الهائلة وبسكانها القلائل، فلماذا لا يكون هذا حلم محمود عباس وخالد مشعل وغيرهما وغيرهما في دولة فلسطينية على الارض الليبية؟».
سعادة السفير السابق يرى ان ازمنة كثيرة ماتت في ساحات القتال او في ردهات المفاوضات. لا بد من جراحة قيصرية في الوعي العربي، ولتكن اسرائيل شقيقتنا و...عشيقتنا!!