أزمة الجزائر و كيفية الخروج من عمق الزجاجة

18.01.2017

نتيجة الأزمة الاقتصادية في الجزائر، والتي أخذت تتنامى في الفترة الأخيرة، تظهر بوادر تحركات متصاعدة، لا سيما في تلك الولايات المهملة تنموياً منذ فترة طويلة من قبل الحكومات الجزائرية المتعاقبة، وهي مرجحة لاحتمالات غير متوقعة، لا سيما أن بعض المؤشرات تدل على دور مشكوك فيه من قبل التجار الجزائريين.

تزامنت الاحتجاجات التي شهدتها ولاية "بجاية"، مع إعلان قانون المالية الجديد الذي أقرته الحكومة الجزائرية، والذي يحمل تغيرات، تتمثل في فرض ضريبة على المنتجات النفطية، وضريبة على القيمة المضافة، مما دفع التجار بالدرجة الأولى إلى رفض القانون الجديد، الذي يهدد، في أحد جوانبه، بوضع ضوابط للتهرب الضريبي.

أزمة إيرادات وفساد

وصل السجل التجاري الجزائري خلال العام الماضي، ولأول مرة منذ عام 1995، عجزاً بـ16.6 مليار دولار، وانخفضت قيمة الدينار بنسبة 19.81% مقابل الدولار، وبلغ عجز الميزانية 3172.3 مليار دينار، أما نسبة التضخم فقد وصلت إلى 4.78%.

وهي أرقام لم تعتدها الجزائر، قبل الإصابة بآثار «حرب أسعار النفط» التي استعرت منذ العام 2014 تقريباً. وفي هذا السياق، يمكن القول: أن انخفاض أسعار النفط أثر بشكل كبير على إيرادات الجزائر، التي تعتمد على هذا القطاع بشكل كبير في تمويل خزينة الدولة، لكن سياسات الحكومة اتجاه هذه المحنة، كانت قد أظهرت ميل أجزاء في جهاز الدولة الجزائري، نحو اتباع سياسات ليبرالية أكثر منها حمائية في هذا الظرف.

وموازنة المالية للعام 2017، واحدة من المؤشرات المقلقة حيال التعاطي الحكومي مع الأزمة، فالقرار تضمن رفع سعر البنزين بحوالي 13%، والمازوت 8%، مما سيؤثر على باقي السلع التي تقول الحكومة أنها مازالت محمية، لكنها عملياً ستتأثر بطريقة غير مباشرة، بحساب النقل واحتياجات الصناعة المحلية من الطاقة.. إلخ. كما شملت الزيادات أيضاً تذاكر السفر، والتأمينات ورخص العقارات، والعديد من المجالات الخدمية الأخرى.

حول بجاية والبويرة

شهدت احتجاجات ولايتا «بجاية» و«البويرة» بداية الأسبوع الماضي، وإضراباً للعديد من التجار، التزم فيها السكان، لكنها سريعاً ما تحولت في بعض المناطق إلى أعمال شغب، وإغلاق إجباري للمحال التجارية. وعاد الهدوء المشوب بالحذر إلى أحياء كل من بجاية والبويرة والجزائر العاصمة، بعد يومين من المواجهات بين الأمن والمتظاهرين الشبان. كما توصلت السلطات المحلية في بجاية إلى اتفاق مع عدد من التجار، يقضي بإعادة فتح محلاتهم بعد أيام من الإضراب.

وانتشرت تعزيزات أمنية كبيرة في شوارع الجزائر العاصمة ومدينة بجاية، حيث شوهدت سيارات الشرطة، وهي تأخذ مواقعها من الشوارع الرئيسة. كما وضع رجال الأمن في حالة تأهب قصوى. وجابت دوريات من القوات الخاصة شوارع المدن، التي شهدت أعمال عنف، دون أن تقوم بإغلاق الطرقات.

وبعيداً عن تفاصيل التحركات الأخيرة، فإن التطورات تتطلب من الحكومة الجزائرية، كما هو الحال في دول لاتينية عدة، البحث عن تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، لا سيما الاقتصاد المنتج، في ظل حرب أسعار النفط.

الحاجة الملحة لتغييرات بنيوية

وفي سياق الحديث عن تثبيت دور الدولة القوي، أكد وزير الداخلية، نور الدين بدوي، أن الدولة هي الضامن الوحيد للقدرة الشرائية للمواطنين، موضحاً أن الحكومة خصصت 10 مليار دولار لدعم القدرة الشرائية للجزائريين.

إن إجراءات «التقشف التدريجي» التي تقوم بها الحكومة الجزائرية، رافعها الأساسي هو: الاحتياطيات النقدية الكبيرة للبلاد، ولا شيء آخر، وهو ما يثير القلق حيال انحدار الجزائر نحو أزمة اقتصادية، تنتج توترات اجتماعية، خصوصاً في ظل أرقام الفقر والبطالة الكبيرة في الجزائر، والتي تخفف من نتائجها حتى الآن برامج الدعم الحكومي الممولة من أموال النفط، وليست المشاريع الاقتصادية التي تأخذ بعين الاعتبار مسائل التشغيل، والتنمية المستدامة.

في هذا الصدد، يقول وزير المالية الجزائري، حاجي عمي، في حديثه لوكالة الأنباء الرسمية: «لن نقوم بتقليص نفقات الميزانية بل سنحرص على استقرارها في غضون السنوات الثلاث المقبلة».

ورغم الجانب الإيجابي من تعهد الحكومة باستمرار الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، إلا أن الاستمرار في الاعتماد على الاحتياطيات النقدية قد يدخل البلاد في مأزق حرج، ما لم تستطع القيام بتغيرات بنيوية في إدارة الاقتصاد، وما زال الوقت سانحاً للقيام بإجراءات كهذه.