ماذا بعد حلب.. تحرير إدلب أم وادي الفرات فالرقة؟
بعد السيطرة على حلب، يرجح أن يسعى الجيش السوري للتوسع الى شرق المدينة. فحدود الجماعات المسلحة على بعد مئات الأمتار فحسب من الأحياء المجاورة. والقوات السورية أنشأت خطوط دفاع قوية حول حلب، لكنها غير محصّنة ضد حملة قد يشنّها مقاتلو "جبهة النصرة"، وهي فرع "القاعدة" في سوريا. وإدلب هي معقل هذا التنظيم الذي كسر موقتاً الحصار في آب/أغسطس المنصرم على حلب، ثم هدد المناطق الموالية هناك في تشرين الأول/أكتوبر) الماضي.
لذا، يبدو أن التقدم نحو إدلب يتصدر أولويات القوات السورية. فهذه المحافظة هي البؤرة الأكبر لتجمع الجماعات المسلحة، ويرى "معهد دراسات الحرب" أن أكثر من 50 ألف مقاتل يتجمعون فيها تحت لواء "جيش الفتح". وتقدُّم القوات السورية نحو الشرق يساهم في حماية حماة من جماعات المسلحين القابعة على بعد عشرات الكيلومترات فحسب الى شمال المدينة. وقد تسعى القوات السورية في المناطق الساحلية الى استعادة مدينة جسر الشغور، التي خسرتها وإدلب في ربيع 2015. وجسر الشغور هي مركز حيوي لحماية المدن الساحلية والقواعد العسكرية الروسية على الساحل.
وثمة سيناريو آخر بعد حلب: شن القوات السورية حملة على وادي الفرات تفتتح باستعادة أراض واقعة بين قاعدة كويرس وبحيرة الأسد. والى قطع الطريق أمام تقدّم المعارضة المسلحة المؤيدة لتركيا، يبدو أن الأسد وحلفاءه ينوون انتزاع الرقة من "داعش". وانتزاعها يقتضي السيطرة على سد الثورة على نهر الفرات. والسد هذا يمد الرقة وحلب ودير الزور بالطاقة، ويروي ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية في محافظة الرقة. ومن يتحكّم بالمياه، يحكم هذه المنطقة. وهذا ما أدركه حافظ الأسد حين بادر الى تشييد السد في نهاية الستينات، في موازاة سد أسوان على النيل.
وعلى رغم أن الأوضاع في دير الزور وإدلب تستدعي تدخلاً مستعجلاً، لا يملك الجيش السوري وسائل شن حملتين عسكريتين في آن واحد. وفي وقت يستسيغ الغرب شن حملة على "داعش" في وادي الفرات ويرى أنها أولوية تتصدر الحملة على إدلب، لا يولي القادة في موسكو ودمشق وطهران بالاً الى وجهة نظر الغرب. فأنقرة قد تسرع وتيرة حل النزاع من طريق حرمان الثوار من الدعم اللوجيستي. واليوم، يبدو من غير شك أن فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان أبرما اتفاق عدم تعدٍّ في بطرسبورغ في التاسع من آب/أغسطس المنصرم، يقضي بتقاسم مناطق النفوذ في سوريا. والتزام الاتفاق المزعوم كان متدرجاً. ففي البدء، فك المعارضون المؤيدون لتركيا ارتباطهم بـ"جبهة النصرة". والخطوة هذه ساهمت في إحكام الطوق على حلب. وفي الأثناء، سيطر هؤلاء "المعارضون" على أراض بين أعزاز وجرابلس في مطلع العام بدعم من الجيش التركي. ثم، حين بدا أن الفوز يستتب لجيش الأسد في حلب، شنّت تركيا حملة على الباب.
وإذا قرر الأسد الهجوم على إدلب بعد حلب، استفاد من حياد الأتراك في وقت يسعون الى وضع اليد على منبج أو انتزاع تل أبيض من الأكراد. وإذا قطعت الطرق بين الكانتونات الكردية في عفرين وكوباني وقامشلي، بددت تركيا حلم الأكراد بوحدة أراضيهم. وينظر الأسد بعين الرضا الى مثل هذا المآل ذلك أن الأكراد مرتبطون بحلف وثيق مع واشنطن.
توسع المواجهة التركية – الكردية يأتي نتائج سلبية تقوض مصالح الولايات المتحدة. ومن هذه النتائج، تعزيز "الدولة الإسلامية" في سورية حين اندلاع حرب تركية – كردية (تشغل القوتين عن مكافحة التنظيم)، وتسليط الضوء على تنصّل واشنطن من حماية حلفائها. وهذه الاعتبارات قد تحمل مسؤولين أميركيين على إبرام تفاهمات مع روسيا تقضي باستهداف "داعش" و"النصرة"، وحماية المدنيين و"المعارضين المعتدلين". وقد يعاد النظر مجدداً في اقتراحات إنشاء "مناطق آمنة" في شمال سوريا وجنوبها، ولكن على الأغلب بشروط روسية.