سقوط العولمة

15.12.2016

يمكن تعريف العولمة الاقتصادية بأنها العبور الحر لرأس المال والأفراد والبضائع إلى مختلف انحاء العالم من دون قيود. ويُعتبر هذا الأمر اليوم السبب الأهم لما يصيب الاقتصاد العالمي من تراجع. لهذا، فإن تجربة فتح الحدود بعد هذا الزمن وما استتبعته من مصاعب، تستوجب إعادة النظر.

النتيجة الأولى أصابت الوظائف والأجور التي تأخرت كثيراً بسبب التقدم التكنولوجي خلال العقود الأخيرة. كما أدّى ذلك إلى اتساع الفروق في الأجور بين العمال المهرة الذين يحوزون على تعليم جامعي وبين العمال العاديين. وقد حصلت الشركات على أرباح عالية جداً بسبب ذلك. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى شركات الاتصالات مثل «أمازون» و «غوغل» التي تعمل كوسيط بين المنتج والمستهلك. وقد أثر ذلك كله على مسألة توزيع الثروة على مختلف مكونات المجتمع. كما أن رخص أدوات الإنتاج التكنولوجية الحديثة، أدى إلى خسارة العمال العاديين غير المهرة وظائفهم. وقد اعتُبر ذلك من نتائج العولمة الاقتصادية.

أما النتيجة السيئة الثانية فهي الأزمة المالية العالمية الكبرى، والوقت الطويل نسبيا لإعادة الأمور إلى طبيعتها وما تخلله ذلك من إفلاس لمصارف ضخمة. فقد أدت القروض المُيسّرة التي أُعطيت بسخاء قبيل انفجار تلك الازمة، والتي تسببت في إخفاء الأسباب الحقيقية لها، إلى رفع أسعار العقارات وإقراض العاملين ذوي الأجور المنخفضة بما يفوق طاقتهم على التسديد، ما أنتج ارتفاعاً كبيراً في ديون المصارف.

يُضاف إلى ذلك كله بروز الصين كقوة اقتصادية كبرى. وقد أدت الصادرات الهائلة لها إلى انتقالها من الدول ذات الدخل المنخفض، إلى الدول ذات الدخل المتوسط. وتبع ذلك خروج مئات الملايين من الناس من الفقر. لكن ذلك لم يستمر حتى اليوم، إذ انخفضت صادرات الصين الآن. أما المناطق التي تتمتع برخص قوة العمل، مثل الهند وافريقيا، فلا تستطيع أن تكرر التجربة الصينية الناجحة.

أدّت حرية تنقل الأفراد في بريطانيا إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي، بسبب تدفق المهاجرين من أوروبا الشرقية، الذين يسعون للحصول على أجور عالية. وتطالب اليوم أحزاب في فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا بإجراء استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي كما فعلت بريطانيا.

تثار أيضاً مشكلات حرية انتقال الرساميل التي تبحث عن دول تكون فيها الضرائب على رأس المال منخفضة جداً. كما أن الدول التي يرتفع فيها النمو الاقتصادي مثل اميركا وبريطانيا، لا تتوزع فيها أرباح ذلك النمو على مختلف مكونات المجتمع، بل تصيب فقط أفراداً من النخبة الحاكمة.

من الصعب إيجاد علاقة بين انفتاح الاقتصاد وفروقات الأجور. لكن الدراسات الحديثة تشير إلى عامل التجارة الحرة. وهذا ما يفسر معارضة الأحزاب في البلدان الغنية للعمالة المهاجرة.