نهاية رجل شجاع.. وفاة "أبو الثورة الكوبية" فيدل كاسترو
توفي "أبو الثورة الكوبية"، الزعيم فيدل كاسترو مساء الجمعة في هافانا، عن عمر ناهز التسعين عاما، وأعلن شقيقه راؤول، الذي خلفه في رئاسة البلاد، نبأ الوفاة عبر التلفزيون الوطني قائلا "توفي القائد الأعلى للثورة الكوبية في الساعة 22:29 هذا المساء".
وأعلن الرئيس الكوبي أن جثمان شقيقه فيدل، سيجري حرقه وفقا لرغبة المتوفى، دون ذكر مزيد من التفاصيل عن جنازة الزعيم الثوري الكوبي.
وعم الحزن العاصمة هافانا عند سماع المواطنين خبر وفاة فيدل كاسترو، في حين أبدى كثير من المنفيين في ميامي الأميركية فرحا بهذا النبأ وأطلقوا أبواق سياراتهم.
وتأتي وفاة كاسترو بعد مرور ثلاثة أشهر على احتفالات كوبا بعيد ميلاده التسعين، حيث نظمت احتفالات حاشدة في العاصمة هافانا في 18 أغسطس/آب الماضي، شارك فيها الآلاف، واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وتزامنت مع كرنفال هافانا السنوي.
واعتزل فيدل كاسترو السلطة عام 2006، بسبب تردي حالته الصحية، حيث تولى أخوه الأصغر راؤول كاسترو مهامه قبل أن يجري تعيين الأخير بشكل رسمي رئيسا للبلاد عام 2008، لكن فيدل ظل محتفظا بلقب "الزعيم الأسطوري".
وتذكر تقارير إعلامية أن القائد الثوري نجا من أكثر من ستمئة محاولة اغتيال، وتحدى عشرة رؤساء أميركيين، وواكب أكثر من نصف قرن من التاريخ.
تاريخ الزعيم الثائر
ولد فيدل كاسترو في 13 أغسطس/آب 1926 في مقاطعة أورينت (جنوب شرق كوبا) لأب مزارع من أصل إسباني، وأم كانت خادمة لزوجة والده الأولى.
وتلقى تعليمه الأولي في مدارس داخلية يسوعية في سانتياغو، ثم انتقل للمدرسة الثانوية الكاثوليكية بيلين في مدينة هافانا، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة المدينة نفسها عام 1945.
وبعد سقوط نظام فولغنسيو باتيستا في الأول من يناير/كانون الثاني 1959، أصبح كاسترو القائد العام للقوات المسلحة، وبعدها بأسابيع أدى اليمين الدستورية رئيسا لمجلس الدولة ورئيسا لوزراء كوبا حتى عام 1976، بعدها بأشهر تولى منصب رئيس الدولة حتى 19 فبراير/شباط 2008، حيث تخلى عن الرئاسة بسبب حالته الصحية المتدهورة.
وبعد تخرجه من الجامعة انضم إلى حزب "أورتدوكسو" الشيوعي المناهض للفساد الحكومي في كوبا، والمنادي بالاستقلال الاقتصادي والإصلاحات الاجتماعية، وتبنى كاسترو الفكر الماركسي اللينيني، ومارسه في الإصلاح الزراعي وملكية الأراضي الفلاحية وتأميم المؤسسات الصناعية والثروات المعدنية.
وكان يعتزم الترشح في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها عام 1952، لكن الجنرال باتيستا أطاح بالحكومة وألغى الانتخابات وهيمن على الحكم، وآمن كاسترو بعدها بضرورة الثورة المسلحة، وبدأ يكوّن مع شقيقه راؤول عام 1953 حركة لتحقيق ذلك.
قامت حركته بهجوم فاشل على ثكنة عسكرية تسمى مونكادا، فاعتقل وحكم عليه بالسجن 15 عاما، لكن تم الإفراج عنه عام 1955 بموجب عفو سعى لتخفيف التوتر داخل البلاد.
هرب كاسترو بعد الإفراج عنه إلى المكسيك، حيث عمل على الإعداد للحرب على نظام باتيستا مع أخيه راؤول، والطبيب الأرجنتيني أرنستو تشي غيفارا، وعاد مع أكثر من ثمانين مسلحا بسفينة إلى كوبا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1956.
لكن قوات باتيستا تصدت لهم وقتلت معظمهم، واعتقلت آخرين، بينما فرّ كل من كاسترو وشقيقه وغيفارا إلى سلسلة جبال سييرا مايسترا على طول الساحل الجنوبي الشرقي لكوبا، ومن هناك كوّن مجموعة مسلحة، وخاض حرب عصابات ضد حكم باتيستا.
وبعد توسع حركة التمرد وتحكمها في عدد من المدن والقرى، شكّل كاسترو حكومة بديلة بالموازاة مع تواصل الحملات العسكرية على حكم باتيستا حتى انهار وفرّ في الليلة الأخيرة من عام 1958 إلى جمهورية الدومينيكان.
تولى كاسترو بعد ذلك منصب القائد العام للقوات المسلحة في الجيش، بينما شكل خوسيه ميرو كاردونا حكومة جديدة، وبعد أسابيع استقال ميرو، وأدى كاسترو اليمين الدستورية رئيسا للوزراء.
الصراع مع الإمبريالية
وفي 16 أبريل/نيسان 1961 أعلن كاستروا رسميا كوبا دولة اشتراكية، وبعد ذلك اجتاح 1400 من كوبيي المنفى خليج الخنازير بقصد إسقاط حكم كاسترو، فقتل جزء منهم وأسر الباقي. واتهمت هافانا الولايات المتحدة بالمشاركة في العملية من خلال تدريب وكالة الاستخبارات المركزية وتسلحيها 1400 كوبي.
وبعد عام على محاولة الانقلاب الفاشلة رصدت طائرات الاستطلاع الأميركية صواريخ سوفياتية متجهة إلى مواقع في أميركا، الأمر الذي أصاب العالم بالفزع من الانزلاق إلى حرب نووية شاملة. ووقفت القوتان العظميان وقفة الند للند، لكن الزعيم السوفياتي ميخائيل خروشوف بادر بسحب الصواريخ من كوبا في مقابل سحب الأسلحة الأميركية من تركيا.
محاولات اغتياله
ومنذ ذلك الوقت أصبح كاسترو العدو الأول للولايات المتحدة، وحاولت الاستخبارات الأميركية اغتياله أكثر من 600 مرة كما جاء على لسان أحد الوزراء الكوبيين. وكان من بين الأفكار الغريبة لاغتياله محاولة جعله يدخن سيجاره المفضل وهو محشو بالمتفجرات.
العلاقات مع الاتحاد السوفياتي
زاد اعتماد كوبا على الاتحاد السوفياتي الذي ضخ أموالا إلى الجزيرة واشترى محصول قصب السكر مقابل عودة السفن إلى ميناء هافانا محملة بالسلع الأساسية عوضا على الحصار الأميركي. ولكن رغم اعتماده على المساعدة الروسية كان كاسترو أحد أعمدة حركة عدم الانحياز التي تأسست حديثا في بدايات حكمه.
ورغم إعلان كاسترو انضمامه إلى حركة عدم الانحياز فإنه انحاز إلى جانب الثوار الماركسين في أنغولا وموزمبيق في السبعينيات حيث أرسل قواته لدعم الحركات الثورية هناك.
كاسترو وقادة أميركا اللاتينية
نجح كاسترو في توطيد علاقة بلاده بالكثير من قادة دول أميركا اللاتينية الرافضين للهيمنة الأميركية وفي مقدمتهم رؤساء فنزويلا والبرازيل الذان يعتبران من أهم وأقوى دول هذه القارة.
انجازاته
خلال فترة حكم كاسترو خطت كوبا خطى واسعة في مجالت عدة منها الرعاية الطبية التي أصبحت في عهده مجانية للجميع، وانخفضت معدلات وفيات الأطفال حتى أصبحت قريبة جدا من الدول الغربية المتقدمة، وكذلك في مجال معرفة القراءة والكتابة التي وصلت نسبتها إلى 98%.