العرب السنة يسعون لإيجاد مكان لهم في عراق متغير
عندما بدأت القوات الكردية تعتقل أقاربه وأصدقاءه لاذ العراقي عمر عبد الله (23 عاما) بالفرار مع زوجته الحامل وأشقائه الأربعة إلى الموصل. في ذلك الوقت كانت الحياة تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية أفضل بالنسبة للشاب العربي السني من الاحتجاز إلى أجل غير مسمى.
كان ذلك بعد فترة قصيرة من سيطرة التنظيم السني المتشدد على مناطق واسعة من شمال العراق في صيف 2014 ورغم ما عرف عنه من وحشية فإن عبد الله يقول إن هذه السمة كانت غير معروفة بشكل نسبي لأسرته.
والآن لاذ عبد الله ومها وطفلاهما بالفرار مرة أخرى. وتجثم الأسرة في الصحراء على بعد مسافة قصيرة شمال شرقي الموصل ثاني أكبر مدن العراق حيث تخوض قوات الحكومة معارك لطرد تنظيم الدولة الإسلامية في عملية عسكرية تضم مقاتلين أكراد وفصائل شيعية مسلحة.
وتنتظر الأسرة مع مئات الأسر الأخرى قرب بلدة بعشيقة لعبور خندق حفره مقاتلو البشمركة الأكراد الذين طردوا الاسلاميين المتشددين من المنطقة في الآونة الأخيرة.
وقال عبد الله "اخترنا توقيت هروبنا بشكل جيد" وشرح كيف انتقلت أسرته من وسط الموصل إلى منزل أحد أقربائهم على مشارف المدينة بعد أن بدأت الحملة المدعومة من الولايات المتحدة لاستعادة السيطرة على المدينة الشهر الماضي.
وأضاف قائلا "عندما استعادت القوات العراقية السيطرة على المنطقة غادرنا. والآن نريد أن نعود إلى منازلنا."
لكن مسقط رأسهم في شيخان يقع في منطقة تسيطر عليها منذ 2003 حكومة إقليم كردستان العراق شبه المستقل. ويقع على الجانب الآخر من الخندق وبمحاذاة جدار طويل من التراب شيده الأكراد مؤخرا ليحددوا منطقتهم بعد توسيعها وقد تصبح حدودا جديدة دائمة.
وعبد الله وأسرته من بين آلاف من العرب السنة الذين يسعون جاهدين لإيجاد مكان لهم في عراق تتغير حدوده على أسس عرقية حتى قبل الهزيمة المتوقعة للدولة الإسلامية.
ومع احتدام الصراع الطائفي في العراق يخشى الكثير من العرب السنة الفارين من الموصل أن يتعرضوا للاضطهاد عن ظنون بأنهم يدعمون أقرانهم السنة في تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد ان عاش تحت حكم الدولة الإسلامية لعامين ينفي عبد الله التعاطف مع التنظيم المعروف اختصارا بإسم داعش. ويقول "اثناء عيشي في الموصل كنت أسير مطأطأ الرأس وقد أطلقت لحيتي وعملت بائعا للفاكهة. حاولت تفادي أي تواصل مع أعضاء داعش."
لكن الشكوك الكردية تعني أن الأسرة تجد طريقها للعودة إلى موطنها مسدودا على الأقل في الوقت الحالي.
ويقول عبد الله "البشمركة فتشوا الناس هنا خوفا من أن يكون مقاتلو داعش يختبئون بيننا. كلنا وصلنا هذا الصباح. لم يبلغونا متى سيسمحون لنا بالعبور."
وأضاف أن واحدا من أشقائه قضى 13 شهرا محتجزا لدى السلطات الكردية دون أن توجه إليه اتهاما للاشتباه بأنه يدعم الدولة الإسلامية.
وقال وهو يحمل ابنه علي البالغ من العمر ستة أشهر على ظهر شاحنة نقل صغيرة مكشوفة "بعد داعش بدأت البشمركة حملة تضييق". وكانت الشاحنة مكدسة ببطاطين وملابس وغيرها من المتعلقات التي استطاعت الأسرة حملها معها عندما فرت من الموصل.
ومضى قائلا "من المحتمل أن يلقى القبض علي الآن خصوصا وأنني عشت تحت حكم داعش. لكن هذه مخاطرة أنا على استعداد لاتخاذها من أجل العودة لمنزلي. والداي لم يريا أحفادهما قط. يتصلان كل يوم ليسألا عن علي وعبودي."
*حراسة الحدود
جلست عشرات الأسر معظمها من العرب السنة بصبر في سياراتهم أو على قطع من القماش المشمع على الأرض المتربة في انتظار العبور إلى أراض يسيطر عليها الأكراد.
وقال ديفيد يوبانك وهو عامل إغاثة ساعد في نقل مئات النازحين إلى مخيمات كل ليلة لبضعة أيام إنهم سيسمح لهم على الأرجح بالعبور بعد حلول الظلام وسينقلون إلى مخيمات حيث ستجرى المزيد من الفحوص الأمنية.
وسئل كم عدد الذين عبروا الخندق الضيق العميق بالفعل في الأيام القليلة الماضية فقال "نعتقد أن العدد 2600 على الأقل حتى الآن."
ولم يعرف مقاتل من البشمركة كان يقف على الجانب الآخر متى سيسمح للنازحين بالعبور. وقال "تم إبلاغنا فقط بحراسة الحدود. بعد الظهر نقوم بتفتيش الأسر ونسجل التفاصيل الخاصة بهم."
وقدم زملاء له بعض العلاج الطبي للأطفال ووزعوا صناديق طعام أرسلتها منظمة إغاثة دولية.
وعلى الجانب الكردي يستعد مقاتلو البشمركة للبقاء فترة طويلة ويقومون بنقل أنابيب الصرف الصحي على شاحنات وجرارات وتسوية الطريق الترابي الممتد بطول الخندق.
ويشعر عبد الله بالراحة لأنه هرب من حكم الدولة الإسلامية القاسي لكنه لا يزال قلقا. ويقول "في أوروبا إذا فجر مهاجر من سوريا أو العراق نفسه في هجوم إرهابي يكون هناك رد فعل عنيف ضد كل المهاجرين. نفس الشيء يحدث هنا مع وجود الأكراد والمتعاطفين العرب مع داعش."
* الخوف من هجمات انتقامية
ارتكب تنظيم الدولة الإسلامية فظائع ضد عدد من الجماعات العرقية والدينية بما في ذلك الأكراد والشيعة والسنة.
وقال عبد الله إن أحد جيرانه وصديق له طردتهما السلطات الكردية بسبب مزاعم بأنهما من أنصار الدولة الإسلامية. ويضيف قائلا "أعرف أيضا أشخاصا من العرب دمرت منازلهم أو قراهم."
واتهمت جماعة معنية بحقوق الإنسان مقاتلين أكرادا في الآونة الأخيرة بتدمير منازل لعرب في مناطق انتزعوها من الدولة الإسلامية بين 2014 ومايو أيار 2016 وهو اتهام تنفيه حكومة إقليم كردستان.
وذكر عبد الله أن هذه التصرفات في بعض الأحيان دفعت العرب السنة إلى أحضان الدولة الإسلامية التي ادعت أنها ستحميهم.
وقال "كنا خائفين من أن تأتي الميليشيات الشيعية إلى المدينة لتقتل الرجال وتغتصب النساء". ويعبر كلامه عن مخاوف لدى السنة من هجمات انتقامية. ووجهت إتهامات الى فصائل شيعية مسلحة في وقت سابق هذا العام بتعذيب مدنيين من السنة في مناطق ساعدت في استعادة السيطرة عليها.
وتحاول الحكومة العراقية تهدئة المخاوف من العنف الطائفي قائلة إن الجيش والشرطة سيكونان القوتين الوحيدتين اللتين سيسمح لهما بدخول الموصل.
ومع انتظارهم يواجه عبد الله وأسرته مستقبلا غامضا. ويقول محمد وهو أحد أقرباء عبد الله وهو يشير إلى الأفق "منزلنا بعد هذه التلة مباشرة لكننا لا نستطيع الوصول هناك."
وقال عبد الله "العرب السنة عالقون الآن."
وفي ظل عدم وجود مؤشرات إلى أنهم سيعبرون قبل حلول الليل بدأت الأسر في التدثر بمعاطف وطواقي من الصوف مع هبوط درجات الحرارة اثناء غروب الشمس فوق الموصل.
جون ديفيسون رويترز