البحث عن الماء في الصحراء.. مشكلة أمن المياه في الشرق الأوسط
في عام 1979، قال الرئيس المصري أنور السادات أن "الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجر مصر إلى الحرب مرة أخرى هو المياه". هذه الحرب ربما لم يحن أوانها بعد، ولكن في الحقيقة، تحذير السادات لا يزال صالحا حتى اليوم وليس فقط بالنسبة لمصر.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي واحدة من أكثر المناطق غير الآمنة مائيا على الكرة الأرضية، وفقا لمعهد الموارد العالمية. ما هو أكثر من ذلك، يلاحظ الباحث والخبير في مركز ستيمسون أميت بانديا بأن "ما يقرب من ثلثي إمدادات المياه السطحية في العالم العربي تنبع من خارج المنطقة" أو تتطلب تعاونا واسع النطاق بين دول المنطقة لإدارتها.
لعل تفاقم المشاكل جراء تغير المناخ وتزايد السكان وانتشار الصراعات على نطاق واسع أدى إلى تضافر هذه العوامل لخلق مصدر عميق لعدم الاستقرار في المنطقة، غالبا ما كان يتم تجاهله. ومع استمرار تزايد الطلب على المياه في الشرق الأوسط عن المعروض من المياه، يتشكل سؤال هام: ما الذي يمكن القيام به لإرواء عطش المنطقة ومنع النزاعات في المستقبل؟
إحدى أصعب العقبات للتصدي لانعدام الأمن المائي تكمن في بناء قواعد التعاون بين الدول على استخدام وإدارة الموارد المائية في الشرق الأوسط. على سبيل المثال قضية مصر ونهر النيل تؤكد على مثل هذه الأنواع من الصراعات التي يمكن أن تنشأ نتيجة لعدم التعاون في هذا المجال. يجري الآن تقاسم مياه حوض نهر النيل بين أحد عشر بلدا، وفقا لاتفاق 1959، ويحق لمصر وفقا لهذا الاتفاق، الحصول على ما يقرب من ثلثي حجم تدفقات المياه في النهر.
ومع ذلك، فإن النمو السكاني وسوء الإدارة لسنوات جعل المصريين في حالة من "الفقر المائي" بحصة 700 متر مكعب من المياه للفرد سنويا - تقريبا كمية المياه في حوض سباحة بطول 25 مترا. النيل أيضا يغذي السد العالي في مصر، والذي يوفر 10٪ من الكهرباء في البلاد.
وبناء عليه، ينظر إلى أي تهديد لحصة مصر من تدفق مياه النهر من المنبع كتهديد وجودي لمصر، والبلاد هددت بالحرب عدة مرات في الماضي من أجل هذا الموضوع. في عام 2013، على سبيل المثال، هدد مستشارون عسكريون للرئيس السابق محمد مرسي بقصف سد النهضة الإثيوبي باعتباره يشكل تهديدا للأمن المائي المصري.
استمرت المحادثات لعقود من أجل إعادة توزيع حقوق المياه في إطار مبادرة حوض النيل، اشتركت فيها جميع دول حوض النيل - وصلت إلى نهاية غير حاسمة في عام 2010، والقضية لا تزال تشهد تنافسا حادا.
عندما تعثر التعاون على الصعيد الدولي، سببت ندرة المياه أزمات لدى جميع البلدان المعنية مما أثر على أمنها. هذا ينطبق بشكل خاص على ضحايا ندرة المياه. وفي كثير من الأحيان هؤلاء الناس هم أضعف أفراد المجتمع من الفقراء والنازحين بسبب النزاعات أو من أولئك المعتمدين على الصناعة القائمة على المياه، الظواهر المناخية سرعان ما تصبح مسألة حياة أو موت لدى هؤلاء السكان، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وإلى نشوء الصراعات.
النزاع السوري يقدم مثالا ممتازا لهذه الظاهرة. فقد أدت مجموعة من العوامل المختلفة لاندلاع النزاع في سوريا. ومع ذلك، ظهرت بعض العوامل التي يمكن تصورها لفهم هذا الشيء، حيث أن أشد جفاف في التاريخ السوري الحديث حدث بين عامي 2006 و2011، وتأثر بهذا الجفاف حوالي 60 في المائة من السكان حيث دمر الجفاف 75% من محاصيل المزارعين السوريين، وشرد داخليا أكثر من 1.5 مليون شخص. وكما يوضح بيتر جاك، الأستاذ في جامعة سنترال فلوريدا، هؤلاء المزارعون "تخلوا عن أراضيهم وذهبوا للمدن. لم يمض وقت طويل بعد ذلك، حيث حدثت أزمة اجتماعية في هذه المدن وتلا ذلك الثورة".
في نفس الوقت يعتبر سوء إدارة الحكومات المزمن للموارد المائية في جميع أنحاء المنطقة سببا لهذا النوع من الاضطرابات السياسية. هذا يصبح ضارا بشكل خاص في البلدان التي لديها القليل من الموارد المائية المتجددة مثل الأنهار. الدول مثل اليمن والبحرين والمملكة العربية السعودية غالبا ما تعتمد على المياه الجوفية أو محطات التحلية التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود لتأمين المياه اللازمة لها. ولذلك فإن العديد من طبقات المياه الجوفية في المنطقة وطبقات المياه الجوفية الأحفورية غير المتجددة تستنزف بمعدل خطير. ويشير أميت بانديا، إلى أن "نسب السحب السنوية تجاوزت 350 في المائة من الموارد المتجددة في مصر و800 في المائة في ليبيا و954 في المائة في السعودية".
لجعل الأمور أسوأ، تم توجيه جزء كبير من هذه الموارد المائية - عن قصد أو عن غير ذلك - إلى المشاريع الزراعية المكثفة من خلال الإسراف في الاستخدام الشخصي أو ببساطة من خلال أنظمة التوزيع غير الفعالة. دول الخليج العربي على سبيل المثال، لديها أعلى معدلات استخدام للمياه في العالم بما يخص حصة الفرد على الرغم من عدم امتلاكها مصادر مياه متجددة كبيرة. وبالمثل في اليمن حوالي 14 مليون شخص يحصلون على مياه الشرب المأمونة ولكن، كما يشير بيتر جاك، هم يستخدمون 90 في المائة من إمدادات المياه الجوفية في البلاد للزراعة، "ويستخدم نصف هذا الماء لمحصول المنشطات الذي يسمى القات على الرغم من سوء التغذية الحاد لدى سكان اليمن".
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من قرع الطبول المستمر حول التغير المناخي العالمي يزداد الشعور الحتمي باحتمال حصول أزمة مياه في الشرق الأوسط. وقد زاد متوسط درجات الحرارة في الصيف في دول المنطقة أكثر من ضعفي المتوسط العالمي، ووفقا لباحثين في معهد ماكس بلانك للكيمياء في ألمانيا، فإن أجزاء من المنطقة قد تصبح غير صالحة للسكن بحلول منتصف هذا القرن.
ولكن على الرغم من حجم هذه التحديات، فهي ليست مستعصية على الحل. التقدم التكنولوجي في تقنيات تكنولوجيا تحلية المياه والإدارة الجيدة لاستهلاك المياه تقدم مسارا أحاديا للتغلب على المشكلة. المساعدة المالية والتقنية الدولية يمكن أيضا أن توفر الموارد اللازمة وتساعد على تحسين أساليب إدارة المياه في المنطقة. الوعي والتعاون الإقليمي من خلال منظمات مثل نظام الإدارة المتكاملة للموارد المائية العربية، أمران مهمان للتغلب على المشكلة عن طريق زيادة الوعي حول ندرة المياه باعتبارها مشكلة مشتركة وتوفير الأدوات اللازمة للسيطرة عليها، وهذا النوع من النظام الإقليمي يمكن أن يساعد في التغلب على الصعوبات التي تواجه التحكيم الدولي بشأن قضايا المياه.
ومع ذلك، كما يلاحظ أميت بانديا، فلعل الخطوة الأولى الأكثر أهمية ستكون "تجنب الجلوس وفرك اليدين، والظن باستحالة عكس العمليات الطبيعية على نطاق واسع وأن نفهم بأن المياه مورد تجب إدارته"، لأن تحقيق الأمن المائي في الشرق الأوسط مهمة ستكون صعبة، ولكنها ليست مستحيلة.