تركيا وإسرائيل: مصالحة «استراتيجية».. وغزة بندٌ ضائع!
أعلن رئيسا وزراء إسرائيل وتركيا، بنيامين نتنياهو وبن علي يلديريم، أمس، عن توصل حكومتيهما إلى اتفاق مصالحة لتطبيع العلاقات بينهما. وكان جلياً الخلاف بينهما في تفسير النقطة المتعلقة بقطاع غزة، حيث أكد نتنياهو على أن الحصار يبقى على حاله، في حين أكد يلديريم أن «إجراءات ملموسة للتخفيف من الحصار بدأت». وأثار الاتفاق خلافاً على وجه الخصوص في إسرائيل، حيث اعتبره البعض خنوعاً، خصوصاً أن تركيا أعلنته انتصاراً.
وفي مؤتمرين صحافيين متزامنين، من روما حيث يتواجد نتنياهو، ومن أنقرة، جرى إعلان الاتفاق. وقال نتنياهو إن الاتفاق ينهي الأزمة التي نشبت بين تركيا وإسرائيل جراء اقتحام القوات الإسرائيلية في أيار 2010 لسفينة مرمرة التركية التي كانت في رحلة تضامن مع قطاع غزة. ورسمياً، سيتم التوقيع على الاتفاق اليوم من جانب مديري عام الخارجية التركية والإسرائيلية على انفراد في كل من أنقرة وتل أبيب.
وقال نتنياهو خلال المؤتمر الصحافي إن «إسرائيل توصلت لاتفاق ذي أهمية استراتيجية مع تركيا، فالشرق الأوسط يمر بهزة، وسياستي هي خلق بؤر استقرار في الجوار الأقرب لنا. فعلنا ذلك مع اليونان وقبرص، مع روسيا وتركيا. وإسرائيل وتركيا هما قوتان كبيرتان في المنطقة، والقطيعة بينهما لن تفيد مصالحنا المشتركة وتمنعنا من التعاون».
وأضاف نتنياهو أن «الاتفاق يشمل حماية لقادة وجنود الجيش الإسرائيلي من الدعاوى القائمة والمستقبلية. وهناك الكثير من هذه الدعاوى. والاتفاق يضمن ألا يكون جنودنا مكشوفين لدعاوى من جانب تركيا. وسيقر قانون في البرلمان التركي يلغي كل هذه الدعاوى».
وتحدث نتنياهو عن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، قائلاً إن «الاتفاق يحافظ على الحصار البحري الأمني على غزة والذي يمنع تعاظم حماس. ولم أُبْدِ استعدادا للمساومة على ذلك. نحن مستعدون لنقل عتاد عبر ميناء اسدود».
وبحسب كلامه، فإن «الاتفاق يسمح بمعالجة قضايا إنسانية في غزة تبعاً لاعتبارات الأمن الإسرائيلية. فتحسين وضع المياه والكهرباء هو مصلحة إسرائيلية. والجفاف في غزة سيضر أيضاً بالمياه الجوفية لإسرائيل ويلوثها. وعندما لا تتوفر كهرباء، تنشأ مشاكل في المجاري تخلق أوبئة لا تتوقف عند السياج الحدودي. لذلك هذه مصلحة إسرائيلية واضحة». وخلص إلى أن «الاتفاق يوفر تعهداً بمنع النشاطات الإرهابية أو العسكرية ضد إسرائيل من الأراضي التركية، بما في ذلك جمع أموال لهذه الغايات. وهذا تعهد هام».
وتطرق نتنياهو إلى مسألة إعادة المفقودين الإسرائيليين في غزة في إطار الاتفاق، قائلاً: «إنني أتفهم معاناة عائلات المفقودين. وأنا أعدهم ألا نكف ولا نتوقف حتى نعيد أبناءنا. الاتفاق يخلق إدارة إضافية لفعل ذلك. فتركيا لا تسيطر على حماس وليست من يحتفظ بالجثث. والتعهد الذي حصلنا عليه من أردوغان هو أمر جيد. من دون رسالته، لم يكن ليحدث شيء. الآن هناك فرصة لفعل شيء».
وأكد نتنياهو أن «الاتفاق يلزم تركيا بمساعدة إسرائيل في الدخول إلى كل المنظمات الدولية التي تركيا عضو فيها. والاتفاق مع تركيا يفتح باباً للتعاون في مواضيع الاقتصاد والطاقة، خصوصاً في شأن الغاز. والغاز ينطوي بالضرورة على فرصة لتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي وخزينة الدولة. ينبغي إخراج الغاز من البحر، ولكن أيضاً إيجاد أسواق له. يمكن لحقل لفيتان أن يزود السوق المصري وأيضاً السوق التركي، ولأوروبا عبر تركيا».
وعلق نتنياهو على الانتقادات ضد الاتفاق في إسرائيل، فقال إن «قسما ممن يهاجمونني حالياً قالوا لي في الشهور والسنوات الأخيرة: لا ينبغي خسارة دولة إسلامية كبيرة مثل تركيا بسبب 20 مليون دولار. وأنا لا أدير الدولة وفق تغريدات أو عناوين صحف، وإنما وفق مصالح الدولة». وشدد على أن «هذا اتفاق جيد. وهو ليس منيعاً عن الانتقادات، لكنه بالغ الأهمية استراتيجياً لإسرائيل». وأضاف: «سمعت أناساً يتحدثون عن الكرامة الوطنية. وأنا أرى أن زعماء العالم يحترمون من يحاول تحقيق مصالحه الوطنية».
وبموازاة مؤتمر نتنياهو، عقد رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم مؤتمراً مشابهاً في أنقرة أكد فيه أن إسرائيل ستدفع 20 مليون دولار كتعويضات لعائلات ضحايا مرمرة. وأضاف أن أول سفينة تركية تحمل 20 ألف طن من المساعدات الإنسانية لغزة ستبحر إلى ميناء اسدود يوم الجمعة المقبل. وشدد يلديريم على أن الاتفاق «يعبر عن دور تركيا كمدافع عن الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط».
وكانت مصادر إسرائيلية قد أعلنت أن آخر اجتماع لطاقمي المفاوضات التركي والإسرائيلي في روما أمس الأول شهد تسليم تركيا رسالة رسمية تتعهد فيها بالعمل مع حماس بغرض إنهاء مسألة المدنيين الإسرائيليين المفقودين في غزة، وكذلك جثماني الجنديين الإسرائيليين أورون شاؤول وهدار غولدن.
وبحسب ما نشر في إسرائيل، فإنه إلى جانب بنود الاتفاق المعلنة، هناك ملحقان له: الأول يتعلق بطلب إسرائيل إغلاق المقر العسكري لـ «حماس» في اسطنبول والذي يوجه عمليات ضد إسرائيل. وفي هذا الشأن، تعهدت الحكومة التركية ألا تنطلق من أراضيها أي نشاطات عسكرية لـ «حماس» ضد إسرائيل. وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإن تركيا تعهدت بفرض ذلك. وهذا جزء لا يتجزأ من الاتفاق». والملحق الثاني رسالة رسمية تركية تتعهد فيها بالعمل مع «حماس» في محاولة لإنهاء مسألة المفقودين الإسرائيليين في القطاع. وقال مسؤول إسرائيلي إننا «طلبنا وتلقينا رسالة رسمية يأمر فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستخبارات التركية وكل أجهزة الحكومة المعنية باتخاذ كل التدابير المطلوبة لمساعدة والعمل من أجل إنهاء مسألة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في غزة على أساس إنساني».
وأثار إعلان الاتفاق مع تركيا ردود فعل متباينة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. وأعلن أن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان سيصوت في المجلس الوزاري المصغر ضد الاتفاق. غير أن هذا التصويت لن يؤثر في الاتفاق الذي يملك أغلبية له في المجلس والحكومة. وحمل زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ على الاتفاق بسبب موافقة إسرائيل على تقديم تعويضات ولعدم احتوائه بنداً حول المفقودين.
أما زعيمة «ميرتس»، زهافا غالئون، فأعلنت أن «نتنياهو ماطل في المفاوضات لست سنوات من أجل أن يخرج علينا بصفر إنجازات». وأضافت أن «رئيس الحكومة يهدي شرعية إقليمية لنظام قمعي ومؤيد للإرهاب من دون أن يعيد جثامين المفقودين، ومن دون أن يضعف حماس، وعبر دفع تعويضات هائلة للأتراك».