هل سيحسن الرئيس ترامب العلاقات الأميركية الروسية؟

26.05.2016

يتزايد التوافق في الآراء على أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا الولايات المتحدة، سيعمل على تقوية العلاقات الأمريكية مع روسيا. ولكن هل هذا هو الحال فعلا؟
على مدى الأشهر القليلة الماضية نشرت وسائل الإعلام الأميركية عددا من القصص حول التقارب المزعوم بين الزعيم الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، والرئيس الأميركي المستقبلي المحتمل، دونالد ترامب.
قصص تميل إلى المزايدة في طبيعتها، ومدعمة باتصالات غير موجودة في الواقع. فهل يشي  قرار ترامب بمصاحبة الحسناوات إلى مسابقة ملكة جمال الكون في موسكو عام 2013، بالمسار المرجح للعلاقات الأمريكية الروسية في المستقبل؟
بدا ترامب في غاية السعادة عندما قدم له الرئيس بوتين مجاملة لطيفة منذ عدة أشهر، وصفه فيها بأنه "متحمس جدا وموهوب جدا". هل يمكن أو هل ينبغي استخلاص أية استنتاجات خطيرة من ذلك؟ على الأغلب لا.
ذهب بعض النقاد، لاسيما من معسكر المحافظين الجدد، بعيدا في استنتاجاتهم حين وصفوا ترامب بـ"الرجل الروسي القوي"، ليظهروا عدم أهليته للرئاسة. والأسوأ من ذلك أنه خلال خطاب ترامب حول السياسة الخارجية في واشنطن يوم 27 أبريل/نيسان، لوحظ السفير الروسي لدى الولايات المتحدة سيرغي كيسلياك في الصف الأمامي. ما دعم نظرياتهم. وازدادت مخاوف المحافظين الجدد، مع ظهور نظرية أن الرئيس الأمريكي ترامب، سيصبح "بوتين أمريكا" الذي سيسيطر على كل مؤسسات الحكم وسيكون القائد الأعلى للقوات المسلحة؟
قد يكون فوز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني نعمة للمصالحة بين الولايات المتحدة وروسيا بعد كوارث رئاستي بوش وأوباما، لكن النتيجة غير مؤكدة على الإطلاق. من أجل أن تتحسن العلاقات بين القوتين، يحتاج ترامب لتجنب التفكير النموذجي الجماعي الذي يشكل خزانا غامضا بشأن روسيا وله تأثير عميق في أروقة السلطة في واشنطن.
يحتاج ترامب أيضا لتجنب مأزق البيروقراطية الذي أنهك الرئيس أوباما منذ بداية فترة ولايته. كما يجب أن يدرك أن الشخصيات المساعدة له، هي التي تصوغ سياسته، فإذا عين المحافظين الجدد وصقور الليبرالية في مواقع السلطة كما فعل أوباما (روبرت غيتس، هيلاري كلينتون، سامانثا باور، سوزان رايس،  فيكتوريا نولاند، أشتون كارتر) فستعكس السياسات ميول معاونيه.
والشيء الثاني الذي سيحتاجه ترامب لحل المأزق بين الولايات المتحدة وروسيا، هو الخروج من المنطقة المريحة له. ذلك أن القضايا التي تربك العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ليس لها علاقة بالاقتصاد أو بالتجارة بالتأكيد، حيث  يملك ترامب الخبرة العالية.
سيحتاج ترامب لتحدي الآراء حول مرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث تجنب الغرب أي جهد جاد لبناء نظرة شاملة - بدلا من النظرة الحصرية - في أوروبا. وبدلا من ذلك، فقد فضل الغرب سياسة توسع حلف الناتو وسياسة عزل روسيا. لفعل ذلك على الولايات المتحدة أن تعتبر روسيا إحدى "مصالحها الأمنية"، والعمل بالتالي على تحقيق التوازن بين مصالح روسيا وأوروبا.
حل هذا اللغز يتوقف على رغبة ترامب بالتعمق في التعريف الموسع لما يراه الإجماع في واشنطن حول مصالح الأمن القومي الأساسية للولايات المتحدة. يجب نزع المخاوف المبالغ فيها من قبل المحافظين الجدد ومن الصقور الليبراليون، وعلى ترامب أن يقرر ما إذا كان إبقاء الروس خارج  تالين أو ريغا أو كييف هو حقا مصلحة أساسية للأمن القومي الأميركي.
هذا سيتطلب أيضا فهما أكثر دهاء لديناميات التحالف وأعمق من الفهم الحالي الموجود في الوقت الحاضر. يقول الصحفي الواقعي والمستشار لدى الحكومة الأمريكية  في بعض الأحيان والتر ليبمان إن "التحالف مثل السلسلة ... لن يكون أقوى عن طريق إضافة وصلات ضعيفة له".
يحتاج ترامب أيضا لأن يدرك أن الأعضاء الضعفاء في التحالفات،هم أساسا ذوي ميول هز الذيول. سيحتاج فهم هذا، إلى الاستيعاب الحقيقي للحرب الروسية الجورجية عام 2008. فهي لم تكن ضربا من "العدوان" الروسي، ولكنها، كانت محاولة طائشة من قبل زعيم دولة صغيرة (ميخائيل ساكاشفيلي) هي جورجيا، لبدء حرب مع روسيا، لأنه تلقى الدعم الأميركي الضمني من أصدقائه في أروقة البيت الأبيض.
لن يكون ترامب قادرا على الحصول على مثل هذه المعرفة من البيروقراطية الحالية، ولا من مؤسسات الفكر والرأي الحالية، ولا من مستشار الأمن الوطني الرئيسي، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جيف سيشن، الذي يتم نصحه شخصيا من قبل مؤسسات الفكر والرأي المتشددة.
وأخيرا، سوف يحتاج ترامب لممارسة الصفات القيادية كالخيال، ليتمكن من عرض رؤيته للمشكلة من وجهة نظر الطرف الآخر. وسوف يحتاج إلى النظر في كيفية رد الولايات المتحدة إذا قررت روسيا و/أو الصين وضع قوات عسكرية وناقلات حربية ومنشآت دفاع صاروخي في كندا والمكسيك وكوبا.
إذا كان ممكنا له إدارة كل هذه الأمور، فهناك على الأقل إمكانية  لظهور فرصة لتأسيس علاقات لائقة بين الولايات المتحدة وروسيا. وإن لم يكن الأمر كذلك، فنتوقع تواصل مهزلة انعدام التفاهم الجارية الآن.