الهجوم الإرهابي في منطقة موسكو.. أوكرانيا وداعش والغرب

01.05.2024

في مساء يوم 22 مارس (آذار) 2024، وقبل بدء حفل موسيقي، اقتحمت مجموعة من المسلحين إحدى أكبر القاعات في موسكو، وبدأت بإطلاق النار بلا رحمة على المدنيين. وبالإضافة إلى إطلاق النار من الأسلحة الآلية، واستخدام السكاكين، استخدم المهاجمون سائلًا قابلًا للاشتعال لإشعال النار في المبنى من الداخل. ونتيجة للحريق احترق المبنى بكامله، ولقي عدد كبير من الأشخاص حتفهم بسبب النيران والدخان.

يذكرنا هذا الهجوم الإرهابي بالحادث الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، في نادي باتاكلان الباريسي، ولكن على نطاق أوسع بكثير. يعد هذا الهجوم الإرهابي إحدى أكبر المآسي في روسيا، إلى جانب نورد أوست وبيسلان، حيث أودى بحياة ما لا يقل عن 130 شخصًا، وأصيب أكثر من 120 شخصًا بجراح، وتسمم بأول أكسيد الكربون نتيجة الحريق.

في موسكو، ومنطقة موسكو، بدءًا من 22 مارس (آذار)، ألغيت جميع الأحداث العامة لمدة ثلاثة أيام. أُعلن يوم 24 مارس (آذار) يوم حداد وطني. وكدليل على التضامن مع روسيا، أعلنت أبخازيا ونيكاراغوا والبوسنة والهرسك يوم حداد، وأعرب رؤساء كثير من الدول الصديقة في المقام الأول، عن تضامنهم مع روسيا، واستعدادهم لمحاربة الإرهاب.

تمكنت أجهزة الأمن الروسية من التعرف بسرعة على أربعة مرتكبين مباشرين للهجوم الإرهابي، واعتقالهم في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، بالإضافة إلى سبعة آخرين من شركائهم، في منطقة بريانسك، على بعد 100 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا. وكما ذكرنا، فإن جميعهم من مواطني طاجيكستان. في الوقت الحالي، يجري التحقيق لتحديد تفاصيل مختلفة من شأنها أن تساعد على معرفة الإرهابيين الآخرين، والعلاقات مع العملاء. وفي كل الأحوال، فإن المبادرين الحقيقيين يظلون خارج روسيا. المشتبه فيهم الرئيسون هم هياكل أجهزة المخابرات من أوكرانيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا.

في 7 مارس (آذار)، ظهرت معلومات على الموقع الإلكتروني لسفارتي الولايات المتحدة، ثم بريطانيا، تحذر مواطنيهما من زيارة الأماكن التي بها حشود كبيرة من الناس. تم التركيز على قاعات الحفلات الموسيقية خاصةً، وردت السلطات الروسية على ذلك بتعزيز الإجراءات الأمنية بمناسبة عطلة الثامن من مارس (آذار)، وخلال الانتخابات الرئاسية. ومن المحتمل أن تكون هذه الإجراءات قد أجبرت المنظمين على تغيير مواعيد الهجوم المزعوم.

لقد استغرق الإعداد لهذا الهجوم الإرهابي بعض الوقت، ليس فقط لاختيار الموقع وتفقده من جانب الجناة؛ ولكن أيضًا للتفكير في الأمور اللوجستية، ومنها طرق الهروب، وإنشاء مخابئ الأسلحة، وما إلى ذلك. ومن الواضح أن العمل الأولي نفذه محترفون من أجهزة المخابرات الغربية.

تجدر الإشارة إلى أن هناك أيضًا أثرًا للإسلاميين المتطرفين، حيث كان الجناة في إسطنبول منذ فترة، وقد وصل أحد الإرهابيين من تركيا في اليوم السابق، وانتقلت مجموعة من المنفذين إلى فندق في مدينة إيفانوفو مطلع مارس (آذار) الماضي، أي قبل أيام قليلة من تحذير السفارتين الأمريكية والبريطانية.

بعد إلقاء القبض على الإرهابيين، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي رسميًّا أن مرتكبي الجرائم كانت لهم اتصالات مع أوكرانيا. وأكد أمين مجلس الأمن القومي نيكولاي باتروشيف، بعد أيام قليلة من المأساة، أنه سُجلت مشاركة الأجهزة الخاصة الأوكرانية، وهناك دلائل أخرى على مشاركة الجانب الأوكراني في هذا الهجوم الإرهابي.

قبل أسابيع قليلة من الهجوم الإرهابي، نُشرت معلومات عن تجنيد أشخاص للانضمام إلى الفيلق الدولي على صفحة السفارة الأوكرانية في طاجيكستان. وقاد هذا العمل السفير فوق العادة لأوكرانيا فاليري إيفدوكيموف، الذي شغل سابقًا منصب رئيس جهاز المخابرات الخارجية في عهد فلوديمير زيلينسكي. وفي وقت سابق، اعتُقل مواطن من طاجيكستان في موسكو في أثناء تصويره وحدة عسكرية بالقرب من موسكو، مما يشير إلى العمل المنهجي لإشراك الأجانب من جانب أوكرانيا. وفي هذه الحالة، يعد هذا دليلًا غير مباشر على تورط الجانب الأوكراني عبر المواطنين الطاجيك في أنشطة إرهابية ضد روسيا.

تجدر الإشارة إلى أن “الفيلق الدولي” المذكور تابع لمديرية المخابرات الرئيسة للقوات المسلحة الأوكرانية، التي لديها كتيبة منفصلة للأغراض الخاصة التابعة لوزارة دفاع جمهورية الشيشان، أنشأها أحمد زكاييف، الذي حصل على اللجوء السياسي في المملكة المتحدة عام 2003. وتضم الكتيبة مجموعة عبد الحكيم الشيشاني (رستم أزييف) من الشيشان، التي شاركت في القتال ضد قوات بشار الأسد في محافظتي إدلب واللاذقية الحدوديتين مع تركيا. وكان الشيشاني قد شارك في محاولات اختراق الأراضي الروسية في اليوم السابق، وهناك دليل على حصوله على الجنسية الأوكرانية. ومن المحتمل جدًّا أن يكون الإرهابيون قد ذهبوا إلى منطقة بريانسك لعبور الحدود هناك في منطقة غابات، والالتقاء بمشرفيهم، حيث أدّى أزييف دورًا خاصًا.

ما يؤكد الدور الأوكراني هو أيضًا مدى سرعة وتنسيق إعلان عدم تورط أوكرانيا من جانب كييف وواشنطن. من الواضح أنهم أرادوا تجنب الشك، وتجنب الانتقام المتوقع، ومن هنا جاءت التصريحات المتزامنة من السياسيين ووسائل الإعلام الغربية بأن ذلك من فعل داعش، واستغلال التأكيد عبر الصور والبيانات الصادرة عن مصادر إعلامية تابعة لداعش. ومع ذلك، يمكن دحض هذا الإصدار بسهولة بعد التحليل التفصيلي؛ أولًا، كقاعدة عامة، في مثل هذه الحالات، ينتحر إرهابيو داعش باستخدام سترة ناسفة، أو يأخذون الناس رهائن لتقديم مطالبهم، لكن في هذه الحالة، اختفى الجناة على عجل. بالإضافة إلى ذلك، وبعد احتجازهم في أثناء الاستجواب، اعترفوا بأن دوافعهم كانت الحصول على المال، وهو ما يلقي ظلالًا من الشك أيضًا على رواية انتمائهم إلى داعش؛ لكونهم مرتزقة. ثالثًا: في الصور المنتشرة على نطاق عريض، يرفعون إصبع السبابة ليدهم اليسرى، وهو أمر غير مقبول بين المسلمين المتطرفين، حيث يعد استخدام اليد اليسرى تقليديًّا من فعل الشيطان. ربما يعود ذلك إلى عدم دقة تدريب أجهزة المخابرات الغربية والأوكرانية، عندما جندت هذلاء المرتزقة للقيام بهذا الأداء. وأخيرًا، بما أن داعش هي صناعة غربية، فليس من الصعب على أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية، التي لديها اتصالاتها العملياتية هناك، نشر المعلومات باسم داعش.

كما أن المتخصصين في داعش من دول مختلفة، ومنها دول أوروبا الغربية، والولايات المتحدة، لاحظوا عددًا من التناقضات الأخرى، مثل المصطلحات غير المميزة المستخدمة في البيانات المزعومة نيابة عن فناني الأداء، وتشويه الأصوات، وهو ما لم يفعله أتباع داعش من قبل.

حتى في مثل هذه المواقف الأخلاقية، وضح للعيان عدم إدانة أي من السياسيين الأوكرانيين الهجوم الإرهابي، بل على العكس من ذلك، ألقوا باللوم على السلطات الروسية، كما لو أن كل ذلك رُتِّبَ خصيصًا لأغراض سياسية. أضافت بعض المطاعم في أوكرانيا اسم الطبق (Crocus City Hall) إلى القائمة، وأنشأ اللاعبون من أوكرانيا خريطة جديدة للعبة (Counter Strike)، حيث أعيد إنشاء قاعة الحفلات الموسيقية (Crocus City Hall). في هذه اللعبة يمكنك إطلاق النار على الأشخاص، أو إشعال النار في المقاعد باستخدام زجاجات المولوتوف، أو زرع قنبلة. بعد الهجوم الإرهابي، تلقت روسيا مكالمات من أرقام أوكرانية بشأن مباني التعدين، وفي مدن مختلفة تلقى الناس عروضًا عبر برنامج تيليغرام لتفجير شيء ما مقابل مكافأة، وتهديدات في حالة الرفض.

من الواضح أن المنظمين، بعد إشراكهم الطاجيك، كان لديهم هدف آخر: “التحريض على الكراهية بين الأعراق القومية داخل روسيا، حيث يوجد هنا عدد كبير من العمال المهاجرين من طاجيكستان”. وقد بدأ عدد من قنوات التيليغرام بالفعل في الدعوة إلى أعمال انتقامية ضد المهاجرين. تجدر الإشارة إلى أن المحرضين الأوكرانيين كانوا يستغلون في السابق كل الفرص أيضًا لإثارة صراع داخلي في المناطق الروسية، حيث حاولوا زعزعة استقرار الوضع السياسي في باشكيريا، وعلى خلفية الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في فلسطين، دعوا إلى ذبح اليهود في داغستان، وما إلى ذلك.

خلال الهجوم الإرهابي الذي وقع في بيسلان عام 2003، كان من بين مرتكبي الهجوم مواطنون من إنغوشيا ذات الأغلبية المسلمة. في روسيا، نحن نعرف جيدًا أن المخابرات الأمريكية (CIA)، وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، يسعيان باستمرار إلى تسعير الصراعات العرقية والدينية في روسيا، ويستخدمان عملاءهما ومرتزقتهما لتحقيق هذه الغايات.

من الواضح أنه ستُتخذ تدابير إضافية في روسيا على المستويين التشريعي والتنفيذي لمنع وقوع هجمات إرهابية مماثلة في المستقبل، ومعاقبة جميع المتورطين. أعلن الرئيس فلاديمير بوتين إجراءات لمكافحة الإرهاب ستُطبق في روسيا إلى أجل غير مسمى، كما ستُحدَّد هوية من أمروا بالهجوم الإرهابي وسيُعاقَبون. وقد أكد رؤساء عدد من الدول بالفعل استعدادهم للتعاون مع روسيا ضد الإرهاب، وبالطبع ستكون المهمة الأساسية أيضًا رصد ومنع أعمال التطرف والإرهاب في المستقبل.

في الوقت نفسه، لم يتحقق الهدف الرئيس لمنظمي الجريمة، فقد فشلوا في زرع الفوضى والذعر. لقد أصبح المجتمع الروسي أكثر اتحادًا وتضامنًا مع السلطات في تحقيق الأهداف المشتركة، التي لا تشمل فقط استكمال أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا (وهي أيضًا إحدى طرق مكافحة التطرف في شكل النازية الجديدة)، ولكن أيضًا بناء نظام دولي أكثر عدلًا.

https://eurasiaar.org