حلب معركة محورية في تاريخ الحرب السورية
اتفق اطراف النزاع في سوريا على اعتبار المعارك الدائرة في مدينة حلب محورية لتحديد المنتصر في الحرب الدائرة في هذا البلد، ولا تزال المدينة منذ العام 2012 مقسومة بين احياء شرقية وغربية تتقاتل قوات النظام والفصائل المعارضة فيها بشراسة.
وبعد ثلاثة اسابيع على فرض قوات النظام الحصار على احياء المدينة الشرقية، انقلبت المعادلة السبت في حلب فاستلمت الفصائل المقاتلة والجهادية زمام المبادرة ولم تتمكن من فك الحصار فحسب، بل قطعت ايضا آخر طرق الامداد الى الاحياء الغربية فاصبحت هذه الاحياء عمليا محاصرة من قبل القوات المعارضة.
– المدينة القديمة –
تعد حلب واحدة من اقدم مدن العالم وتعود الى اربعة آلاف عام قبل الميلاد. وقد توالت الحضارات على هذه المدينة المعروفة بصناعة وتجارة النسيج.
وبين العامين 1979 و1982، شهدت المدينة فصولا من قمع النظام السوري لجماعة الاخوان المسلمين. وعادت في التسعينات لتزدهر مجددا نتيجة حراك تجاري ترافق مع سياسة انفتاح اقتصادي انتهجتها البلاد.
– حلب المقسمة وتراثها المدمر –
لحقت سوريا في آذار/مارس العام 2011 بركب ما عرف وقتها باحتجاجات “الربيع العربي”. وانضمت حلب الى موجة التظاهرات في نيسان/ابريل وايار/مايو من العام ذاته، الا انها تعرضت لقمع الاجهزة الامنية.
ومع تحول الحراك في سوريا الى نزاع مسلح، شنت الفصائل المعارضة في تموز/يوليو العام 2012 هجوما كبيرا على المدينة تمكنت خلاله من فرض سيطرتها على الاحياء الشرقية منها.
ومنذ ذلك الحين، تشهد مدينة حلب معارك شبه يومية بين الفصائل المقاتلة في الاحياء الشرقية وقوات النظام في الاحياء الغربية.
ودمرت المعارك المدينة القديمة واسواقها المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي. وطال الدمار مواقع تعود الى سبعة آلاف عام.
ولحقت بسوق المدينة التاريخي اضرار فادحة نتيجة المواجهات والحرائق، فيما تحولت مئذنة الجامع الاموي العائدة الى القرن الحادي عشر الى كومة من الركام.
كذلك لحقت اضرار كبيرة بقلعة حلب الصليبية التي استعادتها قوات النظام من المعارضة بعد قتال عنيف.
وقد انهار في حلب اتفاق لوقف الاعمال العدائية فرضته واشنطن وموسكو في نهاية شباط/فبراير 2016 بعد شهرين فقط على دخوله حيز التنفيذ.
– المدنيون يدفعون الثمن –
ودفع سكان حلب ثمنا باهظا في النزاع الذي اسفر خلال خمس سنوات عن مقتل اكثر من 280 الف شخص. وهم الذين باتوا مقسمين بين الاحياء، فيعيش 250 الفا في الاحياء الشرقية وحوالى مليون و200 الف آخرين في الاحياء الغربية.
وحين حاصرت قوات النظام السوري الاحياء الشرقية في 17 تموز/يوليو بعد محاولات عدة باءت بالفشل سابقا، كان السكان اول المتضررين فارتفعت اسعار المواد الغذائية قبل ان تبدأ بالاختفاء من الاسواق.
ومنذ 31 تموز/يوليو، شنت الفصائل الجهادية والمقاتلة، وبينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) هجمات عدة بهدف فك الحصار عن الاحياء الشرقية.
ونجحت تلك الفصائل السبت بالتقدم والسيطرة على مواقع استراتيجية من قوات النظام في جنوب غرب المدينة، وحققت هدفها بفك الحصار عن الاحياء الشرقية، بل انها ايضا قطعت آخر طريق امداد الى الاحياء الغربية.
ومن هنا تغير المشهد في حلب، وباتت الاحياء الغربية بحكم المحاصرة من قبل الفصائل المقاتلة والجهادية.
وما هي الا ساعات على قطع الطريق، حتى بدأت اسعار المواد الغذائية بالارتفاع في الاحياء الغربية، وسارع السكان الى الاسواق للتموين خوفا من ايام صعبة اذا جرى تثبيت الحصار. وذلك برغم تأكيد الاعلام الرسمي والمرصد السوري لحقوق الانسان ان الجيش السوري يعمل على فتح طريق امداد جديدة من الناحية الشمالية.
ووثق المرصد السوري مقتل اكثر من 130 مدنيا، غالبيتهم في الاحياء الغربية، منذ بدء هجمات الفصائل المقاتلة في جنوب حلب في 31 تموز/يوليو.
وتتواصل الاشتباكات جنوب غرب مدينة حلب، بين الفصائل المقاتلة والجهادية من جهة، وقوات النظام مدعومة من حزب الله اللبناني وغطاء جوي روسي من جهة ثانية.
واختصر مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن التطورات الاخيرة في حلب بوصفها “معركة تحديد مصير”، وقال “من يفوز بهذه المعركة سيفوز بحلب”.
المصدر: أ ف ب