زيارة شتاينماير الى موسكو ومستقبل العلاقات الروسية الألمانية
هناك أسباب تدعو الكرملين إلى التفاؤل بشأن الوضع المستقبلي للعلاقات الروسية-الألمانية، رغم ضعف العلاقات التجارية والاقتصادية الحالية بسبب العقوبات.
يبدو أن هناك بعض الأسباب التي تدعو الكرملين للتفاؤل بشأن زيارة عمل وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير إلى موسكو في 23 آذار/مارس، حيث التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي وصف المحادثات مع نظيره الألماني بـ"الحوار المكثف".
وخلال الاجتماع، ركز الوزيران على القضايا السياسية العالمية الكبرى، مثل آليات تنفيذ اتفاقات مينسك في شرق أوكرانيا، وآفاق عملية السلام في سورية، والوضع في ليبيا، والتهديد المتزايد للإرهاب الدولي، ومستقبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي سيرأسها شتاينماير في العام 2016.
وبطبيعة الحال، تركزت المحادثات بين وزيري الخارجية حول العلاقات الروسية الألمانية، والتي من وجهة نظر لافروف "لا تزال تشكل عاملا مهما جدا في السياسة الأوروبية والعالمية، توثر بفعالية في حل العديد من المشاكل الدولية".
فعالية اجتماع موسكو تتجلى، بصفة خاصة، في حقيقة أن الوزيرين أعلنا نيتهما استئناف الحوار بشكل أوسع، في سان بطرسبرغ، في إطار منتدى الجمعيات الأهلية الروسية الألمانية، الذي تم إطلاقها للمرة الأولى قبل أكثر من 15 عاما.
وسيعقد هذا المنتدى في سانت بطرسبورغ، في منتصف الصيف. وبالإضافة إلى ذلك، وافق الدبلوماسي الألماني على إعادة تنشيط الفريق العامل الرفيع المستوى المشترك، بين وكالات التعاون الاستراتيجي في مجال الاقتصاد والمال في وقت قريب جدا.
الوضع غير الطبيعي للعلاقات الروسية الألمانية
الاستئناف الكامل لعمل هذا الفريق أمر حتمي. حرفيا، عشية زيارة شتاينماير، نشرت وزارة الخارجية الروسية وثيقة تنص على أن السنة الماضية كانت كارثية فيما يخص العلاقات التجارية الروسية الألمانية.
إذ انخفض إجمالي حجم التبادل التجاري بين روسيا وألمانيا بمعدل 34.7 في المئة في العام 2015، مقارنة بالعام 2014، فقد تراجع معدل الصادرات الروسية بنحو 32 في المئة والواردات انخفاضا قدره 38 في المئة. في العام الماضي، أوقفت 400 شركة ذات رأس مال ألماني عملها في السوق الروسية. وتعليقا على هذه الأرقام، أشار لافروف إلى أن "هذا الوضع غير عادي" و"يجب تصحيح ذلك".
وفي الوقت نفسه، هناك أسباب للتفاؤل. إذ تواصل ألمانيا سعيها لتصبح واحدة من كبار المستثمرين في روسيا. ووفقا لبنك روسيا، اقترب إجمالي حجم الاستثمارات الألمانية من 12.5 مليار دولار.
والأمر المطمئن أكثر، هو حقيقة أن "حرب العقوبات" لم تدمر العلاقات الروسية الألمانية في المجالات الإنسانية والثقافية. على سبيل المثال، كان أصبحت سنة 2015، عام اللغة والثقافة والأدب الروسي في ألمانيا، وعام اللغة الألمانية وآدابها في روسيا.
العامل الروسي في السياق الألماني
هناك عدد متزايد من رجال الأعمال في ألمانيا، يطالب علنا بعودة الشكل القديم للعلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. وهذا ليس من باب الصدفة، إذ أن الألمان معروفون بالبراغماتية، وربع الشركات الألمانية، بطريقة أو بأخرى، تأثرت بـ"حرب العقوبات"، والرأي العام بطبيعة الحال لا يمكن أن يبقى غير مبال.
كما أن عددا من زعماء الاتحاد الأوروبي يرفعون أصواتهم لصالح بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2"، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا. وعن هذا، يقول ماريو ميرين، رئيس مجلس إدارة شركة النفط والغاز الألمانية وينترشال، إن هذا الخط "سيؤمن امدادات الغاز المستقرة والموثوق بها إلى أوروبا في المستقبل."
ومع ذلك، فإن بعض قادة الاتحاد الأوروبي يحذرون من بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2". الاعتراضات على بناء مشروع الغاز المثير للجدل تأتي من عدد من دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك جمهورية التشيك واستونيا والمجر ولاتفيا وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وليتوانيا وكرواتيا. في الواقع، هم أثاروا الشكوك حول "نورد ستريم". وبرأي الخبراء الروس، القرار النهائي من المرجح أن يتم على المستوى السياسي.
في النصف الأول من شهر آذار/مارس، جرت انتخابات اقليمية في ثلاثة ولايات من ألمانيا الاتحادية. على خلفية "أزمة الهجرة"، والأحزاب السياسية وتشكيل الحكومة الحالية، فقد الإتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل والحزب الديمقراطي الاجتماعي برئاسة شتاينماير، حيزا كبيرا من دعم الناخبين.
ومن المثير للاهتمام، أن ثالث أكبر حزب شعبية اليوم في ألمانيا، الحزب اليميني الشبابي المتشكك تجاه الإتحاد الأوروبي- حزب "البديل من أجل ألمانيا". بين ناخبيه في المقام الأول، الألمان المهاجرون من الاتحاد السوفياتي السابق. وزعيم هذا الحزب فرانك بيتري، حسب ما تنشره الصحف الالمانية، "يواصل التعبير عن حسن النية تجاه الرئيس الروسي".
وكما يفيد الصحافي الروسي والخبير بشؤون ألمانيا، أوليغ نيكيفوروف، فإن نجاح "البديل من أجل ألمانيا" سيعطي المزيد والمزيد من الناس في ألمانيا، إشارة "لبدء الإعتقاد بأن سياسات ميركل ليست هي الوحيدة الأفضل لبلادهم."
ويبدو أن جهات في الائتلاف الحاكم تسعى لإعادة تقييم السياسات السابقة للاتحاد الأوروبي وألمانيا تجاه روسيا. وبذلك، فإن زيارة وزير الخارجية شتاينماير لموسكو قد تكون علامة جيدة، على الأقل للكرملين.
تحديات تواجه العلاقات الروسية الألمانية
رغم المؤشرات الإيجابية في العلاقات بين روسيا وألمانيا، إلا أن هناك تحديات خطيرة جدا لا تزال قائمة. ومن بينها، القضايا الاقتصادية والسياسية. والأهم من ذلك، أن هذه المشاكل ستلقي بظلالها على الاتجاهات الإيجابية في العلاقات بين موسكو وبرلين.
بعد كل شيء، إعادة إطلاق العلاقات الألمانيا الروسية أمر مستحيل من دون استعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية، بما في ذلك رفع العقوبات ضد الكرملين. ومع ذلك، وكما يتضح من خطاب الاتحاد الأوروبي، فإنه من غير المحتمل أن يتم إلغاء العقوبات ما لم تغير الحكومة الروسية سياستها تجاه أوكرانيا. ولكن كلا من موسكو والاتحاد الأوروبي (وبالتالي ألمانيا) يبدو متصلبا جدا. مع ذلك، يمكن أن تصبح اتفاقيات مينسك الملاذ الأخير: إذا تم تنفيذها، فقد تتمكن موسكو وبرلين من إيجاد أرضية مشتركة حول أوكرانيا.
التحدي الآخر الذي يعوق العلاقات الثنائية بينهما، هو الاختلاف في الثقافة السياسية، فضلا عن الاختلافات في النهج السياسي لكيفية التعامل مع التحديات العالمية الراهنة، بما في ذلك أزمة الهجرة. فبينما تميل برلين لدعم المهاجرين السوريين وتقدم لهم المأوى، ينتقد الكرملين هذه السياسة، ويحذر من الآثار الخطيرة لهذه السياسة: خطر الهجمات الإرهابية يأتي من الجهاديين الذين يصلون أوروبا متنكرين في زي اللاجئين.
وبدورها، تنتقد ألمانيا دائما ما تعتبره نهج الكرملين القمعي في تعامله مع المعارضة الليبرالية في روسيا وانتهاكه لحقوق الإنسان.
لذلك، طالما أن روسيا وألمانيا لا تنظران بعين سياسية واحدة، من الصعب أن يكون هناك قفزات نوعية في تحسين العلاقات بينهما.
russian direct