عودوا إلى بلادكم!
تملك الولايات المتحدة قواعد عسكرية خارج بلادها أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وتنتشر 800 قاعدة أميركية في 70 بلداً من بلدان العالم. ويبلغ مجموع تلك القوات 150 ألف جندي بينهم 49 ألف جندي في اليابان، و28 ألف جندي في كوريا الجنوبية، و38 ألف جندي في ألمانيا. وتبلغ تكاليف تلك القوات أكثر من 100 مليار دولار سنوياً. وكان السبب في مرابطة تلك القوات في القرن العشرين يتمثل بمواجهة الخطر الذي كان يمثله الاتحاد السوفياتي. أما السبب وراء نشر الكثير من القوات في الوقت الحالي فيعود إلى حروب الشرق الأوسط التي بدأت العام 1990. وقد اكتسبت بعض البلدان أهمية استراتيجية كبرى، منها تركيا والبحرين. كما تمثل القوة البحرية للصين تحدياً لقوة الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي وفي المحيط الهادئ.
تملك الولايات المتحدة 85 موقعاً عسكرياً في اليابان. وقد استمدت تلك القواعد شرعيتها من الاحتلال الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية. وتنتشر تلك القوات في معظم الجزر اليابانية. لكن القاعدة الأكبر تقع في جزيرة أوكيناوا. وقد استمر الاحتلال الأميركي المباشر لليابان حتى العام 1972. ويتركز الوجود العسكري الأميركي في أوكيناوا فقط، بينما لم يعد موجوداً في مناطق اليابان الأخرى. وتستمر التظاهرات في اليابان ضد الوجود العسكري الأميركي. وقد حصلت أكبر التظاهرات في العام 1995، بينما قامت آخرها في حزيران من العام الحالي.
ويثير الوجود الأميركي في ألمانيا بعض الحساسيات بدوره. وقد بلغ ذلك الوجود ذروته زمن الحرب الباردة. وهو لم يقتصر فقط على القواعد العسكرية، بل شمل أيضاً مدارس ومستشفيات ومجمعات رياضية ومراكز تسوق. وقد احتج بعض سكان المناطق التي ضمت منشآت عسكرية على الإزعاج الذي تسببه المناورات العسكرية. وقد بلغت تلك الاحتجاجات ذروتها في أواخر الثمانينيات، خاصة في ما يتعلق بالأسلحة النووية التي تخرنها أميركا في ألمانيا. كما خطفت بعض المنظمات اليسارية المتطرفة أعداداً من الجنود الأميركيين.
لا يثير الوجود العسكري الأميركي حساسيات في اليابان وألمانيا فقط، بل في تركيا أيضاً. وقد بدأ الأميركيون نشاطهم العسكري هناك منذ العام 1946. ومهد ذلك لانضمام تركيا إلى حلف «الناتو» في العام 1952. وكان الجنود الأميركيون يقضون إجازاتهم في إسطنبول وإزمير. وفي نهاية ستينيات القرن الماضي انتشرت لافتات «عودوا إلى بلادكم» في تركيا. وقامت منظمات يسارية متطرفة باختطاف جنود أميركيين.
والوجود العسكري الأميركي في تركيا لا يرقى إلى المستوى الذي بلغه في اليابان. وقد بلغ الاحتجاج ذروته في العام 2003 عندما قامت أميركا بغزو العراق. وبعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في تركيا في 15 تموز من العام الحالي، أضحى الوجود العسكري الأميركي مبعث عدم رضى واسع. وقد تم إغلاق «قاعدة أنجرليك» لفترة قصيرة بعد الانقلاب، وانتشرت مقولة المؤامرة الأميركية على تركيا على نطاق واسع. وتمثل «قاعدة أنجرليك» لأميركا موقعاً مهماً بالنسبة لاستراتيجيتها العسكرية. ومصير تلك القاعدة مرتبط بنتائج الحروب المستمرة في منطقة الشرق الأوسط.
"السفير"