تطبيع مصري ـ إسرائيلي باسم فلسطين؟
ما كنا بحاجة لمعرفة أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قد تابع المباراة النهائية لليورو 2016 في منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقاء «تخلّله تناول الطعام» في القدس المحتلة (في شرعنة مجّانية لمقولة أورشليم عاصمة إسرائيل) حتى نعرف أن حرارة العلاقات المصرية الإسرائيلية ارتفعت فجأة وأن التطبيع الذي كان رسميّاً وبارداً دائماً بين الشعب والسلطات المصرية مع تل أبيب دخل مرحلة «حميمية»، على حد وصف الإسرائيليين له.
الزيارة هي الأولى بعد آخر لقاء لوزير خارجيّة مصري منذ عام 2007، ومفيد أن نتذكر أن ذلك اللقاء السابق وقتها ضمّ وزيرة الخارجية الإسرائيلية «الشهيرة» تسيبي ليفني، والمصري أحمد أبو الغيط (الذي كوفئ، على ما يبدو، على تاريخه المشرّف بتعيينه أمينا عامّا للجامعة العربية) والأردني عبد الله الخطيب.
عودة الدفء إلى مسار التطبيع تعني أن تغيّراً سياسيّاً مهمّاً قد طرأ بعد استلام الفريق عبد الفتاح السيسي للسلطة في القاهرة (أو قبل استلامه حسب آفي ديختر، رئيس الشاباك السابق، الذي قال عام 2015 إن إسرائيل أنفقت أموالا لإنهاء حكم الإخوان)، وقد أخذ هذا الدفء وقته ليتبلور ويتضح في أحداث ذات مغزى، أهمّها بالطبع هو الموقف من الحركات الإسلاميّة: الإخوان المسلمون، الذين أعلنتهم القاهرة جماعة إرهابيّة، وحركة «حماس» في غزّة والضفة (والتي تعتبرها تل أبيب إرهابيّة كذلك)، وصولاً إلى الحركة الإسلامية لفلسطينيي الداخل التي تمّ اعتبارها «خارجة عن القانون» أواخر العام الماضي.
على الأرض قام الطرفان بموجبات العلاقة القديمة المستجدّة، فضمنت القاهرة لإسرائيل وقف عمليات تهريب مواد البناء والدواء والغذاء إلى غزة بتهجيرها سكان رفح ونصبها أسوار الاسمنت وخنادق الماء، وردّت تل أبيب الهديّة بأحسن منها باستخدام طائرات «الدرون» من دون طيّار لقصف عناصر الحركات الجهاديّة في سيناء.
ولكن ما هو معنى استضافة محادثات «لبناء الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتشكيل طاقم عمل رباعي يضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن» ضمن ما يجري فعليّاً بين تل أبيب والقاهرة؟
الإسرائيليون تحدثوا عن إمكانية تدخل مصر لدى حركة «حماس» لإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين (أو رفاتهما) والإسرائيليين الآخرين الموجودين في قبضة «حماس»، وعن ترتيبات لزيارة قريبة لنتنياهو إلى مصر للقاء السيسي، أما الفلسطينيون فقد استمع رئيسهم محمود عباس لشروح من شكري!
السلطات الفلسطينية لم تعلن موافقتها على لقاء مجّاني مع إسرائيل تحت المظلة المصرية (والأردنية)، وإذا جرى ذلك، فسيحصل، مجاملة للوزن المصريّ في المعادلة الفلسطينية أكثر منه ناتجاً عن اقتناع بإمكانية تحقيق تقدّم حقيقي يخفّف من وطأة الاحتلال الإسرائيلي.
الواضح من حركات سياسيي تل أبيب والقاهرة أن المطلوب هو أن تبذل الأوراق الفلسطينية، للاستخدام النفعيّ المصريّ ولتحقيق أهداف إسرائيلية مباشرة: الأسرى لدى «حماس» وتصعيد «التحالف» الإسرائيلي مع مصر.
الأضرار المتوقعة من هذه «المبادرة» تتضمّن إفشال المبادرة الفرنسية لكونها تملك عناصر ضغط على إسرائيل (الاتحاد الأوروبي)، وفي إفشال هذه المبادرة إضعاف واضح للسلطة الفلسطينية في رام الله.
مطلوب القاهرة أيضا هو تطويق المبادرة التركيّة لإجراء تسهيلات لصالح غزة ولفتح ميناء فيها، وبذلك تحقّق القاهرة هدفين، الأول تحجيم النفوذ التركيّ في غزّة، والثاني التضييق على حركة «حماس».
وفي الحالتين فإن الحاصل هو مناورة إسرائيلية ـ مصرية مشتركة، والخسارة الفلسطينية الناتجة عن دعمها ستكون أكبر من فائدتها بكثير.
جريدة "القدس العربي"