سيجارة الخلاص من "داعش"
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمجموعة من الصور الملتقطة في مدينة منبج شمال شرق حلب بعد سيطرة «الوحدات الكردية» على المدينة التي كانت خاضعة لتنظيم «داعش». تحمل جميع الصور الملتقطة في المدينة طابعًا تمرديًا على سلطة التنظيم الإرهابي. نساء يحرقن ملابسهنّ السوداء، أخريات يكشفن عن وجوههن بعد أن أجبرهن التنظيم على ارتداء النقاب منذ أكثر من عامين ونصف عام، ورجالٌ يقصّون لحاهم.
تثير الصور الآتية من منبج مشاعر عدة، يطغى عليها طابع الفرح بالنصر للحرية، وتترك أثرًا كبيرًا في نفس المتلقي، لتأتي بجملتها تحت عنوان عريض: «نصر على الإرهاب». تبرز المرأة في الصور بأشكال عدة، ففي إحدى الصور تظهر سيدة منقبة تعانق أخرى ترتدي الزي العسكري، وفي صورة أخرى تظهر فتاة رفعت النقاب عن وجهها مشرعة سيجارتها.
أخذت صورة السيجارة المشرعة الحيّز الأكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما وزعتها وكالة «رويترز» للأنباء. التقط الصورة المصور السوري ـ الكردي رودي سعيد، الذي يرافق «الوحدات»، أو «قوات سوريا الديموقراطية» في معاركها في منبج.
تشكّل الصورة حلقة جديدة ضمن سلسلة إعلامية محكمة تتبعها «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة أميركيًا في نهجها الإعلامي. قبل نحو عام وشهرين انتشرت صورة لسيدة تخلع عباءتها السوداء ليظهر فستانها المزركش بالألوان بعد خروجها من مناطق سيطرة «داعش» حينها في منطقة عين العرب ووصولها إلى منطقة سيطرة الأكراد.
الصور الجديدة، سواء كانت عفوية أو مفتعلة، وفق بعض الاتهامات التي راجت خلال اليومين الماضيين من مناهضي «الوحدات الكردية»، إلا أنها نجحت في استثمار لحظة الانتصار. حوّلت الصور الأنظار عن سلسلة مجازر تسببت بها طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ذهب ضحيتها أكثر من مئتي مدني في يوم واحد، كما استطاعت إشغال العالم عن الدمار الكبير في منبج، حالها كحال عين العرب سابقًا.
يشكّل الانحياز الأعمى بين آلية تغطية المعارك التي تخص أميركا، وتلك التي تخص روسيا ضمن الحرب السورية جزءًا من حربٍ متكاملة يمثل المواطن السوري وقودها وأدواتها، ليبقى وحده الخاسر الأكبر.
تلك الصبية التي عبرت عن سعادتها بسيجارة مشرعة، وحرّكت بابتسامتها العفوية مشاعر الفرحين بخلاصها من إرهاب «داعش»، لا تعرف ربما أنها تحولت إلى سلعة في المزادات السياسية. ستنسى تلك الصبية بعد فترة كما نسيت من قبلها صاحبة الفستان الملون، كذلك ستنسى المجازر وحجم الدمار في منبج. وحده أثر الصورة باقٍ، ومكاسبها السياسية أيضًا.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"