إسرائيل وتركيا وإيران تنضم إلى صراع النفوذ في أفريقيا
باتت تركيا لاعبا مهما في الصومال، وبدأت الإمارات بمحاولة التأثير في الانتخابات هناك بدعم المعارضة، كما أن دول الشرق الأوسط الإقليمية بدأت بالتنافس على بناء علاقات مع أثيوبيا والسودان وكينيا.
بدأت موجات من الزوار الكبار، تتدفق إلى مطار العاصمة الكينية نيروبي، والذين يسبب حضورهم نوعا من الضيق لحركة السكان، إلا أن البعض يرى بوصول الزوار الكبار علامة على الأهمية، ويقول الصحافي والناشر تشارلز أونيانغو أوبو: "طبعا يشعر الناس بالضيق، لكن البعض يرحب بهم؛ لأنهم علامة على عودتنا إلى مركز الاهتمام".
ومعظم الزوار كانوا في الماضي من الولايات المتحدة والصين، اللتين تؤديان دورا في المنطقة، إلا ان الفترة الأخيرة شهدت زوارا من الشرق الأوسط، حيث تعبر زياراتهم عن تحول في اللعبة القديمة، التي تتنافس فيها القوى على التجارة، والمصادر، والدعم العسكري في هذه المنطقة الحساسة من العالم، إذ استقبلت نيروبي على مدى خمسة أسابيع من حزيران/ يونيو إلى تموز/ يوليو وزراء إيرانيين، ووفدا من دول الخليج، ومسؤولين من تركيا وإسرائيل، وشهدت دول أخرى في شرق أفريقيا الاهتمام ذاته من القادة الكبار.
ويحاول المحللون فهم الأثر الذي ستتركه هذه الموجة الجديدة من اهتمام دول الشرق الأوسط على المنطقة، ومن الواضح أنها ستؤثر في السياسة والدبلوماسية المحلية، فهي تقوم بإعادة تشكيل التحالفات، وبناء أشكال جديدة منها، محددة بالتنافس الجيوسياسي، والنزاعات التي تجري في مناطق بعيدة، حيث إن هذه التحالفات لديها إمكانية للتأثير في أجندة الدول الغربية.
ويقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي في "تشاتام هاوس" في لندن، أحمد سليمان: "هناك ملمح مهم من الانخراط".
التحول نحو أفريقيا ناتج عن عدة عوامل، من ضمنها مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، والنزاع في اليمن، اللذين دفعا الدول العربية للبحث عن طرق للتعاون، من خلال التجارة والثقافة أبعد من التحالف في جوارها الطبيعي، كما أسهم النزاع السني الشيعي، والضغوط الاقتصادية على بعض الدول، بالإضافة إلى ظهور قيادات راغبة بترك ميراث وأثر في توجهات هذه الدول نحو مناطق جديدة مثل أفريقيا.
هذه الدول تستفيد من حذر الصين التي سيطرت على المجال الأفريقي، وانشغالات الولايات المتحدة، وعدم قدرة الأمم المتحدة على تغطية أفريقيا، بالإضافة إلى ضعف الاتحاد الأوروبي. هذا الوضع فتح المجال امام استثمار الدول القادمة لأفريقيا في مزارع البطيخ وتطوير الموانئ، وبحسب الممثل الخاص في القرن الأفريقي ألكسندر رودوس فإنها "قررت تأمين مصالحها في القرن الأفريقي؛ لأنها واجهت نزاعاتها الخاصة".
وتعد تركيا لاعبا رئيسا في هذه الجهود، التي يقودها شخصيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وركز على الصومال التي زارها ثلاث مرات، حيث حصلت تركيا على منافع من خلال إقامة علاقات مع المسؤولين الصوماليين، وعقودا لشركاتها، وتعاونا في إغلاق المؤسسات التابعة لرجل الدين فتح الله غولن، المتهم بتنفيذ انقلاب 15 تموز/ يوليو الفاشل.
ويرى سنان أولغين من مركز "كارنيغي" في أوروبا أن أهداف تركيا عظيمة في الصومال، ويقول إنها "تريد الظهور بمظهر المدافع عن المسلمين المضطهدين، وأصبحت تركيا إحدى أكبر الدول المساهمة في الإغاثة الإنسانية في العالم، وهو عمل جيد، وما تم تحقيقه في الصومال لا يبقى داخل حدودها"، ويضيف أن هناك تنافسا، حيث تقوم الإمارات بمحاولة التأثير في شرق أفريقيا، وفي الوقت الذي تدعم فيه تركيا تحالفا من الحزب الحاكم في انتخابات الصومال القادمة، فإن الإمارات تفضل دعم المعارضة.
ويقول مراقب غربي للشؤون الصومالية في نيروبي: "ستكون الدول الشرق أوسطية هي الأكثر تأثيرا في الانتخابات الصومالية، لا الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا".
وفي تطور آخر، تقوم الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في إرتيريا، وهو ما قد يؤدي إلى دمج النظام القمعي في أسمرة مع المجتمع الدولي، بالإضافة إلى أن السعودية في ظل قيادة الملك سلمان، تحاول الحصول على تعاون مع عدد من الدول الأفريقية لدعم حملتها ضد الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، وكل من الصومال والسودان تخلتا عن تحالفهما مع إيران، مقابل علاقات قوية مع السعودية، حيث حظيت الصومال بمساعدات بقيمة 50 مليون دولار بعد ساعات من قرارها، وبالقدر ذاته ربما حصل السودان على دعم بالمليارات لقاء تعاونه، وهي أموال مهمة في ظل الحصار المفروض عليه.
ويقول سليمان: "ما نراه هو تحول في أولويات الدول الخليجية، وهناك سياق تاريخي للعلاقة، وينظر للمنطقة على أنها جزء مهم (خارجي قريب) ومجال مهم للتأثير"، ويلعب رجال الأعمال السعوديون دورا مهما في التعاون التجاري مع إثيوبيا، وهي القوة الاقتصادية في أفريقيا، فيما زاد عدد الطلاب الأثيوبيين في السعودية في السنوات الأخيرة، وهناك تعاون ديني، وبناء مساجد ومدارس.
كما يقول رودوس: "قامت السعودية ودول الخليج بتطوير علاقات قوية مع السودان والصومال وأرتيريا، وهو ما أدى إلى ردة فعل من القوى الإقليمية، مثل أثيوبيا وكينيا، التي ترى فيه تحولا نحو الخليج، وخسارة لتأثيرهما النسبي، وزيادة في التهديد الوهابي في المنطقة".
كما أن إسرائيل تعد من أهم اللاعبين الجدد، حيث زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عددا من الدول الأفريقية، وترى إسرائيل في هذه الدول مصدرا للدعم في الأمم المتحدة، إذ ذكرت صحيفة "هآرتس" أن إسرائيل تقوم بمحاولات لإقناع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتحسين علاقاتها مع السودان، بعد تخليها عن التحالف مع إيران.
هذه التحولات لا تقلل من أهمية الدور الذي تؤديه القوتان التقليديتان في القارة الأفريقية، وهما الصين والولايات المتحدة، ويعلق أونيانغو – أوبو قائلا: "منذ عشرة أعوام وأنا أمر يوميا بسيارتي من جانب السفارة الأمريكية في طريقي إلى العمل، ولم تقصر الطوابير أمامها (للحصول على التأشيرة)، وحتى يحصل الأمر ذاته مع بقية الدول، فلن يربحوا".
جيسون بيرك - "غارديان- ذا أبسيرفر"