شبح موسكو في الانتخابات الأمريكية
يلفت المراقبون في موسكو إلى ان روسيا احتلت في الأسابيع الأخيرة، وبصورة مفاجئة مكانا مركزيا في الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة. وفي بداية الأمر انتقد الديمقراطيون ترامب لتعاطفه مع فلاديمير بوتين. وبعد هجوم «الهاكر»على ملقمات كومبيوترات اللجنة الوطنية للحزب، راحوا يفتشون عن «أصابع روسيا» في الانتخابات. وتذكروا ان مستشار ترامب بول مانافورت، قدم استشارات للرئيس الاوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، وان ترامب نفسه زار روسيا وتحدث بود عن الرئيس بوتين. حتى ان الرئيس أوباما أعلن ان روسيا ستحاول التأثير على سير الانتخابات الأمريكية.
ورد معسكر ترامب على الديمقراطيين بالاسلوب نفسه، لافتا إلى علاقات مدراء الحملة الانتخابية لكلينتون – بعائلة بوديستا – وصندوق كلينتون نفسها مع الشركات الروسية، بما في ذلك في قطاع الدفاع. وتداولت وسائل الإعلام الموضوع الروسي بدافع السعي للتضليل على احتيالات إدارة مؤتمر الديمقراطيين وبالنتيجة راحوا على سبيل المزاح يكتبون في الصحافة ان "هيلارى كلينتون تتسابق في الانتخابات مع الرئيس فلاديمير بوتين".
لقد خيم "جنون ارتياب" متبادل نادر على العلاقات الروسية الأمريكية. فظهر ان الولايات المتحدة غارقة أيضا في عصاب الأثر الروسي، مثل موسكو التي تبحث عن أصابع واشنطن وراء كافة الثورات الملونة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وكان من الصعب على المرء ان يتصور ان الارتياب سيصيب الولايات المتحدة، بيد اننا نشاهده اليوم من خلال البث التلفزيوني الحي.
ويعتقد اندريه سوشينتسوف مدير وكالة السياسة الخارجية في موسكو: ان الاهتمام المضخم بروسيا في سياق الانتخابات ناجم عن شعور نادر لدى الولايات المتحدة بعدم الثقة بالنفس. والسبب، فيما يرى، ليس بتدخل موسكو الحقيقي أو الوهمي في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، وانما هو ناتج عن عدم فهم المؤسسة السياسية الأمريكية سبب المعارضة الشعبية واستعداد الناس للتصويت لصالح ترامب. فالولايات المتحدة، كما يرى الخبير الروسي، تشهد أعمق انقسام للمجتمع في العقود الأخيرة. ولايفهم الديمقراطيون، ويرفضون أنصار ترامب، ويعتبرونهم عنصريين، وطائفيين وغيراسوياء ويعانون من الخوف الوهمي. واصبحت اوساط النخب المثقفة الأمريكية تندد اجتماعيا بدعم ترامب.
وهناك مؤشرات على ان بعض الدوائر السياسية وممثلي الرأي العام وبعض المحللين في روسيا يراهنون على دونالد ترامب. وهذا الرهان ليس بجديد على التفكير السياسي الروسي، فتقليديا كانت موسكو في عهد الاتحاد السوفياتي تفضل فوز مرشح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية رغم الهوة الايديولوجية معهم، لأنها انطلقت من كونهم اكثر وضوحا وثباتا في منطلقاتهم السياسية، والأهم لا يتدخلون في الشأن الداخلي السوفياتي بذريعة الدفاع عن حقوق الانسان وحرية المعتقد…. ويرى محللون في موسكو اليوم ان ترامب، وفي حال انتخابه رئيسا، سيعثر على سبل بناء علاقات اكثر بناءة مع روسيا، على الرغم من القناعة السائدة بان كلينتون تمتلك حظوظا اوفر لتصبح أول امرأة رئيسة للولايات المتحدة.
واذا ما راجعنا خطاب كلا المرشحين حيال روسيا، فاننا سنرصد ان خطاب كلينتون أكثر حدة وقساوة في تقييماتها لسياسة روسيا الداخلية والخارجية.
واكد ترامب مرارا في خطبه الانتخابية انه لا يعتزم اتخاذ موقف عدائي من روسيا بل على العكس ينوي نزع فتيل التوتر في العلاقة بين البلدين. ورحب بالعملية العسكرية التي اطلقها بوتين في سوريا: "لندعهم يحاربون الدولة الاسلامية، فهذا افضل للولايات المتحدة وما يتردد عن ان روسيا تقتل الصحافيين والساسة فان امريكا نفسها قتلت الكثيرين، فضلا عن عدم وجود براهين على تورط بوتين بها".
ويجد خطاب ترامب في الدوائر الروسية، ان لم تكن حماسة وابتهاجا فعلى الاقل موافقة. وخاصة رؤيته من ان الولايات المتحدة تتحمل اعباء باهظة في ما تسميه الادارة الأمريكية بدعمها للنظام الدولي ومن الافضل لها ان تنشئ البنى التحتية وتصلح الطرقات في البيت الامريكي، على ان تقوم بتمويل القواعد العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية التي لا يريد الشركاء تمويلها ودعهم بالتالي يدافعون عن انفسهم بانفسهم من كوريا الشمالية، ودع المانيا وغيرها من الدول الاوربية تتكفل باوكرانيا، فالحرب على تخومهم، وينبغي التعاون مع روسيا لتقليل النفقات الأمريكية. هكذا تحدث ترامب.
وتنتظر موسكو ان يعطي الرئيس الامريكي دفعة للعلاقات الأمريكية الروسية، ولكن هناك قواعد ومنطلقات مؤسساتية للسياسة الخارجية الأمريكية تتيح للرئيس هامشا غير واسع للانعطاف بها.ولكن لا احد يعرف اية سياسة خارجية سينتهجها كان ترامب او كلينتون تجاه روسيا بعد تولي احدهما منصب الرئاسة. ولكنهما مشغولان حاليا اكثر في استخدام الورقة الروسية كل على وفق استراتيجته الانتخابية.
"القدس العربي"