روسيا والناتو.. عودة نموذج الحرب الباردة إلى الواجهة
برز التوتر مؤخرا في العلاقات بين روسيا ودول الغرب، ممثلة بكتلة حلف شمال الأطلسي، الذي بدأ مؤخرا حملة توسعية تستهدف التضييق على روسيا، ووضعها تحت التهديد، ونزع قدراتها النووية. الأمر الذي يتضح باتفاقات الحلف مع دول شمال أوروبا السويد وفنلندا، وإجراء مناورات عسكرية موسعة، تحاكي توجيه ضربة إلى عدو محتمل (روسيا)، وفتح قاعدة عسكرية في رومانيا، والتهيئة لإنشاء قاعدة أخرى في بولندا، على مسافة بسيطة من إقليم كالينينغراد الروسي.
وفي مقابلة أجراها معه موقع "راشان دايركت"، يشرح سفير روسيا لدى حلف شمال الاطلسي الكسندر غروشكو، لماذا ينبغي لنا أن نتوقع تدهورا إضافيا في العلاقات بين روسيا وحلف شمال الاطلسي، ما ينذر بحرب باردة جديدة.
في اواخر ابريل/نيسان، عقد اجتماع لمجلس (روسيا-الناتو) في بروكسل للمرة الأولى منذ أن علق الناتو العلاقات مع روسيا في أعقاب أزمة أوكرانيا في عام 2014. في أواخر الأسبوع الماضي، تمت مناقشة العلاقات مع روسيا مرة أخرى في اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الاطلسي. وعلاوة على ذلك، سيتم النظر في تحركات جديدة في قمة حلف شمال الاطلسي في وارسو في أوائل يوليو/تموز.
مجتمعة، سوف تظهر هذه التحركات وكأنها تشير إلى أن روسيا والناتو يحاولان إيجاد أرضية مشتركة في مستقبل الأمن الأوروبي. ولكن المشكلة هي أن التدابير السياسية التي اتخذها الجانبان خلال العامين الماضيين أدت إلى تصلب المواقف من كلا الجانبين، وزيادة خطر المواجهة العسكرية.
في المقابلة أدناه، يناقش الممثل الدائم لروسيا لدى حلف شمال الأطلسي، السفير الكسندر غروشكو، مخاطر الوضع الراهن في العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ويقترح عدة سبل لتحسينها في المستقبل.
ما هي النتائج المترتبة على الاجتماع الأول لمجلس روسيا-الناتو بعد هذا الانقطاع الطويل؟
لا أريد أن أبالغ في تقدير نتائج هذا الاجتماع وإعطاء توقعات على المدى الطويل. كان من المفيد أن نلتقي ونتحدث. لم يكن هناك مثل هذا الاجتماع لمدة سنتين تقريبا. لقد كانت فرصة جيدة لمناقشة المشاكل الأساسية للأمن الأوروبي. لذلك، فهو عامل إيجابي بحد ذاته.
هل من الصحيح القول أنه، من الناحية العملية، لا شيء سيتبع هذا الاجتماع - اجتماع وتصريحات ولم يتم تحقيق أي تقدم، وهذا كل شيء؟
المشكلة الرئيسية اليوم ليست ما إذا كانت الاجتماعات تتم أو لا، ولكن المشكلة أن حلف شمال الاطلسي قد علق جميع أشكال التعاون مع روسيا. كنا نعمل معا في مجموعة واسعة من المشاريع التي عززت من حيث القيمة الحقيقية أمن الدول المشاركة.
اليوم ليس لدينا أجندة إيجابية، وأنا لا أرى أن الناتو سوف يكون على استعداد لإعادة النظر في سياسته الحالية.
ومع ذلك، في اجتماع مجلس روسيا-الناتو رأينا علامات الأسف أنه نتيجة لقرارات منظمة حلف شمال الأطلسي لا يمكننا مواصلة تعاوننا في أفغانستان، حيث يزداد الوضع سوءا بشكل واضح. ونحن لا يمكن أن نقوم بتعاون عادي في مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، التي شكلت عنصرا أساسيا لأنشطة مجلس روسيا-الناتو قبل الأزمة. نحن تعاون أيضا على مكافحة القرصنة. والكثير من القضايا. ولكن الوضع اليوم لا يسمح لنا بأن نكون متفائلين أكثر من اللازم.
العلاقات بين روسيا وحلف شمال الاطلسي اليوم - هل هناك نوع من الاستقرار في المواجهة أو زيادة في المواجهة؟ أم أنك ترى بعض الاتجاهات الأخرى؟ إذا لم يكن هناك تفاؤل في الوقت الحاضر، فما هو المستقبل الذي تراه هنا؟
يبدو أن الاتجاه نحو تدهور العلاقات لم يصل بعد إلى القاع. ما لاحظناه من اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الاطلسي الاسبوع الماضي أنه، على الرغم من دعوة الحلف للحوار السياسي، تواصل منظمة حلف شمال الأطلسي سياسة الردع في مواجهة روسيا على أساس مخططات الحرب الباردة. أنا لا أريد أن أقول أننا في حالة حرب باردة مع منظمة حلف شمال الأطلسي، ولكن حلف شمال الاطلسي يعمل في مجال أمنه على أساس أساليب الحرب الباردة. وبالطبع هذا يثير القلق، لأننا نرى ليس فقط قرارات سياسية، ولكن أيضا نرى إجراءات عسكرية. يجري تحويل السياسة إلى تخطيط عسكري وتقني، والتدابير التي تتخذها الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين اليوم هي إعادة انتاج نموذج المواجهة. هذا النموذج، بدوره، سيؤثر على السياسة المستقبلية.
الحدث الأخير هنا هو افتتاح قاعدة للدفاع الصاروخي في رومانيا، الذي ترافق مع بيانات بخصوص منطقة البحر الأسود. ما هو جوهر الخلاف على البحر الأسود؟
كانت منطقة البحر الأسود دائما منطقة فريدة من نوعها للتعاون. اذا نظرتم الى سياسة روسيا في المنطقة، سترون أنها كانت تهدف إلى تعزيز الترابط، والعمل في أشكال مختلفة للتعاون، وزيادة دور الدول المطلة على البحر الأسود في حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية وقضايا النقل. ساهمت روسيا بشكل كبير في تنظيم التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود، وساعدتها في تأسيس قاعدة هامة وزيادة وزنها السياسي. أصبح البحر الأسود لأول مرة ميدانا لتدابير بناء الثقة البحرية.
من وجهة نظري، اليوم الناتو يحاول تطبيق خطط مواجهة بالنسبة للمنطقة البحرية على البحر الأسود أيضا. وقال الرئيس أردوغان مؤخرا إنه ينبغي ألا يسمح للبحر الأسود بأن يتحول إلى "بحيرة روسية". ولكن أعتقد أن الناتو يدرك أن البحر الأسود لن يتحول أبدا إلى "بحيرة الناتو" أيضا. سنتخذ كل التدابير اللازمة لتحييد التهديدات المحتملة ومحاولة ممارسة الضغط العسكري على روسيا من الجنوب.
وأود أن أضيف أن أسطول البحر الأسود الروسي مندمج بشكل وثيق في الجهود الدولية لتحقيق استقرار الوضع في منطقة البحر المتوسط وجنوبه. وقامت سفن أسطول البحر الأسود بشكل جزئي في عملية مكافحة القرصنة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. حتى أنهم شاركوا في مساعي تفعيل عملية مكافحة الإرهاب التي يقوم بها حلف الناتو. والآن أوقف الناتو هذا التعاون.
في الوضع الحالي من زيادة التوتر، بما في ذلك الحدث الهام في الآونة الأخيرة عندما أبعدت الطائرات الحربية الروسية مدمرة أميركية على بعد 70 كيلومترا قبالة ساحل كالينينغراد، هل يمكن الاعتماد على وجود "خطوط ساخنة" وغيرها من التدابير لمنع اندلاع مواجهة عسكرية روسيا أطلسية؟
في العقود الأخيرة أسس المجتمع الدولي والدول الأوروبية، تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا نظاما متقدما للتحكم في الأسلحة، وتدابير منع وقوع حوادث عسكرية غير مقصودة وغيرها من الصكوك، بما في ذلك "خطوط ساخنة" بين القيادات العسكرية. وقد أبرمت روسيا الاتحادية اتفاقات مماثلة مع عدد من دول حلف شمال الاطلسي. وقد تم اختبارها بشكل جيد في العلاقات الروسية-النرويجية، وهي ماتزال تعمل بشكل فعال تماما.
ولكن المشكلة اليوم لا تكمن بحجم كفاية مثل هذه الآليات، ولكن تتجسد في سياسة حلف الناتو نفسه وتراكم قوته العسكرية. أولا توسع حلف شمال الاطلسي قرب حدود روسيا الاتحادية، ثم بدأ في إنشاء البنية التحتية العسكرية وزيادة النشاط العسكري هناك. وليس هناك فرقا كبيرا فيما إذا كان يتم تناوب القوات أو نشرها على أساس دائم. نحن نرى تدريبات عسكرية، وتأسيس بنية تحتية، وبعثات عسكرية مكثفة مثل بعثة شرطة أجواء البلطيق. كل هذا يحول منطقة أوروبا الأهدأ من حيث التهديدات العسكرية التقليدية، إلى مجال للمنافسة العسكرية.
وبطبيعة الحال، من أجل أن نخفف من تصعيد الوضع، يجب أن نعالج هذه المشاكل. ولكن أي حوار من شأنه أن يحمل معنى فقط عندما يتوقف الناتو عن هذه السياسة، عندما تتوقف عملية استعراض العضلات وزيادة القدرات العسكرية على طول حدودنا. عندها فقط ستكون هناك شروط للحوار حول كيفية ضمان الأمن في أوروبا، حيث تتمثل التهديدات الحقيقية ليس من داخل القارة الأوربية، إنما من خارجها (شيء نراه باستمرار اليوم مع أزمة الهجرة، وخطر الإرهاب، وما إلى ذلك).
جودة الأمن في أوروبا سوف تعتمد في نهاية المطاف ليس فقط على الطريقة التي سنتبعها لتقليل التوترات العسكرية بين الناتو وروسيا، ولكن أيضا على كيفية إدارتنا لتنظيم التعاون في مكافحة التهديدات الأمنية المشتركة. هنا يبدو الوضع أكثر تفاؤلا، لأن المصالح البراغماتية لا تزال قائمة، وعلى الرغم من كل محاولات منظمة حلف شمال الأطلسي واستخدامها لكثير من الأدوات لعزل روسيا، إلا أن التعاون حول التحديات الأمنية الرئيسية موجود في صيغ أخرى - اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، والمجموعة الدولية لدعم سوريا، والصيغة النورماندية، وغيرها.
البلدان التي تشارك في مثل هذه الجهود، والتي هي على استعداد للتعاون مع روسيا الاتحادية على أساس جماعي حقيقي، مع الاحترام للمصالح الأمنية المشروعة لدينا، عليها أن تراجع سياسة المنظمات التي تشترك فيها، أعني هنا ليس الناتو فحسب، بل أيضا الاتحاد الأوروبي.
ولكن حجة الغرب هي أن روسيا هي التي لعبت دور المعتدي وبالتالي يجب احتوائها. ماذا تقول عندما يقال لك أن روسيا احتلت شبه جزيرة القرم، ونشرت أسلحة جديدة في منطقة كالينينغراد وهلم جرا؟.
شركائنا يرغبون في فتح صفحة جديدة في التاريخ. في الواقع، رأينا محاولات للاستفادة من الأزمة السياسية في أوكرانيا، والتي يعرف الجميع بوضوح ماهو أصلها، رغبة بعض الدوائر الغربية في جعل أوكرانيا تواجه خيارا جيوسياسيا بين روسيا والغرب، وهذا ما انتهى بانقلاب الجيش.
ولكن تاريخ سياسة الأمن الروسية هو تاريخ من المساهمات في محاولات لبناء الأمن الشامل حقا. وإذا نظرنا إلى الوراء في التاريخ، سوف نرى أن جهود روسيا تتفق مع التغلب على تراث الحرب الباردة. سحبنا جميع قوات الاتحاد السوفياتي السابق من الدول الأوروبية ودول البلطيق الشرقية. وكنا في المقدمة بمحاولات خلق نظام جديد لمراقبة الأسلحة وتمكنا من الاتفاق على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا. في عام 1999، تم التوقيع على اتفاق "التكيف"، صادقت عليه روسيا في عام 2004، لكن دول حلف شمال الاطلسي فشلت في التصديق علبه تحت ذريعة مصطنعة وبالتالي تدمير قاعدة مادية هامة للأمن الأوروبي.
ينبغي أن ننظر إلى العمليات اليوم في ضوء المصالح الجيوسياسية لبعض البلدان. ومثل هذا التحليل يقودنا إلى فهم حقيقة أنه تم استخدام الأزمة في أوكرانيا كذريعة لتغيير جذري في سياسة الناتو وللحشد العسكري. أنا لا أريد أن أخوض في نظريات المؤامرة، ولكن تحليلنا يقول أنه في ظل الظروف الأمنية الحالية، الناتو يشعر بعدم الارتياح دون وجود خصم رئيسي.
أدت العمليات العسكرية للناتو بعد الحرب الباردة إلى نتائج سلبية. في البلقان وفي ليبيا كانت كارثية. وقامت دول حلف شمال الاطلسي بالمشاركة في تدمير مؤسسات الدولة العراقية. ما نراه اليوم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مانراه الآن هو مساحات واسعة من الأراضي غير الخاضعة للرقابة حيث تتواجد أنواع مختلفة من الإرهابيين والمتطرفين.
وهذا يعتبر نتيجة لتدخلات حلف الناتو. تم نشر قوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان لمدة 12 عاما، ولكن النتائج تثير الكثير من الأسئلة، وهناك مخاوف جدية حول القدرة على ضمان الاستقرار هناك. ومن الواضح أن هناك اتجاها سلبيا (يتزايد عدد المحافظات التي تسيطر عليها طالبان، ويتعزز نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام") . بالنسبة لنا هذا خطر أمني واضح، لأن الإرهابيين والمتطرفين المتسللين إلى المحافظات الشمالية من أفغانستان، يخلقون تهديدا مباشرا لتحالف منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
حتى قبل الأزمة في أوكرانيا، شكك خبراء غربيون بقدرة حلف الناتو على البقاء وثيق الصلة في الوضع الأمني الحديث. واليوم نرى أن صورة "العدو" يتم استخدامها في حل المشكلات الجيوسياسية الأخرى (عودة حلف شمال الاطلسي إلى مركز السياسة العالمية، في محاولة لإثبات أنه ليس هناك أي وسيلة لضمان أمن الآخرين إلا من خلال تعزيز الروابط عبر الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة)، ولذلك، هناك حاجة إلى خصم كبير.
قبل عدة أشهر نشرت طبعة محدثة من استراتيجية مسرح القيادة الامريكية الاوروبية وتم تدريسها لدبلوماسيين. وتقول بوضوح أن مهمة القيادة تتمثل في تعزيز مصالح الولايات المتحدة من "غرينلاند إلى بحر قزوين ومن المحيط المتجمد الشمالي إلى بلاد الشام". وهنا يطرح نفسه السؤال الجغرافي التالي: أين تقع الولايات المتحدة وأين يقع بحر قزوين؟ وأين يمكن لروسيا أن تعزز مصالحها الوطنية؟ لذلك، عندما يقول أحد ما إن روسيا زادت قوتها العسكرية، فأولا وقبل كل شيء، نحن نفعل ذلك على أرضنا، وأود أن أؤكد لكم، أفعالنا هي بأي حال من الأحوال ليست سرا بالنسبة لنظرائنا.
هل قيادة حلف شمال الاطلسي غبية لدرجة الاعتقاد أن كل شيء يقومون به حاليا على الجناح الشرقي (من إبراز قوة من قبل الطيران على طول حدودنا، وكذلك المدمرات البحرية المزودة بصواريخ كروز على بعد عشرات الكيلومترات من المرافق البحرية الروسية الرئيسية) سيبقى دون رد عسكري؟، أنا لا أعتقد ذلك. أعتقد أننا نرى سياسة واعية لضمان أن الناتو لا يزال ضروريا في البيئة الأمنية الجديدة وكذلك حل مجموعة من المشاكل الأخرى مثل جعل الأوروبيين يدفعون ثمن دفاعهم وشراء الأسلحة الأمريكية.
إذا كان أحد يسمع ما تقوله الآن وما يقوله حلف الاطلسي، تسمع روايتين، وحديثين ليس فيهما تداخل على الإطلاق. ما يجب أن يحدث لتتحول هذه الأحاديث إلى حوار؟ هل هناك أي أساس لهذه الروايات لتحقيق تقارب من بعضها البعض؟
نأمل أن أساس مثل هذا الحوار سينطلق. العلاقات بين روسيا والناتو لها عدة أبعاد. وكنا نأمل أن التعاون الذي أظهرته روسيا على مر الزمن (العبور إلى أفغانستان وغيرها من أشكال الدعم لقوة المساعدة الأمنية الدولية "إيساف"، وتدريب الفنيين في سلاح الجو الأفغاني على الأراضي الروسية، ومشاريع مكافحة الإرهاب) من شأنه أن يترجم إلى قدر أكبر من الثقة. أعتقد أن على حلف شمال الأطلسي أن يفهم أنه بدون أجندة إيجابية، وبدون التعاون على قدم المساواة، فإنه سيكون من الصعب أن نتحدث عن أي اتجاه إيجابي مستقر في العلاقات بين روسيا وحلف شمال الاطلسي.
بالطبع روسيا والناتو سيبقيان على القوات العسكرية الرائدة في المنطقة الأورو-أطلسية. ولكن من المستحيل الاعتماد على تغييرات تجميلية عندما تكون هناك تصدعات في الجدران. وتظهر هذه التشققات بسبب سياسة حلف شمال الاطلسي والتعزيزات العسكرية وتشويه النظام بأكمله من خلال أدوات ما بعد الحرب الباردة، ودعوتنا للعودة إلى الماضي.
أنا لا أريد أن أقول إن هذا يعني أننا ننظر إلى بعضنا البعض من خلال فوهة البندقية، ولكن أن تأخذ في الاعتبار القدرات التي يمكن نشرها بالقرب من حدودنا. وهذا من باب التوازن، لا شيء شخصي. القاعدة الجوية "أماري" في استونيا تبعد عدة دقائق عن سان بطرسبرغ. وأي ضابط عسكري مسؤول سوف يعمل على تحييد أي تهديد محتمل، ومن أجل تجاوز هذا الاتجاه، هناك حاجة ليس إلى جهود سياسية فحسب، بل إلى نبذ هذا التخطيط العسكري.
ماذا يمكن للبلدان الأوروبية أن تفعل هنا؟ والمعروف أن الولايات المتحدة هي الآمر الناهي في حلف شمال الاطلسي؟
الأمر حقا كذلك، الولايات المتحدة هي الآمر الناهي. هي بالطبع لا تحدد القرارات بنسبة 100% في سياسة الحلف، ولكن على الأقل الخطوط الرئيسية لسياسة حلف الناتو والحشد العسكري. يتعين على الدول الأوروبية الغربية أن تتخذ قراراتها على الطريقة التي يريدونها. أنا واثق من أن الناس المنطقيين يفهموا أن الأوضاع الأمنية الأفضل تنطوي على الشراكة الاستراتيجية مع روسيا. نحن نعيش في قارة واحدة، ونحن نرتبط مع بعضنا البعض، ولا أحد يستطيع أن يتجاهل الجغرافيا. العالم يتغير بسرعة. نحن معرضون بنفس الدرجة إلى المخاطر والتهديدات الجديدة، وهذا يتطلب جهودا مشتركة.
ونحن نرى أنه في عدد كبير من الحالات كان لهذه المصالح البراغماتية الأسبقية. أي جهد لعزل روسيا لن يمنع الدول الغربية من النظر لروسيا كشريك في حل المشاكل العالمية الرئيسية.
في هذا السياق، ما الذي سيحدث للقانون التأسيسي بين روسيا وحلف الناتو؟
تظل الوثيقة التأسيسية واحدة من العوامل الرئيسية التي تحفظ الوضع من مزيد من التردي. ونحن نعتقد أن أهميتها لا ينبغي بأي حال من الأحوال الاستهانة بها. هناك قوى سياسية في بعض دول حلف شمال الاطلسي التي ترغب في الاستغناء عنها. كان من الممكن أن يكون هذا تحول خطير جدا لأنه يعني فقدان أوروبا لأمنها. الحد من التسلح ينص على توفير قدر أكبر من الأمن مع وسائل أقل. استبعاد الوثيقة التأسيسية سيكون دعوة مباشرة للدخول في مرحلة جديدة من سباق التسلح. ومثل هذا التطور سيقود إلى زعزعة استقرار الأمن الأوروبي بشكل خطيرـ ويتعارض مع مصالح جميع الأطراف الأوروبية الفاعلة. وقال رئيس روسيا الاتحادية مرارا أننا لا نرغب في ذلك.