نكبة غزة "نعمة" على اقتصاد الهند؟
فيما يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة، فإنّ الكيان الصهيوني يبقى ماضياً بمشاريعه الإقليمية التي تعطيه دوراً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً عبر تأديته دور صلة الوصل بين الهند من جهة وأوروبا من جهة أخرى عبر الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، والتي دخلت بشراكة فيه مع الأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وما يعزّز هذا التوجّه هو حاجة الكيان الصهيوني للالتفاف على البحر الأحمر بسبب الحصار الخانق الذي فرضه اليمن بقيادة جماعة أنصار الله الحوثيين على الملاحة الإسرائيلية عبر باب المندب، ما عزّز النقل عبر الخط الممتد من الهند باتجاه الإمارات العربية المتحدة فالمملكة العربية السعودية فالأردن إلى "إسرائيل".
أهمية الممرّ الهندي الشرق أوسطي الأوروبي
في هذا الإطار تكثّف الهند جهودها لتأهيل موانئها خصوصاً تلك الواقعة على الساحل الغربي للبلاد قبالة السواحل العمانية والإماراتية لتأدية الدور المنوط بها. والجدير ذكره أن الهند التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، وبنتيجة مناداته بإحياء الإرث الهندوسي للهند على حساب الإرث الإسلامي لهذا البلد، اتجهت للتقارب مع "إسرائيل" موقّعة معها ومع الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة اتفاقية لتبادل الخدمات الاستخباراتية تحت مسمّى "أي تو يو تو"، قبل أن تدخل في اتفاقية الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي التي تهدف إلى منافسة وعرقلة مبادرة حزام وطريق الصينية وطريق شمال جنوب الروسية.
ولقد كانت اتفاقية الممر التجاري الافتراضي بين الهند والإمارات العربية المتحدة التي تمّ توقيعها بحضور ولي عهد أبو ظبي الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، واحدة من اتفاقيتين تمّ توقيعهما مع الحليف الخليجي الذي يزداد أهمية في 10 أيلول/سبتمبر 2023. ووفقاً للمسؤولين، فإنّ الاتفاقية هي خطوة حاسمة نحو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وستقلّل من العمليات الإدارية والوقت والخدمات اللوجستية وتكاليف النقل كما ستعزّز سهولة ممارسة الأعمال التجارية.
وستؤدي الموانئ الهندية دوراً محورياً في سعي الهند للتحوّل قوة اقتصادية عظمى وزيادة حجم اقتصادها إلى 5 تريليونات دولار. ويتصوّر المشروع ربطاً بحرياً بين الهند وميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، حيث سينقل خط سكة حديد البضائع إلى ميناء حيفا في "إسرائيل" عبر المملكة العربية السعودية والأردن.
ومن هنا، سيتمّ شحن البضائع مرة أخرى إلى أوروبا عبر الطريق البحري. وتقع الهند، بساحلها الواسع الذي يبلغ طوله نحو 7500 كيلومتر، على الطريق الأوروبي الآسيوي الاستراتيجي. وهي في وضع مثالي لتأدية دور حيوي في شبكة التجارة البحرية العالمية وتوفير إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي والتنمية الكبيرة. ويجري العمل بالفعل على قدم وساق للوصول إلى الأهداف المحدّدة في إطار رؤية الهند البحرية 2030 والعمل نحو رؤية أمريت كال البحرية 2047.
العائد الاقتصادي للهند
ويقول خبراء إن عدد البحّارة الهنود في مجال الشحن العالمي من المتوقّع أن يزيد بنسبة 20 بالمئة خلال العقد المقبل. وبنتيجة اعتماد التجارة العالمية على النقل البحري بنسبة تزيد على 80 بالمئة من مجمل التجارة الدولية فإنه من المتوقّع أن يزدهر دور الموانئ والناقلين الهنود، علماً أن العديد من السفن الكبيرة في العالم تعتمد بشكل كامل على البحّارة الهنود.
ويتوقّع خبراء أنه بحلول عام 2030، ستتمكّن الهند من تنمية قدراتها للتعامل مع حجم يبلغ 100 كرور طن، ويمكنها أيضاً أن تصبح نقطة مركزية في المنطقة من خلال إنشاء سلسلة توريد موثوقة للدول المجاورة. وبحسب تقرير صادر عن شركة ماكينزي آند كومباني، تبلغ قيمة القطاع البحري الهندي حالياً نحو 130 مليار دولار، ومن المتوقّع أن ينمو إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2025، على أن تبلغ حصة صناعة الشحن من هذا القطاع نحو 95 مليار دولار، في حين ستبلغ حصة الموانئ نحو 60 مليار دولار.
وقد أدرجت الهند بالفعل في القائمة البيضاء للمنظمة البحرية الدولية. وتتضمّن القائمة أنظمة الترخيص المناسبة ومراكز التدريب ورقابة الدولة صاحبة العلم ورقابة الدولة صاحبة الميناء في الدول الأعضاء، وتعزّز الطلب الكبير على اللاعبين البحريين الهنود. وخلال العام 2024 تمكّنت الموانئ الرئيسية في الهند من خدمة 818 مليون طن من حركة البضائع، بزيادة قدرها 4.45 في المئة بالمقارنة مع العام 2023 الذي عالجت فيه الموانئ الهندية 784 مليون طن، شكّلت غالبيتها الصادرات والواردات من البضائع الهندية. والجدير ذكره أنّ النقل البحري يشكّل أحد أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً في الهند.
وهو مليء بالتحديات والفرص، حيث تتراوح هذه التحديات من الأهداف الخضراء إلى اللوائح وبعض المواقف غير المستقرة مثل التوترات الجيوسياسية وقضايا سلسلة التوريد.
التنافس مع الصين
والجدير ذكره أنّ الهند تطمح من خلال الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي الحصول على دور ريادي في جنوب آسيا في مواجهة الصين بمباركة أميركية. وعلى الرغم من أنها عضو في منظّمتي شنغهاي وبريكس، إلا أن الهند التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتعصّب، تنظر بعين الريبة إلى الصين خصوصاً في ظلّ تنافسها معها على هضبة التيبت ذات الأهمية الروحية للهندوس. كذلك فهي تخشى من دور صيني مهيمن داخل المنظمتين آنفتي الذكر بحكم نسب النمو الاقتصادية العالية في الصين التي أصبح اقتصادها المقدّر حجمه هذا العام بنحو 19 تريليون دولار ثاني اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي، في مقابل نحو 3 تريليونات دولار للاقتصاد الهندي.
وتنظر الهند بتوجّس إلى الخط البحري الذي تحاول الصين مدّه عبر المحيط الهندي والذي يتجه إلى سريلانكا وسلطنة عمان وجزر موريشيوس نحو جنوب أفريقيا ملتفاً على الهند وموانئها. وما يفاقم من هواجس الهند هو بناء الصين لقواتها البحرية والجوية حيث تطمح بكين لأن تصبح القوة العسكرية الأولى في العالم مع حلول العام 2049 وذلك عبر بناء أسطول كبير من حاملات الطائرات والبوارج الحربية من جهة، وزيادة أعداد طائراتها المقاتلة من جهة أخرى.
وفي تقريرها لعام 2023، أشارت وزارة الدفاع الأميركية إلى أنّ القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي والبحرية لجيش التحرير الشعبي يمتلكان مجتمعين أكثر من 3150 طائرة عاملة، عدا عن طائرات التدريب والطائرات من دون طيار. والجدير ذكره أن الصين تقوم بإنتاج الطائرات المقاتلة بوتائر عالية جداً بمعدل 60 مقاتلة من الجيل الخامس من طراز J-20 سنوياً، على أن ترفع إنتاجها من هذه الطائرات قريباً إلى 100 مقاتلة سنوياً.
في المقابل تنتج الولايات المتحدة نحو 135 مقاتلة من طراز F-35 سنوياً، نصفها تقريباً مخصص لشركائها الاستراتيجيين. يعتقد عدد كبير من الخبراء العسكريين بمن فيهم خبراء أميركيون وهنود أن الصين، وبمعدل إنتاجها الحالي للطائرات المقاتلة ستتمكّن قريباً من التفوّق على القوة الجوية الأميركية.
خلاصة
كلّ هذا يجعل الهند تندفع أكثر لإقامة شراكة مع الولايات المتحدة والدخول في مشاريعها المتعددة، ومن ضمنها مشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي الذي أطلق بالأساس على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في صيف العام 2023 في نيودلهي قبل شهر واحد من اندلاع عملية طوفان الأقصى.
وعدا عن أن هذا الطريق يسعى لعرقلة مبادرة حزام وطريق الصينية وشمال جنوب الروسية، فإنه يسعى لمنح "إسرائيل" دوراً محورياً في منطقة الشرق الأوسط عبر تأديتها دور صلة الوصل بين الهند وأوروبا، بالشراكة مع دول عربية ثانوية مثل الأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على حساب قوى عربية وإسلامية كان لها دور مركزي وريادي في المنطقة مثل مصر وسوريا والعراق وتركيا وإيران.