مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو
في 16 مايو 2016، وقبل مائة عام، تم التوقيع على اتفاقية سايكس بيكو ، والتي أسست لتقسيم الشرق الأوسط. وفقا للمشاركين، وجب أن تظهر دول جديدة وتتغير الحدود بين القوى الإقليمية في ذلك الحين بما يحقق مصالح القوى الإمبريالية على حساب الدولة العثمانية. هذه الحدود الجديدة تطابقت تقريا مع حدود محافظات الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تقع على مقربة من المراكز التاريخية الكبرى كدمشق والقدس وبغداد وبيروت.
هذه الاتفاقية السرية بين فرنسا وبريطانيا تضمنت بعض الأفضليات لروسيا وبعد ذلك انضمت إيطاليا إلى هذا المشروع.
ومع ذلك فقد تغير الوضع خلال الحرب العالمية الأولى، الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية النمساوية المجرية، وألمانيا تركت اللعبة الكبرى، وفي الواقع أعطت الأفضلية للملكة المتحدة وفرنسا. القوة السياسية الجديدة في تركيا، كونها أصبحت دولة علمانية، أعلنت شكوى دبلوماسية وهددت بالقوة. واجهتها السلطات الروسية الجديدة حيث تم إنشاء نظام البلاشفة في القوقاز، وكذلك مجموعة من الدول القومية الجديدة في البلقان التي لا وجود لخبرة لديها في بناء الدولة .
نظريا لم تكن الاتفاقية مفصلة، حيث استلمت روسيا بعض الأقاليم في القوقاز، ولكنها لم تستطع إنشاء منطقة عازلة كبيرة بشكل كاف لحماية أرمينيا (خسرت أرمينيا بعض أراضيها خلال الحرب)، ولكن القسطنطينية والمضيق بقيا تركيان.
ومن هذه اللحظة بدأ التأثير الفرنسي البريطاني في المنطقة، وكلا الدولتان عملتا على السيطرة وحاولتا فرض نظامهما السياسي على الدول التي تحكمانها.
كان نجاح المملكة المتحدة أكثر وضوحا. لعل التلاعب الماهر بالقبائل العربية المحلية التي ساهم لورانس العربي ببراعته وخبرته فيها مكنت بريطانيا من الضغط وتنفيذ مشاريعها الخاصة في عصبة الأمم بإنشاء إمارة شرق الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية.
كما يمكننا أن نرى أن حدود هذه الدول هي حدود مصطنعة، فقد لاحظ ذلك أيضا برنارد لويس من قبل ومعه أتباعه الأمريكيين، مثل رالف بيترز، والذين طرحوا إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقا للمبادئ العرقية.
في عام 1946 عندما فقدت بريطانيا نفوذها على الساحة العالمية بدأت الولايات المتحدة بالتدخل تدريجيا في شؤون الشرق الأوسط.
وكان إنشاء دولة إسرائيل المستقلة غير مخطط سايكس بيكو، فسرعان ما اضطرت فرنسا ومثلها بريطانيا إلى مغادرة مستعمراتها ليس فقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإنما أيضا في الهند الصينية.
الاضطراب الجيوسياسي اليوم هو أحد نتائج مشروع سايكس بيكو وخاصة فيما يخص القضية الكردية. عاشت هذه الأمة على حدود تركيا وسوريا والعراق وإيران. وعلاوة على ذلك فهناك تهديد ما لنظام متعدد الطوائف في كل من سوريا ولبنان. الأزمة السياسية في لبنان تتصل بالطابع الخاص للنظام الانتخابي الذي يرتبط بالهوية الدينية للجماعات السياسية، وليس قانونا مدنيا. هذا النظام فريد من نوعه في الواقع، لقد بدأت الأزمة بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، وبدأ تدخل الولايات المتحدة في العملية السياسية في هذا البلد.
الأوضاع القانونية للمدن تعتبر عاملا هاما. فقرار الأمم المتحدة 181 الصادر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1947 ينص على أن القدس يجب أن تكون مدينة ذات أهمية دولية، ولكنها في الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي. أعطي هذا الدور للقدس نظرا لأهميتها الدينية، حيث توجد الديانات الإبراهيمية الثلاث وهي الإسلام والمسيحية واليهودية. ولكن هناك مسألة التآزر الاجتماعي ليس فقط في القدس يجب الانتباه إليها، ويكفي أن نتذكر دستور المدينة المنورة 622، الذي ينص على استمرار العادات المحلية بين المسلمين وأهل الكتاب (المسيحيين واليهود) كأمة واحدة على الرغم من الاختلافات الدينية.
لا يزال وضع القسطنطينية أيضا دون حل. على الرغم من أن المدينة منذ فترة طويلة جزءا من طموحات الإمبراطورية الروسية، كما أن عددا من علماء المسلمين يفهم أيضا الحاجة لاستعادة كنيسة القديسة صوفيا.
إذا كان قادة العديد من الدول الغربية يدعون لإيجاد حل دولي حقيقي للصراعات الحالية والقضايا الإشكالية، فيجب عندها أن تنطلق العملية من مبادئ اتفاقية سايكس بيكو. يجب تغيير وضع القدس قبل كل شيء، لأن هناك شرعية دولية من خلال قرارات الأمم المتحدة. لجعل هذا النموذج حقيقيا، سيكون من الضروري ضمان وجود قوات حفظ السلام في المدينة ولو لفترة انتقالية على الأقل. حتى لو تم ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة، فمن الضروري أن تأخذ مصالح الدول التي ترتبط مباشرة بقيم القدس الدينية بعين الاعتبار. الموقف الأرثوذكسي يمكن وينبغي أن يكون مبررا لوجود عسكري روسي.