موازين القوى الكردية - التركية

01.09.2016

منذ تموز/يوليو 2015 والملف الكردي في تركيا هو نهبٌ لحرب ضروس سياسية وعسكرية واجتماعية. والنتيجة واضحة للعيان، حوالي عشرة آلاف قتيل، ومدن خرجت مدمرةً من الحرب، وتصلب في السياسة وزيادة الاستقطاب فيها، وغياب الثقة بين أطرافها، وخسارة السيطرة الأمنية على الأرض. وحوادث مثل هجمات "حزب العمال الكردستاني" داخل تركيا أو العملية العسكرية للجيش التركي في سورية أو أي اغتيال سياسي، ما هي إلا مرآة تداعيات المسألة الكردية وامتداداتها. وسعى "الكردستاني" إلى محاكاة تكتيكات الحرب في سورية في جنوب شرقي تركيا، ليثير الشارع ويشن حرب شوارع ويحتمي بالمدنيين ومنازلهم، من أجل الضغط على صانع القرار في أنقرة. وزعم "الكردستاني" وحزب "الشعوب الديموقراطية" أن هذه السياسة هي رد على سياسة "القتل الممنهج الحكومية". وعلى رغم شيوع هذه المقولة على ألسنتهم وفي بياناتهم، لم تلقَ أي صدى إيجابي أو قبول في الشارع الكردي وأروقة السياسة، بل جاءت بخلاف ما أرادت.

وتكتيكات "الكردستاني" هذه كانت جزءاً من خططه الحربية من أجل دعم حربه على تركيا. فحين تحل الحرب محل السياسية في معالجة المسألة الكردية، تغلب كفة التشدد. ولا يخفى أن ثمة عوامل حملت "الكردستاني" على اللجوء إلى تلك التكتيكات العنيفة، أبرزها شعوره بأن الرياح الدولية والإقليمية تجري وفق ما تشتهيه سفنه. فأميركا دعمت جيش "سورية الديموقراطية" لمحاربة داعش وانتزاع الاعتراف بالوجود الكردي في شمال سورية. ورفضت واشنطن اقتراحات أنقرة إنشاء منطقة عازلة في شمال سورية. والأزمة السابقة بين تركيا وروسيا حدت من إمكان التدخل العسكري التركي في سورية. وساهمت هذه العوامل في تعنت "الكردستاني" وتأجيجه العنف ضد تركيا. لكن لا شك في أن هذه "الرياح" (توجهات دولية وإقليمية) بدأت تغير اتجاهها لتخالف توجه "الكردستاني". ففي ميدان المعارك، خسر هذا الحزب حرب الشوارع التي شنها في جنوب شرق تركيا. وخسارته عسكرية ومعنوية. فالدولة التركية وضعت كل ثقلها هناك من دون تردد ومن دون احتساب انتقادات في مجال حقوق الإنسان، واستطاع الجيش التركي دحر "الكردستاني" هناك، وإرساء الأمن في المنطقة وإعادة السكان المهجرين وتأمين الرعاية لهم. فألقى أهالي المنطقة بلائمة ما حدث على «الكردستاني» الذي خسر عناصره المسلحة وتعاطف الشارع.

وإثر المصالحة التركية - الروسية، برزت تركيا قوة تحارب "داعش" في ميدان المعركة، وانتهى احتكار "قوات سورية الديموقراطية" لهذه المهمة، وتبددت مسوغات الحماية التي كانت تحظى بها قواته. فأنقرة خففت نبرتها في الحديث عن بشار الأسد وعن النظام السوري، ومدت جسور التنسيق والتعاون مع روسيا وإيران. فوسعها دخول سورية، وبدأ الجيش التركي يقيم منطقة عازلة هناك، ويدفع بـ"قوات سورية الديموقراطية" إلى شرق الفرات.

وكل هذه الخطوات التركية ترمي إلى تقويم خلل ميزان القوى بينها وبين "الكردستاني" وإعادته إلى ما كان عليه قبل 15 يوليو/تموز 2015 حين توقفت المفاوضات بين الطرفين. وها قد بدأ ميزان القوى يعود إلى سابق عهده، على رغم محاولات "الكردستاني" المستمرة لتثبيته من طريق هجمات انتحارية واستهداف زعيم المعارضة، كيليجدار أوغلو، وضرب دبابة تركية في شمال سورية. لكن مساعيه لم تكلل بنجاح. لكن هل عودة أنقرة بميزان القوى مع "الكردستاني" إلى ما كان عليه تمهد لاستئناف الحوار السياسي؟

علي بيرم أوغلو – صحيفة "يني شفق" التركية