محور واشنطن - بوخارست - كيشيناو

12.05.2016

يبدو أن مولدافيا قد تصبح الهدف المقبل، الذي اختارته الولايات المتحدة لتجربتها الجديدة باسلوب "الثورة الملونة". ورغم أن كيشيناو شهدت في العام 2009، ما سمي "ثورة تويتر"، وأسفر عن اقتحام وتحطيم البرلمان، يبدو أن هذا لم يكن كافيا بالنسبة لواشنطن.

الأزمة السياسية المستمرة، التي لا يزال يعيشها هذا البلد الشرق أوروبي، توازي ما حدث في أوكرانيا. ففي كييف، تم تغيير السلطة مرتين عبر الأساليب المشبوهة. المرة الأولى كانت في شتاء 2004-2005، عندما طالبت ما يسمى بالمعارضة البرتقالية، بإعادة فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية. وأدت الجولة الإضافية من الانتخابات في النهاية لفوز فيكتور يوشينكو، المرشح الذي اعتمد على دعم الغرب والمشاعر القومية. وبحلول نهاية فترة حكمه، لم تتجاوز شعبيته 10٪. والمرة الثانية، تصرف الغرب بشكل أقل ديمقراطية، ودعم انقلاب فبراير/شباط 2014.

من الممكن أن تؤدي العمليات الجارية في جمهورية مولدوفا، أيضا إلى سيناريو قاسي، يتسبب في تضرر العديد من مواطني هذا البلد. وينبغي النظر إلى زيارة المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، إلى كيشيناو باعتبارها علامة خطر على سيادة مولدوفا.

ويتجلى التشابه مع أوكرانيا ليس فقط في كون البلدين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فقد تم تنفيذ انقلاب أوكرانيا عام 2014، في ظل ضعف ومرض أجهزة الدولة. ونفس الضعف والمرض، تعانيه الآن مولدوفا، على الرغم من أن العلل السياسية مغايرة ومسار المرض مختلف. وكما هو الحال في أوكرانيا، تقوم مولدافيا بمغازلة غريبة لمنظمة حلف شمال الأطلسي. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من السكان تقف ضد التعاون مع هذه المنظمة، استقبلت البلاد في بداية مايو/أيار الجاري، قافلة من المعدات العسكرية الأمريكية القادمة منل رومانيا.

وقد يحاول المسؤولون في كيشيناو التذرع بمشكلة يريدنيستروفيه، وبأن هذه المنطقة أعلنت نفسها جمهورية، وانفصلت عن مولدوفا في عام 1991. ولكن توجد هناك قاعدة عسكرية للاتحاد الروسي. والجميع يتذكر ما انتهت إليه مغامرة ميخائيل ساكاشفيلي في أوسيتيا الجنوبية، حيث تواجدت قوات حفظ السلام الروسية. فهل يعتقد الغرب أنه من الممكن أن يكون من السهل مهاجمة القوات الروسية في جمهورية بريدنيستروفيه المولدافية، حتى ولو كانت مقطوعة عن روسيا بالأراضي الأوكرانية؟

ومن الواضح أن واشنطن لا تعمل وحدها في الاتجاه الشرقي. ففي حين تشرف بولندا على أوكرانيا، تم تكليف رومانيا بحماية جمهورية مولدوفا. وبوخارست أكثر من وارسو مهتمة بالاستيلاء على جارتها. وتروج السياسة الرومانية منذ فترة طويلة وبشكل مستمر لإنشاء منطقة اقتصادية مشتركة مع مولدوفا. وهناك مشروع ثقافي، ينص على أن مولدوفا ورومانيا شعب واحد بلغة واحدة وهوية حضارية مشتركة. وعلى الرغم من أن الشعبين فعلا قريبين جدا، ويستخدمان تقريبا نفس اللغة، فإن التاريخ يبين أن عملية تفاعلهما كانت بعيدة جدا عن المساواة والودية. على سبيل المثال، عند إنشاء دولة رومانيا الحديثة في القرن الـ19، تم ضم جزء من إمارة مولدافيا إليها- مقاطعات ياشي، غالاتسكي، سوتشافسكي،  باتاشانسكي، نياميتسكي ومقاطعة فوسلويسكي. وهذه المناطق الآن، هي الجزء الأكثر فقرا وتخلفا اقتصاديا من رومانيا. والسبب في ذلك - سياسة بوخارست القومية الغريبة. فعلى أرض الإمارة المولدافية السابقة، يتواجد فقط العرق الروماني، والمولدوفيون هم مجرد تعبير مرجعي جغرافي فقط.

ويتواصل العمل بهذه المعايير المزدوجة منذ عهد توحيد مولدافيا ووالاشيا، حيث كان من المقرر اقامة دولة اتحادية، كما يتضح من الوثائق. لكن بوخارست نسيت فورا وعودها.
وسلوك مماثل من جانب رومانيا، تكرر في العام 1918، عندما قامت بضم بيسارابيا، وأعطتها ضمانات الحكم الذاتي. كما أن الاحتكاك بين المجر ورومانيا حول إقليم ترانسيلفانيا له نفس الأسباب، فالهنغاريون العرقيون في رومانيا غير مسموح لهم حتى بالتعبير الذاتي الثقافي، الأمر الذي يثير الشكوك حول المبادئ الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي ككل.

وفي حال تمكنت رومانيا من إبتلاع مولدافيا (أو على الأقل جزء منها)، فهذا سيعطي قوة إضافية لبوخارست، ليس فقط للضغط على المجر، ولكن أيضا على صربيا وأوكرانيا، حيث تعيش في المناطق الحدودية لهذه البلاد، أقليات رومانية.

وبكونها أداة للإرادة السياسية الأمريكية، تأمل بوخارست بالحصول على دعم واشنطن، كما حصلت عليه في الماضي، عند انضمام رومانيا لمنظمة حلف شمال الأطلسي وللاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أن رومانيا وبلغاريا حصلتا على حق الإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي "كحزمة واحدة"، من الواضح أن أوروبا القديمة كانت تعارض هذا المشروع. فكلا الدولتين لا تزالان الأكثر فقرا والأكثر فسادا في الاتحاد الأوروبي، وغير مسموح لهما حتى بدخول معاهدة شنغن. ويبدو أن تقليل القيمة هذا، تنظر إليه بوخارست بألم.

وفي حين أن الرومانيون بالنسبة لألمانيا وفرنسا بشر من الدرجة الثانية، ينظر الرومانيون أنفسهم إلى مواطني مولدوفا كبشر من الدرجة الثانية. وعن هذا لا تدور الأحاديث علنا، إلا أنه واقع السياسات الحالية. كما لا يتم الحديث عن مشكلة الغجر، ففرنسا، في عهد ساركوزي الليبرالي، رحلت غجر رومانيا من أراضيها. وبطبيعة الحال، جمهورية مولدوفا لديها غجرها، الذين ينتظرون الوصول إلى دول أوروبا المزدهرة، ولكن لا يمكن إنكار إمكانية تدفق العناصر الإجرامية وجميع أنواع المغامرين إلى مولدوفا نفسها، والذين سيستفيدون من فرصة الصيد في المياه العكرة.

مشكلة الانفصاليين في مولدوفا غير متصلة فقط بجمهورية بريدنيستروفيه، فهي قد تتفعل عبر "رومنة" البلاد. وإقليم الحكم الذاتي غاغوزيا، ومدينة بالتي، وحي تاراسليا ذو الكثافة العالية من السكان ذوي الأصل البلغاري، فضلا عن المناطق الشمالية ذات المشاعر المناهضة بقوة لرومانيا، من غير المرجح أن تواجه مشروع الوحدة مع بوخارست بتفاؤل.

وهذا سيعني ليس فقط إعتماد نتائج الاستفتاء الاستشاري في غاغوزيا، حيث صوت 98٪ من المواطنين لصالح حق تقرير المصير في حالة فقدان جمهورية مولدوفا استقلالها، ولكن أيضا سيؤدي إلى ظهور مصدر آخر للتوتر، مع احتمال وقوع نزاع مسلح. ففي العام 2013، قليل من توقع وقوع أحداث بداية العام 2014 في أوكرانيا (الحرب في الجنوب الشرقي وانشقاق القرم). وفي مولدوفا، يمكن أن يؤدي قصر نظر السياسيين المحليين، إلى عواقب وخيمة.