الطريق إلى التدخل العسكري في ليبيا
بالنظر إلى الأوضاع الحالية في ليبيا تظهر النوايا الصريحة لحلف الناتو لتدخل موسع بغرض محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" ظاهريًا، إلا أن هناك نوايا أخرى وراء هذا السعي الحثيث للتدخل في الشأن الليبي.
تسعى الدول الأعضاء في الناتو بقوة نحو التدخل الصريح في ليبيا بغرض محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" ومنع انتشار الإرهاب ووصوله إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، حيث تدفع كل من بريطانيا وفرنسا بقوة في هذا الاتجاه، خاصةً مع توفر الغطاء القانوني الذي احتاجه الغرب حاليًا مع وجود حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، والتي تملك سلطة مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل العسكري داخل البلاد.
مؤخرًا، أصبحت الاجتماعات في أوروبا تناقش أمر التدخل دون رأي الاتحاد الإفريقي، في الوقت الذي لا يتم أيضًا أخذ آراء الشعب الليبي والإفريقي بشكل عام في هذا التدخل، وسط مخاوف أخرى لدى الدول الكبرى من عسكرة منطقة شمال إفريقيا، وأن تقوم حكومات بعينها بالتستر خلف غطاء الحرب على "داعش" للسيطرة على الموارد الليبية والإفريقية.
الأسباب الحقيقية للتدخل في ليبيا
تشير المراسلات الإلكترونية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الحالية للرئاسة هيلاري كلينتون إلى السبب الحقيقي لتدخل الناتو المدمر في ليبيا عام 2011، حيث أظهرت الرسائل الإلكترونية حديث سيدني بلومنتال (مستشار كلينتون في تلك الفترة) عن وجود 143 طن من الذهب وكم مماثل من الفضة في ليبيا بحسب مصدر مقرب من أحد أبناء القذافي، وذكر لاحقًا أن تلك الأطنان قد تم نقلها من البنك المركزي في طرابلس إلى مناطق قرب الحدود الجنوبية للبلاد، وذكر سيدني في الرسائل أن هذه الكمية قد تم تجميعها قبل الاحتجاجات في 2011، وأن القذافي يسعى إلى إقامة عملة إفريقية موحدة قائمة على أساس الدينار الذهبي الليبي، وهو ما سيمنح بديلًا للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية عن الفرانك الفرنسي. ومع علم فرنسا بالأمر، قرر ساركوزي التدخل بشكل مباشر في العمليات في ليبيا لعدة أسباب رئيسية، وهي:
- الرغبة في الحصول على حصة أكبر من النفط الليبي.
- زيادة النفوذ الفرنسي في شمال إفريقيا.
- تحسين وضعه السياسي داخل البلاد.
- منح الفرصة للجيش الفرنسي لاستعادة مكانته عالميًا.
- التخلص من المخاوف الموجودة لدى مستشاريه بشأن خطط القذافي طويلة المدى للقضاءعلى السيطرة الفرنسية على الدول الناطقة بالفرنسية في أفريقيا.
وبالنظر إلى المكاسب الاقتصادية الكبرى في ليبيا، لم يكن لدى ألمانيا خيارًا سوى الدخول لنيل حصة من تلك المكاسب التي لا تتوقف على النفط والغاز فقط، لذلك كانت الخطة الألمانية تقضي بالوقوف بمحاذاة فرنسا خطوة بخطوة، فعلى الرغم من أن برلين قد رفضت المشاركة في الدمار الذي أحدثه الناتو في ليبيا في 2011، فقد رأت حاليًا أن التدخل في ليبيا الغنية هو أمر حتمي، وخاصة بعد الأزمات الاقتصادية والنقدية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي حاليًا، وهو ما يظهر جليًا اليوم، ففي أثناء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك أيرولت، بصحبة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في الزيارة ذاتها، في محاولة لدعم وتثبيت الحكومة الجديدة بقيادة فايز سراج.
الجدير بالذكر، أن الحكومة الجديدة قد تكونت بالأساس نتيجة لضغوط أوروبية لتكوين سلطة شرعية تستطيع منح الضوء الأخضر للغرب لمحاربة تنظيم "داعش" في ليبيا، في مقابل أن تدعم تلك الأنظمة الغربية هذه الحكومة الجديدة. ومنذ تدخل الناتو عام 2011 في ليبيا، يبحث القادة الأوروبيون دائمًا عن وسائل جديدة للتدخل في الوضع الليبي إما بذريعة أزمة المهاجرين القادمين إلى أوروبا أو محاربة التنظيمات الإرهابية، وقد استخدم الأوروبيون ذلك بالفعل بعد غرق مركب كان يقل 500 مهاجرًا خرجوا من ليبيا صوب إيطاليا. المؤكد أيضًا أنه منذ عام 2014، تواجدت وحدات من القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية والإيطالية في ليبيا للعمل، إلا أن التدخل الشامل احتاج لوجود حكومة شرعية في طرابلس.
ثلاث حكومات في ليبيا
بعدما أطاح حلف الناتو بنظام القذافي في أكتوبر/تشرين الأول 2011، ظهرت جهود متعددة لتكوين حكومة شرعية في ليبيا. كانت أول تلك المحاولات هي المجلس الوطني الانتقالي، والذي سقط بضغط من 1700 عنصر من الميليشيات والقبائل المحلية المتقاتلة للسيطرة على النفط، في الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة توفر الدعم لمجموعات من الميليشيات الإسلامية في الشرق بحجة أنه البوابة التي تستطيع من خلالها "منع تدفق الجهاديين إلى سوريا".
المجموعات المسلحة داخل ليبيا، حظيت بدعم من كثير من الدول والجهات الخارجية مثل بريطانيا وفرنسا وقطر والإمارات والسودان وتركيا ومصر، وهو ما استقر في النهاية إلى وجود قوتين رئيسيتين، إحداهما في الغرب بقيادة الجنرال العسكري خليفة حفتر والذي عاد من الولايات المتحدة في محاولة للوصول لحكم ليبيا، وحاول إغراء الولايات المتحدة لدعمه، إلا أن القوة الأخرى – في الشرق – والتي تسيطر على البنك المركزي بما فيه من مخزون الذهب والعملات الأجنبية في ليبيا والمدعومة من قبل قطر استطاعت إقناع الولايات المتحدة أكثر من حفتر بناءً على سيطرتها على الوضع المالي للبلاد.
وبعد عامين من محاولات تنظيم الأوضاع في البلاد، أدرك العالم ظهور فرع جديد وشرس للغاية من تنظيم "داعش" داخل ليبيا، وتحديدًا في مدينة سرت – التي شهدت ميلاد الاتحاد الإفريقي عام 1999 – لتظهر بعد ذلك الكثير من العمليات الوحشية للتنظيم والتي تم استخدامها فيما بعد من قبل جهات متعددة كذريعة لمزيد من التدخل والعمليات داخل ليبيا.
الولايات المتحدة على الطريق
كان الهدف من العمليات الخاصة التي نفذتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في ليبيا هو الحصول على المزيد من التأثير العالمي والدعاية لحكومات تلك الدول. بالنسبة للولايات المتحدة، كان الأمر يحتاج لدعم مباشر من المؤسسات العسكرية الأمريكية والمخابرات، وهو ما تأخر في بداية الأمر، حيث رأى القادة أنه لا يمكن للبلاد نشر المزيد من القوات الخاصة في الوقت الذي لا توجد فيه حكومة داخل ليبيا، وهو التأخر الذي أعطى لفرنسا الدافع للعمل على تكوين حكومة الوفاق الوطني الحالية. في الوقت نفسه، كان أوباما يرى أن الأوروبيين "لا يمكن الاعتماد عليهم" كشركاء عسكريين، بحسب ما أوضحه في لقاء مع صحيفة "ذا أتلانتيك".
أكد أوباما أكثر من مرة أن قراره بالمشاركة مع التحالف الأوروبي في تدمير ليبيا كان أكبر أخطاء سياساته الخارجية، إلا أنه وقع بضغط من المؤسسات الأمنية الأمريكية، في الوقت الذي أدرك فيه أنه المستحيل حاليًا التوصل لاتفاق بين الاستخبارات المركزية الأمريكية وبين السلطة في الغرب المدعومة من قبل قطر والسلطات الليبية في الشرق التي تدعمها كل من مصر والإمارات للوقوف خلف حكومة الوفاق الوطني الجديدة.
دور الاتحاد الإفريقي.. هل يمكن أن يكون فاعلاً؟
بعد تعيين مفوضية الاتحاد الإفريقي للرئيس التنزاني السابق جاكايا كيكويتي مبعوثا ساميًا للاتحاد الإفريقي إلى ليبيا مؤخرًا، لم يكن من الواضح الدور الحقيقي الذي سيلعبه الرجل في المرحلة القادمة، حيث منذ بداية الأزمة وتدخل الناتو في 2011، كان الاتحاد الإفريقي قد أعلن عن خططه لخارطة طريق لتحقيق السلام في ليبيا، والتي من المفترض أنها مازالت فعالة حتى الآن وأن كيكويتي هو جزء من تلك الخارطة. ربما يأتي اختيار الرئيس التنزاني السابق بناءً على أدوار سابقة لعبتها بلاده في محاولات لتحقيق الاستقرار في الكونغو وغيرها من دول غرب إفريقيا من خلال المساهمة بقوات لفرض استقرار تلك البلاد.
وعلى الرغم من ضعف الموارد المادية والعسكرية، لا يمكن لتنزانيا وكيكويتي كممثل عن الاتحاد الإفريقي في ليبيا ألا يقوم بدور حقيقي وفعال يظهر بلادهم على الساحة الدولية في ظل التذبذب الأوروبي الحالي حول الأزمة، وظهور حالة من الخلاف بين أطراف أوروبية مختلفة على السيطرة على بعض الثروات داخل ليبيا، كما أنه يجب أن يكون الدور الرئيسي للاتحاد الإفريقي هو محاولة إبعاد الأطراف الخارجية الداعمة للميليشيات والمجموعات المسلحة داخل ليبيا كهدف أساسي لعملية السلام، فلن يكون من الممكن التوصل لاتفاقيات لنزع السلاح في وجود النفوذ الخارجي لتلك الدول ودعمها المباشر للميليشيات. يحدث ذلك في الوقت الذي حاول فيه الألمان والفرنسيون إقناع إدارة أوباما بتدخل عسكري ونشر كامل للقوات خلال لقائه مع القادة الأوروبيين بحسب ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية.
وربما يدرك الفرنسيون أنه لا توجد حاجة حقيقية لهذا التدخل الذي قد يدمر ليبيا بشكل كامل، إلا أن السلطات الفرنسية قد تحتاج لتدخل عسكري من هذا النوع لصرف الانتباه عن الأزمات الكبرى التي يمر بها النظام البنكي الفرنسي، ويؤكد أنه لا ينبغي على الاتحاد الإفريقي أن يقف في دور المتفرج وسط تلك الأحداث.