النظام المالي العالمي الحالي تهديد أكبر من الإرهاب
أثقلت الزيادة الهائلة في الإنفاق على ما يسمى " بالحروب ضد الإرهاب" كاهل الأمريكيين في القرن الواحد والعشرين. فلقد تحمل دافع الضريبة الأمريكي تريليونات الدولارات، وحقق المجمع الصناعي العسكري/الأمني المليارات الكثيرة من الأرباح، وذلك لمواجهة تلك التهديدات غير الواضحة لما يسمى بالإرهاب، مثل حركة طالبان التي استمر وجودها بعد خمسة عشر عاما من الحرب الأمريكية عليها. في كل هذا الوقت كان النظام المالي والنظام السياسي (صناع السياسة الأمريكية) يعملان جنبا إلى جنب وبطريقة تسبب أذى للأمريكيين أكثر مما يسببه لهم الإرهاب.
لقد كان هدف النظام الاحتياطي الفيدرالي وسياسة وزارة الخزانة الأمريكية بالمحافظة على معدلات الفائدة الصفرية هو دعم الأسعار لمواجهة حالات الإفراط في الاستدانة وكذلك لمواجهة الأدوات المالية المخادعة التي تقوم بخلق نظام مالي لا يمكن مراقبته بشكل قانوني. ولكن عندما يحدث التضخم المالي ( أي تنخفض قيمة العملة وتصبح القيمة الشرائية لها أقل ) فإن معدلات الفائدة الصفرية تصبح معدلات سلبية, وهذا يعني أن المتقاعدين مثلا الذين يحصلون على دخل محدد من خلال رواتبهم التقاعدية سيخسرون جزءا من رواتبهم, مثلما تصبح مسألة التوفير بالنسبة إليهم مسألة خاسرة لأن عملية التوفير تسحب جزءا من المدخرات في حالة الفائدة السلبية بدل أن تزيد المدخرات في حالة الفائدة الإيجابية.
تدافع البنوك المركزية والليبيراليون الجدد ووسائل الإعلام المالية عن معدلات الفائدة السلبية لأنها تجبر الناس على الإنفاق بدلاً من التوفير. ورأيهم في هذا أن الأداء السيئ للاقتصاد ليس بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة وإنما بسبب حرص الناس على توفير مدخراتهم, وما يزال مجلس الاحتياطي الفيدرالي وتلك الزمرة من الاقتصاديين والصحافيين المرتبطة بهم يتصورون أن هناك إمكانية للتوفير الكبير على الرغم من أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أظهر في تقريره أن 52% من الأمريكيين لا يستطيعون جمع مبلغ 400 $ إلا ببيع ممتلكاتهم الشخصية أو الاستدانة. http://www.federalreserve.gov/econresdata/2013-report-economic-well-being-us-households-201407.pdf
إن معدلات الفائدة السلبية التي ظهرت في دول مثل سويسرا وتهدد دولاً أخرى كثيرة كانت السبب في سحب الناس لمدخراتهم من البنوك لتجنب دفع الضرائب لهذه البنوك ولو أدى ذلك للشراء بفواتير كبيرة الحجم. فمثلاً ازداد الطلب في سويسرا بشكل كبير في عمليات الشراء لفواتير الألف فرنك سويسري (بحدود ألف دولار). لقد شكلت فئة الفواتير الكبيرة هذه ما يعادل حوالي 60% من الدورة المالية النقدية في سويسرا.
لقد أدت ردة فعل المودعين على معدلات الفائدة السلبية إلى الدعوة من بعض الاقتصاديين الليبيراليين الجدد, مثل Larry Summers, إلى تقليل فئة الأوراق المالية الكبيرة وذلك لجعل الأمر أكثر صعوبة على الناس بتخزين أموالهم خارج البنوك. أما بعض الاقتصاديين الليبيراليين الجدد, مثل Kenneth Rogoff , فقد دعوا للقضاء على جميع الأوراق المالية والاعتماد فقط على النقود الالكترونية, فالنقود الالكترونية لا يمكن سحبها من البنوك إلا في حالة إنفاقها. طبعاً في حالة النقود الالكترونية يمكن للمؤسسات المالية أن تستخدم معدلات الفائدة السلبية لسرقة المودعين.
لقد حاول الناس في الماضي الادخار عن طريق الذهب والفضة وأشكال أخرى من النقود ولكن في هذه الحالة التي نعيشها في هذه الأيام سيكون الدفع والادخار بهذه الوسائل ممنوعاً وستقوم الحكومات بوضع عمليات صارمة وعقوبات شديدة لمنع كل عمليات التهرب من استخدام النقود الالكترونية.
هذه الصورة التي قدمناها سابقاً تظهر التحالف بين الحكومات والاقتصاديين ورجال الإعلام ضد المواطنين لكي لا يستطيعون الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي من خلال مدخراتهم التي تعبوا وجاهدوا للحصول عليها. إن ما يهم صناع السياسة بسياستهم الاقتصادية الغريبة مع أولئك الذين يتحكمون بحياتنا هو فقط تحقيق مخططاتهم أكثر مما يهمهم خيرنا جميعاً.
هذا هو مصير الشعوب في ما يسمى بالديمقراطيات الغربية، وكل شيء آخر يتعارض مع هذا الفهم سيتم إزاحته جانباً. الحكومات تعمل لخدمة جماعات المصالح القوية التي تصب مصلحتها في تدمير الاقتصادات الوطنية، إن استبدال وظائف الطبقة الوسطى بتلك الوظائف المعتمدة على مصادر من خارج البلاد سوف يؤدي إلى نقل الدخل والثروة من الطبقة الوسطى إلى طبقة المديرين التنفيذيين ومالكي الشركات, وبنفس الوقت سوف يؤثر بشكل سلبي جداً على السوق المحلية فيما يخص البضائع والخدمات التي تم استدراجها من الخارج. أي أنه يقتل المضيف كما كتب Michael Hudson, وبالتالي فإن البنية الرأسمالية تدمر المضيف كما تدمر أصحاب الشركات في نفس الوقت. عندما يقوم المدراء التنفيذيون المساهمون في رأس المال بالاستدانة من البنوك لزيادة أسعار الأسهم وزيادة علاوات الأداء لديهم فإن ذلك سيرتب نفقات إضافية وسيؤدي أن يذهب الكثير من الأرباح المستقبلية للبنوك من خلال المدفوعات مع فوائدها. وإذا فشلت الشركة باستمرار الدفع فسوف يحجز عليها مثلما يحدث لأصحاب المنازل وتتحول ملكيتها إلى البنوك.
نتيجة للاعتماد على الوظائف الخارجية ونتيجة لتحويل المزيد من مصادر الدخل إل البنوك لتسديد المبالغ المستدانة فسوف تقل قدرة الشركة على الإنفاق على البضائع والخدمات، مما يؤدي إلى الفشل في عملية النمو وإلى فترة انحطاط طويلة الأمد للشركة. غالبية الأمريكان لا يستطيعون اليوم إلا دفع الحدود الدنيا من الدفعات المترتبة عليهم من خلال بطاقات الائتمان الخاصة بهم، والنتيجة هي ازدياد العجز في ميزان مدفوعاتهم إلى درجة أنهم لن يستطيعون أبداً دفع ما يترتب عليهم، لأنهم ببساطة لا يستطيعون تحمل هذه التغيرات الوحشية التي يجلبها معه نظام الدين البنكي. فالطريقة التي تعتمدها شركات بطاقات الائتمان تظهر أنك إذا قمت بالدفع متأخراً لمرة واحدة أو قام البنك الذي تتعامل معه باسترجاع الدفعة فإنك ستكون معاقب لستة أشهر ومعدل الغرامة المترتبة على ذلك هي 29.49%.