النفط الصخري وخريطة أسعار السوق الجديدة

28.04.2016

التنبؤ بأسعار النفط، أمر لا جدوى منه. فمن المعروف عن أسعار النفط، أنه من المستحيل التنبؤ بها. لكننا أيضا بحاجة إلى بعض الأرقام لإدراجها في الميزانية أو في مشاريع الاستثمار، ويستمر المحللون في رسم خط تصاعدي للسعر الحالي.

يبلغ الطلب العالمي على النفط أكثر قليلا من 95 مليون برميل، مسجلا بذلك ارتفاعا بنسبة 1-2٪ فقط سنويا. اختلال التوازن العالمي (العجز أو الفائض) نادرا ما يزيد عن 2 مليون برميل، أي أقل من 2٪. معظم الصناعات لم تكن لتحلم بمثل هذا الاستقرار والتوازن في السوق. فمن أين إذا تهب رياح عواصف الأسعار في سوق النفط، وهل ستهدأ في المستقبل المنظور؟

ثلاثة عوامل
العامل الأول - حجم السوق. في المحيط الكبير - أمواج كبيرة. سوق النفط ينتشر في جميع أنحاء العالم ولا يواجه أي حواجز. يتم تحديد سعر النفط لجميع المشاركين من خلال العرض والطلب، والربح الصافي من كل برميل، ومن خلال نسبة الاثنين في المئة من الفائض أو العجز، وتأثبر الأدوات المالية المشتقة، التي تزيد تذبذب الأسعار.

أما العامل الثاني - استهلاك النفط، وهو عمليا لا يتفاعل مع الزيادة أو النقصان في الأسعار، بسبب قيمته العالية وعدم وجود بدائل جيدة له. فالنفط يبقى أفضل مصدر طاقة لوسائل النقل، ومصدرا وحيدا لخامات الصناعات الكيماوية. وقد أظهرت تجربة ألمانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية مدى خطورة عدم وجود مصادر خاصة للنفط، لتوفير الوقود للجيش والبحرية والقوات الجوية. ولهذا السبب، تشكلت لدى المستهلكين علاقة حساسة بشكل خاص بالنسبة للنفط. وخلافا للأسواق التقليدية، ارتفاع الأسعار لا يقلل من الطلب على النفط، وإنما يعزز قلق المستهلكين. وبرز هذا في صيف عام 2008، حين كان سعر 140 دولار للبرميل، حافزا غير كاف للحد من الاستهلاك.

العامل الثالث - هيكل العرض. للوهلة الأولى، السوق تنافسية: الدول المنتجة كثيرة، وأكبرها، المملكة العربية السعودية، التي تسيطر على 11٪ فقط من الإنتاج. ومع ذلك، في منطقة الشرق الأوسط تتركز أكثر من نصف احتياطيات النفط العالمية، والتكلفة الإنتاجية، لا تزيد عن بضعة دولارات للبرميل. هذا الأمر سمح بإنشاء منظمة ناجحة تؤثر على أسعار النفط بواسطة خفض الإنتاج. في هذه المسابقة، يبقى المنتجون ذوو تكلفة الإنتاج الأعلى بعدة مرات، معرضين دائما لخطر إغراق السوق المفاجئ.

في العالم المفتوح والخالي من الجغرافيا السياسية، كان من الممكن انتاج كل النفط اللازم للبشرية في منطقة الخليج العربي، وتوفير أكثر من تريليون دولار سنويا. ولكن في الواقع، تنتج منطقة الشرق الأوسط حوالي ربع الإنتاج العالمي فقط.

وبالنظر إلى عروض النفط خارج أوبك وكيفية استجابتها للتغيرات في الأسعار، يتضح أن العروض قصيرة الأجل تحددها تكلفة الإستمرارية، أي تكلفة الحفاظ على الإنتاج في الآبار المجهزة. العروض على المدى الطويل، تحددها التكلفة الكاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف رأس المال الأولية، لتطوير الآبار من الصفر.

تكلفة الإنتاج لدى غالبية الشركات المصنعة، لا تزيد عن 10-20 دولار للبرميل. وتزيد فقط في الحقول الأكثر تعقيدا وتطلبا، مثل الرمال النفطية الكندية، حيث يمكن أن تتجاوز 30 دولارا للبرميل. لذلك، يحاول المنتجون الحفاظ على الحد الأقصى من الإنتاج في الحقول المجهزة، وحتى لو انخفضت الأسعار إلى 20-30 دولارا للبرميل، من غير المجدي خفض مستويات الإنتاج. وعلاوة على ذلك، يتسبب انخفاض أسعار النفط لدى العديد من الدول المصدرة باختلال التوازن التجاري ويخفض قيمة العملة الوطنية. ونتيجة لذلك، تنخفض تكاليف الإنتاج، ويظهر حافز لتصدير المزيد من النفط.

التكلفة الإجمالية أعلى من ذلك بكثير، وتتراوح بين 40 إلى 90 دولارا للبرميل. حجم الاستثمارات للمشروع الواحد، يتراوح بين مئات الملايين للحقول الصغيرة وعشرات المليارات للمشاريع البحرية الكبيرة. في نفس الوقت تطوير حقول جديدة يستلزم من 3 إلى 10 سنوات. وهذا يعني أن المستثمر لا بد أي يكون على ثقة بأن سعر النفط على المدى الطويل سيكون أعلى بكثير من التكلفة الإجمالية للمشروع.

ونتيجة لذلك، سوق النفط تصبح بمثابة عامل داعم. ما يعني أن أي تغيير في الطلب أو العرض يسهم في تشكيل موجه الأسعار. وهذه الموجة تواصل النمو دون أن تواجه مقاومة كبيرة. العرض قد يبدي مقاومة فقط في حال هبوط الأسعار إلى مستوى 10-15 دولارا، أي عند هبوط السعر إلى مستوى أقل من تكاليف التشغيل، حينها سيبدأ خفض الإنتاج في الحقول المجهزة، وعند ارتفاع الأسعار إلى 100-120 دولارا، سيظهر حافز للاستثمار في مشاريع جديدة. كل هذا يعني أن السوق تحتاج لسنوات لتعديل حجم الإنتاج في اتجاه الرفع أو الخفض، والآن نشهد انخفاضا تدريجيا للإنتاج في الحقول العاملة.

النفط الصخري كعامل استقرار
الانهيار في أسعار النفط خلال العامين الماضيين ينسجم مع هذا المنطق. بعد 20 سنة من العجز في كميات النفط، أدت العديد من الأحداث المتداخلة إلى ظهور فائض كبير: إستئناف الإنتاج في العراق، رفع الحظر المفروض على إيران، طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة وتباطؤ الاقتصاد الصيني. أحد هذه الأحداث لم يؤثر فقط على الوضع الحالي، ولكنه تسبب أيضا في إحداث تغيير جذري في بنية السوق، وكانت نتائجه مماثلة لتقطيع أوصال "ستاندرد أويل" أو تشكيل "أوبك".

الحديث يدور عن النفط الصخري. فمنذ العام 2011 وحتى العام 2015، زاد إنتاج حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة بمقدار 4 ملايين برميل يوميا. وهذا نفط مكلف نسبيا. التكلفة الإجمالية لإنتاجه من 40 إلى 70 دولارا للبرميل، ولكن التكلفة تتراجع بشكل مستمر بفضل تأثير المنافسة والابتكار التكنولوجي. من 2007 إلى 2014، ارتفعت فاعلية جهاز الحفر بمقياس قدرته الانتاجية للنفط الخام، بنسبة 30٪ سنويا.

البنية التحتية المتطورة وكفاءة السوق المالي، تخفض بشكل ملحوظ  الدورات الاستثمارية للنفط الصخري. فالفترة منذ اتخاذ قرار بدء العمل وحتى الظهور الفعلي للنفط في الأسواق، لا تزيد عن بضعة أشهر، وأحيانا لا تتجاوز عدة أسابيع. الحد الأدنى لحجم المشروع – بئر واحد، تقدر ببضعة ملايين من الدولارات. وحجم الإنتاج من رواسب النفط الصخري، ينمو بسرعة، ولكنه يتناقص أيضا بسرعة في ظل غياب الاستثمار. إنتاج  البئر العادي يهبط بنسبة 75٪ خلال السنة الأولى من التشغيل. وبهذا، يتضح أن الفارق الأهم للنفط الصخري الأمريكي، هو سرعة تأثر حجم الإنتاج، بنمو أو انخفاض الأسعار.

فعند سعر أعلى من 60-70 دولارا للبرميل، يبدأ عمل أكبر عدد ممكن من منصات الحفر، والإنتاج يتزايد بسرعة. وعند انخفاض السعر دون 60 دولارا، يقل عدد منصات الحفر، ويتم ضبط حجم الإنتاج بالإنخفاض الطبيعي لعدد الآبار الناشئة، حتى دون إغلاق الآبار الحالية العاملة. مثال على هذا، ما حدث من انخفاض للأسعار في مارس/آذار 2016، وأدى إلى انخفاض حجم الإنتاج بنسبة 0.6 مليون برميل مقارنة بذروة فصل صيف عام 2015. وفي الوقت نفسه، يشهد السوق ليس فقط انخفاض الإنتاج، ولكن أيضا انخفاض نشاط الحفر، أي أنه قادر على عمل حساب النقص المتوقع في الإنتاج المستقبلي. ديناميات النفط الصخري في الولايات المتحدة، تفسر بقاء الأسعار عند حد 30 إلى 40 دولارا في الربع الأول من عام 2016، بدلا من سقوطها إلى مستوى 10-20 دولارا للبرميل.

النفط الصخري يقلل من إمكانيات أوبك. فمحاولة أوبك خفض الانتاج ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وإلى عودة شركات النفط الصخري بسرعة لاحتلال الأماكن المتروكة والشاغرة، وسيعود السعر إلى مستوياته السابقة. إغراق الأسواق من قبل أوبك، سيؤدي لانخفاض السعر وربما حتى لإفلاسات كبيرة في أوساط منتجي النفط الصخري، ولكنه لن يقلل من قدرة ودائع النفط الصخري في الولايات المتحدة. ففور استقرار الأسعار، سيتم ضخ أصول النفط الصخري بسرعة في عملية الإنتاج.

الاحتياطيات المؤكدة من النفط الصخري لدى الولايات المتحدة، تبلغ حوالي 50 مليار برميل، ما يسمح بانتاج 3 إلى 5 ملايين برميل يوميا مدة 20-30 سنة. وخلال هذه الفترة، ستستمر التكنولوجيات في هذه السوق التنافسية بالتحسن، وستقل التكلفة وستزداد الاحتياطيات القابلة للاستخراج. في السوق العالمية سيظهر مانع ممتاز للتقلبات المؤثرة، بقدرة تبلغ 5٪ من السوق، وهي أكبر بعدة مرات من الحجم العادي المتسبب باختلال سعر النفط.

غير مكلف ومتوازن
ماذا يعني هذا بالنسبة لروسيا؟ السعر من 30-40 دولارا، الذي شهدنا منذ بداية العام، يحافظ على معدلاته على خلفية زيادة العرض المستمر. خلال عام ونصف العام، سيزيد الطلب المتنامي عن العرض، والسعر سيرتفع حتما، في حال لم تحدث أي صدمات جديدة، مثل بداية الركود في الولايات المتحدة أو الصين.

قيمة الربح الصافي التي تحدد السعر العالمي للنفط، ترتبط الآن بالنفط الصخري، الذي يستجيب بسرعة لتغير السعر بتغيير حجم الإنتاج. ولذلك، فإن مجال التقلبات في أسعار النفط سينحصر من معدلات 10-140 دولارا الذي شهدناه في نهاية السبعينات، إلى معدلات 30-70 دولارا للبرميل، وسيعتمد هذا الأمر على تكلفة انتاج النفط الصخري.

الحد من تقلب أسعار النفط -على الأرجح- يعتبر خبرا جيدا لروسيا، خاصة وأن أكثر من نصف ميزانية هذا البلد يعتمد على عائدات النفط. سيصبح بإمكان الدولة والشركات وحتى المواطنين العاديين، وضع الخطط بشكل أكثر وضوحا. ومع ذلك، فإن التحسين المستمر لكفاءة إنتاج النفط الصخري، سيحرك بشكل مستمر النطاق السعري إلى الأسفل. هذا يعني أنه في المستقبل المنظور، ستنعدم الجدوى الاقتصادية لتطوير مشاريع الجرف القطبي الشمالي والمشاريع في سيبيريا الشرقية المكلفة، وسيتم التركيز على تحسين كفاءة الحقول القائمة وتعزيز الهيكل التنافسي للصناعة.

لن يكون هناك توجه تصاعدي جديد للأسعار، حتى في حال وجود نقص بمقدار 1-2 مليون برميل يوميا، الأمر المستبعد في حد ذاته. ومن أجل انتزاع السوق من قبضة النفط الصخري، وتجاوز نطاق 30-70 دولار للبرميل، لا بد من وقوع أحداث أقوى من الصدمات الإعتيادية للطلب أو العرض، مثل: حرب واسعة النطاق في منطقة الخليج، تطور ملحوظ في كفاءة البطاريات الكهربائية، أو نشوب صراع بين الصين والولايات المتحدة. ويجدر الذكر أنه لا أحد في مأمن من عواقب مثل هذه الأحداث.