لماذا تسعى ألمانيا لإعادة روسيا إلى "مجموعة السبع"
انتهى اجتماع وزراء خارجية "مجموعة السبع" الأخير في اليابان، بالعرض المأساوي الذي نظمته اليابان لمدينة هيروشيما، الذي استهدفت من خلاله جذب انتباه المجتمع الدولي. على هذه الخلفية، ظلت دعوة ألمانيا الى اتخاذ قرار بشأن كيفية إعادة روسيا إلى "مجموعة الثماني" غير مسموعة. موقف ألمانيا هذا، ليس رغبة جديدة سافرة، بل هو مطلب تصّر عليه، منذ استبعاد روسيا من المجموعة الإقتصادية في العام 2014، بسبب الأزمة التي اندلعت في أوكرانيا. ألمانيا لسنتين على التوالي، تحاول إعادة القمة السباعية إلى شكلها الثماني بمشاركة موسكو.
من أجل الضغط على روسيا بشأن القضية الأوكرانية، عقد "الشركاء السباعيون" في لاهاي إجتماعا صغيرا طارئا، اتفقوا فيه على عدم المشاركة في قمة الثمانية التي كان من المقرر عقدها في يونيو/حزيران 2014 في مدينة سوتشي الروسية. وفي ظل عدم حضور أي من الدول الى القمة، اتضح ان روسيا "طردت" من المجموعة. ومنذ ذلك الحين، روسيا "مستبعدة" من نادي الثمانية الكبار، فلماذا تسعى ألمانيا باستمرار لإعادتها؟
بالنظر إلى ألمانيا، والضغط الذي تشهده بسبب الركود الاقتصادي وأزمة اللاجئين، بالإضافة إلى زيادة ضغط قطاع الأعمال الألماني والأوروبي، المنهك جراء العقوبات الروسية، ونمو شعبية الجماعات المناهضة لفكرة الوحدة الأوروبية، يتضح أنها مجبرة على تحسين محيطها الخارجي، وخاصة - العلاقات مع روسيا. العقوبات الروسية الغربية المتبادلة، والتي تسببت بها الأزمة الأوكرانية، أسفرت عن خسائر ملحوظة للجانبين. في هذا الصدد، ألمانيا ليس وحدها، ولكن أيضا العديد من الدول الأوروبية، مستعدون لتخفيف حدة العلاقات مع روسيا، فضلا عن رفع العقوبات المفروضة عليها. وبالإضافة إلى ذلك، تطورات قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، تبرز حاجة -ليس فقط ألمانيا، بل وأوروبا كلها- لروسيا، خاصة في ظل ضرورة التعاون في هذه المساحة الواسعة.
ومع ذلك، بكونها حليفا "قديما" للولايات المتحدة، ولأنها تعتمد بشكل مفرط عليها في الدفاع، وتتبع "نصائحها" في المسألة الأوكرانية والعديد من القضايا الإقليمية الأخرى، ألمانيا مضطرة للاتفاق على موقفها مع الولايات المتحدة، وهي غير قادرة على إقناع واشنطن بضرورة تحسين العلاقات مع روسيا. ذلك أن عودة روسيا إلى منصة "المجموعة"، يمكن أن يحقق دفء العلاقات الروسية-الأوروبية، وسيكون مفيدا أيضا لتنسيق المصالح والخلافات بين أوروبا وروسيا، الأمر الذي لا تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه في الوقت الراهن.
في الوقت نفسه، ألمانيا تدرك جيدا أنه من غير المنطقي والممكن الإستغناء في عالم اليوم، عن روسيا في معالجة العديد من القضايا الساخنة. وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير، ذكر هذا بصراحة "من الواضح أنه لا يمكن حل أي صراع دولي جاد دون مشاركة روسيا، هذا العام نحن (G7) سنراقب، هل روسيا دائما ستتبع هذا الدور البناء، ومن ثم سنناقش متى وكيف ستعود إلى مجموعة الثماني".
لم يكن من الممكن التوصل إلى العديد من الحلول والإنجازات في الصراعات الساخنة أو القضايا ذات التأثير العميق على الوضع الدولي، دون التفاعل مع روسيا، وقف إطلاق النار في أوكرانيا، القضية النووية الايرانية، محادثات السلام في سوريا، والكفاح المشترك ضد الإرهاب الدولي، كل هذه القضايا تمت أو تتم معالجتها بمشاركة مباشرة من روسيا. العملية العسكرية الروسية السريعة والحازمة في سوريا، غيرت موازين القوى في المنطقة، وأظهرت مدى قوة وضرورة الدعم الاستراتيجي الروسي في الشرق الأوسط، وأوضحت مدى تأثير روسيا كقوة على حل الصراعات الدولية.
ليس فقط ألمانيا تدرك هذا الأمر، الولايات المتحدة أيضا مضطرة للإعتراف بالأهمية الروسية الآن. ورغم جمود العلاقات الروسية الأمريكية بسبب الأزمة الأوكرانية، إلا أن واشنطن تدرك ضرورة الحوار المنتظم، من أجل التوصل إلى حلول وسط للقضايا الإستراتيجية على المستوى العالمي.
عامل رئيسي مهم آخر، هو فقدان "مجموعة السبع" تدريجيا لنفوذها التوجيهي بشأن النظام الدولي. "مجموعة السبع" في حد ذاتها، لا تملك الانفتاح والشمولية المطلوبين، وهي فعليا عادت إلى نموذج "النادي المغلق" القديم. وصحيفة "هاندلسبلات" الألمانية، أطلقت على هذه المجموعة وصف "الأشخاص السبعة العاجزين."
ولهذا السبب تسعى ألمانيا لإعادة روسيا إلى المجموعة، ليس فقط لتعزيز دفء العلاقات الروسية-الأوروبية، ولكن أيضا لاستكمال تنسيق التوجهات السياسية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا حول العديد من القضايا الساخنة، التي يمكن أن تعزز نفوذ "مجموعة الثماني" عالميا. فيما يتعلق بمدى رغبة روسيا في العودة إلى المجموعة، موسكو مستعدة للنظر في الأمر فقط في ظل وجود حافز قوي. وجهة النظر الروسية حول هذا الأمر أوضحها بما لا يقبل الشك، الرئيس فلاديمير بوتين حين قال في العام 2015: "روسيا ليس لديها علاقات مع مجموعة السبع، هذا نادي مصالح".