الجزائر والمغرب في مواجهة الإرهاب

04.08.2016

تعيش منطقة المغرب العربي وبلدان الساحل الإفريقي، في ظل تصاعد مخيف لتهديدات التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة العابرة للحدود، لا سيما منذ سقوط نظام العقيد القذافي في سنة 2011، وتحول ليبيا إلى بلد مصدر للإرهاب بحكم غياب الدولة، وسيطرة الميلشيات المسلحة على أجزاء كبيرة من التراب الليبي .

وبرغم أن الإرهاب يشكل تهديداً مباشراً للبلدان المغاربية كافة من دون استثناء، فإن أهم بلدين في منطقة الشمال الإفريقي، أي الجزائر والمغرب، إفتقدا إلى استراتيجية واضحة للتنسيق الأمني في مواجهة الحركات المتطرفة. ضمن هذا السياق جاءت زيارة المبعوث الخاص للملك المغربي محمد السادس، ناصر بوريطة، الذي يشغل منصب الوزير المنتدب للشؤون الخارجية، يرافقه مدير الاستخبارات المغربية، إلى الجزائر منتصف تموز الجاري، لتشكل منعطفاً انفراجياً في مسيرة العلاقات بين البلدين، على الأقل فيما يتعلق بملف الأمن المتردي في منطقة المغرب العربي والساحل الصحراوي، والتي بيّنت تحقيقات أجهزة الأمن الجزائرية تورط جماعات مغربية فيها.

وتأتي زيارة الوفد المغربي للجزائر لتحقيق هدفين. الأول يتمثل بتخفيف حدة انزعاج الجزائر من الموقف المغربي الرسمي من قضايا الجزائر الداخلية، على غرار أحداث غرداية قبل عامين. والثاني بطلب المغرب من الجزائر تكثيف التعاون الأمني معه على خلفية إبلاغ السلطات الجزائرية نظيرتها المغربية، بقيام عدد كبير من الرعايا المغاربة بالتسلل بطريقة غير قانونية إلى الجزائر للعبور باتجاه ليبيا بزعم العمل. علماً أنها أشارت إلى تخوّفها من أن يكون عدد منهم بصدد الالتحاق بتنظيم "داعش" الذي يتمركز في عدد من المدن الليبية، تحديداً في منطقة الشرق الليبي. وقد أطلعت أجهزة الأمن الجزائرية المغرب على معلومات تفيد بوجود خلايا نائمة لمتطرفين فوق أراضـيه، تقوم بتجنيد وإرسال مقاتلين إلى ليـبيا، مستغلة في ذلك سهـولة التنقل جوًا عبر الجزائر برحلات للخطوط الجوية الليبية، التي قررت السلطات الجزائرية تعليقها بعدما لمست عدم تجاوب من المغرب بهـذا الشأن.

وكانت السلطات المغربية محل انتقاد لاذع من جانب الاتحاد الأوروبي، لا سيما إسبانيا التي تحوز على قوائم بأسماء إرهابيين في «داعش» يحملون الجنسية الإسبانية من أصول مغربية، ناهيك عن اللوم الذي تلقته السلطات المغربية من بلجيكا وفرنسا إثر الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العام الماضي كلاً من باريس وبروكسل موقعة مئات القتلى والجرحى. وضمن هذا المنظور، يأتي الحضور اللافت لمدير الاستخبارات المغربية (الإدارة العامة للدراسات والمستندات)، ياسين المنصوري، ليؤكد الطابع الأمني لهذه الزيارة، في ظل العمليات الأمنية والعسكرية التي يقوم بها الجيش الجزائري في جنوب البلاد.

الحرص المغربي على تكثيف التنسيق الاستخباراتي من أجل مكافحة التنظيمات الإرهابية لم يكن مقتصرا على الجارة الجزائر، بل إن الوفد المغربي الذي زار الجزائر، كان قد حط رحاله في نيجيريا من قبل، واستُقبل من طرف رئيسها محمد بوخاري. وقد عكست الزيارة حينها القلق المغربي المتنامي إزاء تمدد نشاط جماعة "بوكو حرام" في غرب إفريقيا، وتأكد علاقتها الوثيقة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فضلاً عن جماعة "المرابطون" الناشطة في مالي والنيجر وموريتانيا وليبيا والجزائر، وهي التي ما زالت تحصل على أسلحة وذخائر من ليبيا. علماً أن العديد من التقاريرالأمنية الليبية والمغربية تفيد بوجود 5000 مقاتل من تنظيم "داعش" في ليبيا، وبأن العشرات من هؤلاء عادوا إلى بلدانهم، تونس والمغرب والجزائر ومالي تحديداً، ويخططون لتنفيذ اعتداءات إرهابية ضد أهداف ومنشآت هناك.

وتتخوّف الولايات المتحدة من أن تستغل التنظيمات المتطرفة الخلافات الراهنة بين الجزائر والمغرب لصالحها، ولهذا فهي تضغط على السلطات في البلدين لجهة أن إغلاق الحدود البرية بينهما لا يُفترض أن يحجب حقيقة وجود نشاط إرهابي في المنطقة، نظراً لأرجحية وجود تحالفات بين المجموعات الإرهابية وشبكات تهريب للمخدرات والبشر تنشط بين البلدين.

إن ظروف "الحرب الكونية على الإرهاب"، إضافة إلى وجود مخاطر أمنية مشتركة تهدد أمن المغرب والجزائر، لا سيما على مستوى أمن الحدود، فضلاً عما تفرضه الاتفاقات الدولية التي تربطهما بدول أخرى في إطار مكافحة الإرهاب الدولي، وفي صدارتها الولايات المتحدة، دفعت البلدين المغاربيين الكبيرين إلى تجاوز الخلافات الحادة بينهما، واعتماد سياسة عقلانية تهدف إلى إنتاج شكل من أشكال التعاون الإقليمي بينهما. علماً أن هذا التنسيق قائم في ملفات أخرى، أهمها ذاك الذي تقوم به لجـــنة مختصة بملاحقة الخلايا التي تعمل على تجنيد جهاديين للقتال في سوريا، بالتعاون مع دول غربية مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا، وتبادل المعــلومات معها بخصوص نشاط الشبكات الإرهابية الدولية التي تضم مواطنين أوروبيين من أصول مغاربية.

جريدة "السفير"