لهذا السبب شنت تركيا عملياتها في سوريا
العلاقات بين أنقرة وموسكو وواشنطن يمكن أن تحدد نهاية اللعبة في سوريا.
شنت تركيا يوم 24 اغسطس، عملية عسكرية حمل اسم "درع الفرات"، ضد تنظيم "داعش" في بلدة جرابلس شمال سوريا. شارك مسلحون من "الجيش السوري الحر" أيضا في العملية. وتعتبر هذه العملية المرة الأولى منذ بداية الحرب الأهلية السورية التي يتحرك فيها الجيش التركي داخل الأراضي السورية.
كان للحرب الأهلية في سوريا تداعيات خطيرة بالنسبة للكثيرين في المنطقة، وحتى الآن كانت الجماعة الوحيدة التي يمكن اعتبارها فائزة بشكل واضح هي مجموعة الأكراد السوريين. على الرغم من أن الأكراد يشكلون 10 في المائة فقط من سكان سوريا، فقد استطاع حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو مجموعة كردية فرعية من حزب العمال الكردستاني، السيطرة على ما يقرب من 20 في المائة من الأراضي السورية.
من خلال جناحه العسكري المسلح، وحدات حماية الشعب الكردية، أراد حزب الاتحاد الديمقراطي توسيع المنطقة الخاضعة لسيطرته بهدف توحيد منطقة عفرين، وهي منطقة الحكم الذاتي التي يسيطر عليها في شمال غرب سوريا، مع المناطق المجاورة الأخرى، وذلك بدعم من الولايات المتحدة وحلفائه الأوروبيين. ومن شأن هذه الخطوة لو حدثت أن تسرع بتفتيت سوريا، وتقرب الهدف الاستراتيجي لحزب الاتحاد الديمقراطي بالسيطرة على الممر الذي يحقق له الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. ومن شأن مثل هذا الممر أن يساعد بالحفاظ على آفاق دولة كردية على قيد الحياة.
في يوليو/تموز، مع الأخذ بعين الاعتبار هدف حزب الاتحاد الديمقراطي باتمام السيطرة على الممر، استولت وحدات حماية الشعب الكردية على مدينة منبج، وبقيت مدينتا جرابلس والباب كأكبر العقبات المتبقية في طريق إنشاء هذا الممر. هذا الوضع قاد تركيا إلى إرسال دباباتها عبر الحدود. وقررت تركيا الانتهاء من قضية الممر باعتباره يشكل تهديدا لسلامة أراضيها وأخذت السيطرة على مدينة جرابلس من الدولة الإسلامية قبل أن تسنح الفرصة لوحدات حماية الشعب بتحقيق ذلك.
قبل أن تنتقل تركيا نحو جرابلس، قصفت القوات الحكومية السورية مواقع وحدات الحماية الشعبية حول مدينة الحسكة، مشيرة إلى أن دمشق لن تقبل بإنشاء دولة كردية، لإن إنشاء دولة كردية يفتح الطريق لتفكيك سوريا.
إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن دمشق محمية من قبل موسكو وأن العلاقات الروسية التركية آخذة في التحسن، يمكننا القول أن الأنشطة العسكرية التركية الأخيرة في سوريا هي نتيجة للتقارب التركي-الروسي الأخير.
لقد كانت القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في سانت بطرسبرغ نقطة تحول في هذا الصدد. فبعد القمة، تحاول روسيا وتركيا إيجاد أرضية مشتركة من أجل حل الأزمة السورية من خلال اتفاق ضمني تقوم موسكو بموجبه بتقليل دعمها للأكراد في سوريا في مقابل تخلي أنقرة عن محاولاتها بالاطاحة بالنظام السوري والرئيس بشار الأسد.
بعد القمة اتفق الطرفان على تشكيل آلية عسكرية واستخباراتية مشتركة لتنسيق أنشطتهما في سوريا. ونظرا لهذه التطورات فإنه من الصعب الافتراض بأن تصرفات النظام الأخيرة ضد وحدات حماية الشعب وتحركات تركيا في سوريا قد تمت من دون موافقة موسكو.
ومع ذلك، أعربت كل من موسكو ودمشق عن القلق فقط بعد نجاح تركيا بدخول جرابلس. لا يمكن أن نتوقع أي نوع آخر من ردود الفعل الرسمية في هذه اللحظة. رسميا، على الأسد الدفاع عن حدود بلاده، والتقارب التركي-الروسي هو عملية مستمرة نتيجتها ليست واضحة.
في الوقت الراهن، يمكن أن تكون النتيجة الإيجابية لأنقرة وموسكو هي التالية: بعد القضاء على كل من داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي في منطقة غرب الفرات، يمكن أن تغادر تركيا والجيش السوري الحر الأراضي وتتركها للنظام في دمشق، مع ضمانة الأمن لعملية إعادة المهاجرين السوريين في تركيا. في مقابل هذا يمكن لروسيا اتخاذ الترتيبات اللازمة لإلغاء عفرين كمنطقة يسيطر عليها الأكراد وإعادتها للنظام.
وهناك أيضا احتمالا آخر، وهذا السيناريو سلبي وأقل احتمالا حيث تقوم بموجبه القوات التركية داخل سوريا بتشجيع الجيش الحر ضد النظام، أو أن تقوم روسيا بتسريع دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي على أمل أن يحول أكراد سوريا ولائهم من واشنطن إلى موسكو.
هنا تشكل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا العامل الأهم في تحديد التطورات المستقبلية. رسميا تدعم الولايات المتحدة العملية التركية في شمال سوريا نظرا لأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وجزء من التحالف ضد داعش.
العلاقات التركية الأمريكية هي أيضا ليست في أفضل حال والولايات المتحدة ليس لديها أدوات قوية لوقف العملية. كان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في أنقرة عندما عبرت الدبابات التركية الحدود وانتقد علانية حزب الاتحاد الديمقراطي، ودعا قوات حماية الشعب إلى التراجع. واشنطن لا يمكن أن تعرض علاقتها للخطر مع أنقرة، ولكنها لا يمكن أن تخون كليا حزب الاتحاد الديمقراطي، القوة الرئيسية التي تعتمد عليها في سوريا.
تركيا، من جانبها، تبحث عن سياسة خارجية جديدة. يجري استبدال العثمانية الجديدة المغامرة، والتي كانت غير ناجحة من قبل المحافظين الجدد الكماليين بسياسة تركز على المصالح الوطنية وتحترم سلامة أراضي الدول المجاورة لتركيا.
ومع ذلك، فإن التحركات التركية تعتمد على عدد من العوامل الخارجية - العلاقات مع روسيا، والعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وليس فقط في سوريا، ولكن أيضا في أوكرانيا، وسياسات كل من واشنطن وموسكو بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي.
لأول مرة في تاريخ الصراع السوري فإن الولايات المتحدة وروسيا وتركيا تتجه نحو نهاية اللعبة في سوريا، ومصير هذا البلد - فضلا عن الدور المستقبلي لأنقرة في الجغرافيا السياسية - سوف يعتمد على العلاقات بين ثلاث دول.
المسألة الكردية أمر بالغ الأهمية لم يسبق له مثيل بالنسبة لتركيا وهذا هو السبب في أنه ليس من الصعب التكهن بأن الذي يدعم الموقف التركي بشأن حزب العمال الكردستاني الآن أكثر، سيكون لديه أفضل العلاقات مع أنقرة.