كيف نجت الممالك الشرق أوسطية من "الربيع العربي"

04.08.2016

يشير مصطلح (المجتمع) إلى نتائج إيجابية في الشؤون الدولية. وكما يدعم المجتمع الدولي الأهداف الإنسانية، فإنه يتعارض مع جرائم الحرب، كما أن المجتمعات المعرفية تتبادل المعلومات والأفكار عن القضايا الشائعة مثل تغير المناخ. مجتمعات الأمن، ونشر السلام وردع العدوان. والمجتمعات الديمقراطية تبتكر أفضل الممارسات للحكم وحقوق الإنسان والدفاع عنها. ولكن الطغاة لديهم مجتمعات، أيضًا.

"الربيع العربي" وما بعده
الدول الاستبدادية يمكن أن تتكاتف معًا وتتبادل الأفكار، وتعمم الإستراتيجيات، وتلتصق بالهوية الجماعية بالطرق التي تحاكي الديمقراطيات.

يظهر ذلك جليًّا في الشرق الأوسط  ما بعد الربيع العربي. منذ 2011-2012، كان هناك تقارب غير مسبوق في السياسة لدى ثماني ممالك عربية (المغرب، الأردن، المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، سلطنة عمان، دولة الإمارات العربية المتحدة). عانت هذه الدول اضطرابات أقل بكثير من جمهوريات مثل مصر وتونس، ولكن مواطنيها لم يكونوا أقل طلبًا للتغيير السياسي.

في رد فعل، تواصلت هذه الأنظمة الثمانية الاستبدادية. وبينما كانت الأنظمة تحت الحصار من قبل القوى الثورية خلال الربيع العربي، استجابت تلك الممالك بشكل جماعي. وقد ظهرت هذه الاستجابات في السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء، من أشكال جديدة من القمع والطائفية، وقمع وسائل الإعلام، والتوسيع المحتمل لمجلس التعاون الخليجي.

تعالت دعوات الإسقاط في شوارع العديد من البلدان خلال الربيع العربي، والممالك أيضًا شهدت دعوات شعبية لإقامة "ملكية دستورية". ما ذكّر الملكيات ذات الحكم المطلق، بأنه خلافا للملكيات الحاكمة الأخرى في جميع أنحاء العالم، والتي كانت قد سقطت أو انتقلت إلى الديمقراطية، فإن الأنظمة الملكية العربية ما تزال تتمسك بالسلطة استنادًا إلى فكرة قديمة للشرعية. شعرت هذه الممالك بأنها محاصرة من قبل التاريخ بطريقة لا يفهمها الطغاة الجمهوريون. الأنظمة الاستبدادية موجودة في كل مكان في العالم، ولكن خارج الشرق الأوسط، تبقى سوازيلاند وبروناي ملكيات حاكمة.

مجلس التعاون الخليجي يتسع لممالك غير خليجية
هذا الخوف الوجودي لم يجعل القصور الملكية تتحول إلى الداخل. على العكس من ذلك، عممت الأفكار القديمة والجديدة كما لم يحدث من قبل. لم تكن هويتهم الجماعية حول العروبة، بل حول الملكية. وبحلول فبراير/شباط 2011، عندما انهارت ديكتاتورية مبارك في مصر، لاحظ مراقبون ارتفاعًا ملحوظًا في الاتصالات بين الملكيات. ولم تشمل هذه الاتصالات فقط الاتصالات بين الملوك، ولكن أيضًا على مستوى أقل بين وزراء الحكومة، وكبار الأمراء والمبعوثين.

على سبيل المثال، جمعت القمم المتكررة وزراء خارجية يمثلون فقط هذه الممالك الثمانية. والجدير بالذكر، أن الملكيات لم تستخدم الجامعة العربية، وهي المنظمة المكلفة بتنسيق الشؤون الإقليمية، للاقتراب من بعضها البعض. بل فعلت ذلك بشكل حصري بين الملكيات، باستخدام القنوات الدبلوماسية، وأيضًا الشبكات العائلية الرسمية في العقود الماضية التي نتجت بفعل التزاوج الملكي، والصداقات والمشاريع التجارية.

تضمنت ثمار هذه الاتصالات مبادرات سياسية جديدة للمساعدة في الحفاظ على القلعة المحاصرة بميولهم الملكية العربية. في فبراير/شباط 2011، قادت المملكة العربية السعودية الضغوط لتحويل دول مجلس التعاون الخليجي، إلى "ناد أكبر للملكيات"، يشمل المغرب، والأردن كأعضاء جدد.

ورأى التقرير أنه من حيث الواقعية البحتة، لا يعني ذلك الكثير بالنسبة لمنطقة الخليج الغنية بالنفط، نظرًا لضعف القوات المسلحة المغربية والأردنية، وكذلك اقتصادهما الأكثر فقرًا وحاجتهما إلى مزيد من المساعدات.

كونهما حليفين إستراتيجيين وحده أيضًا لا يمكن أن يفسر هذا. فاليمن الموالي للسعودية سعى منذ فترة طويلة للانضمام لمجلس التعاون الخليجي، ولكن حتى في ذروة ثورته في العام 2011، لم تتحرك أي من دول الخليج إلى إعطاء النظام اليمني العضوية لإنقاذه.

يؤخذ في الاعتبار المنطق الجغرافي المقلوب هنا، فبدلًا من إضافة دولة خليجية أخرى لمجلس التعاون الخليجي، سارع قادة الملكيات لإدراج بلدين غير خليجيين. القاسم المشترك؟ الميول الملكية.

في نهاية المطاف، دول مجلس التعاون الخليجي لم تتوسع، ولكن لسبب مذهل: بعض الممالك الخليجية الأصغر، مثل الكويت، أبدت مخاوف من انتشار الانتفاضات شعبية من المغرب والأردن إلى الخليج. على كل الأحوال، قدمت ممالك الخليج الغنية للأردن والمغرب جميع مزايا العضوية، والاستثمار بعدة مليارات من الدولارات من خلال المساعدات والصفقات منذ عام 2011.

الشرطة الملكية العابرة للحدود
كما أن مظهرًا آخر من مظاهر الطائفية الحاكمة تكشف في السياسة الداخلية، مع ممارسة سياسات "الشرطة العابرة للحدود"، والتي من خلالها خنقت الحكومات المالكة المنتقدين للممالك العربية الأخرى.

منذ عام 2012، كانت هناك عشرات الحالات لممارسات الشرطة العابرة للحدود. ألقي القبض على مسؤول الإخوان المسلمين الأردني زكي بن أرشيد، وحكم عليه بالسجن لمدة سنة بعد نشره انتقادات لدولة الإمارات العربية المتحدة في "فيسبوك". في الكويت، تم اعتقال البرلمانيين الذين انتقدوا سياسات المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات. في البحرين، يتم التعامل مع منتقدي المملكة العربية السعودية بطريقة أسوأ من أعداء نظام خليفة الملكي.

وقد نفذت هذه الممارسات الأمنية بفضل اتفاق غير معروف تم التوصل إليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، يحمل اسم الاتفاقية الأمنية المشتركة، التي تغطي ممالك الخليج، كما أن المغرب والأردن صادقتا عليها أيضًا. وتدعو الاتفاقية الأمنية المشتركة الموقعين إلى قمع أي مواطن يهدد الشؤون الداخلية للممالك الأخرى، ما يجعل الأمر غير آمن بشكل ملحوظ لأي شخص يعيش في ظل هذه الأنظمة الملكية لانتقاد أي ملكية عربية أخرى. وعلاوة على ذلك، مررت العديد من الحكومات المالكة أيضًا قوانين جديدة لـ"مكافحة الإرهاب" منذ عام 2012.

التغاضي عن الخلافات من أجل المصلحة المشتركة
ولكن يبقى أن نقول إن تبادل الهوية الجماعية لا يعني القضاء على جميع الخلافات بين الأعضاء. كما لا يعني التوحد السياسي، أو نهاية المنافسات التاريخية. لا يعني ذلك حل الرموز والتراث الموجود من قبل، مثل الهويات القبلية أو الوطنية. فالهويات طيعةٌ وتتسم طبيعة التفاعل بينها بالتنافس. ووجود هوية لا يحول دون وجود أخرى.

وهكذا، حتى داخل هذا الإطار الجديد للملكية، يمكن للخلافات والمشاحنات أن تنتشر بالطرق التي تعارض تعدديتها. تتنافس المملكة العربية السعودية وقطر على أي فصيل يتم دعمه في مصر، على سبيل المثال، ولكن هذا لم يمنعها من التعاون في قضايا أخرى. المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة بالمثل لم يصلا إلى حلول بشأن المطالبات المتنافسة على المياه الساحلية المشتركة،  لكنهما لا تزالان تتعاونان في المسائل الأمنية.

ستعتمد وجهة هذا المجتمع الملكي الجديد على الأحداث الإقليمية. نظرًا لطبيعتها غير الرسمية، ستضعف فترات طويلة من الاستقرار والسلام هذه الهوية. وعكسيًّا، ستعزز موجة أخرى من الانتفاضات الإقليمية هذه الهوية، ما سيقود هذه الممالك للتقارب بين بعضها البعض. ولكن بالتأكيد، هذا المجتمع سيحقق شيئا، وهذا إرث للربيع العربي لا يمكن إنكاره.

"واشنطن بوست"