خطط السعودية لعلاج "إدمان" النفط.. واقع أم أوهام؟
وصف السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية في العام 1984، هذا البلد بثلاث كلمات تبدأ بالحرف "آي" باللغة الانكليزية - الإسلام، الانعزال، وعدم الكفاءة. ولم يتغير الكثير منذ ذلك الوقت، فالإسلام لا يزال بالتأكيد السمة السائدة في البلاد، ورغم تأثير شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على الجيل الشاب، الذي يعي جيداً ما يجري في العالم، تبقي أغلبية السكان محافظين وانعزاليين بصورة عامة. أما بالنسبة لعدم الكفاءة، فهي الآن أقل حدة، رغم أن ثلثي الكوادر السعودية العاملة هم من العمالة الوافدة، وليس من أبناء هذا البلد.
وفي ظل هذه العوامل، فاجأت الرياض العالم بإعلان خطة اقتصادية جديدة في 25 أبريل/نيسان، أُطلقت عليها اسم "رؤية عام 2030" أو "رؤية السعودية 2030". ووافق مجلس الوزراء السعودي على الفور بالموافقة على الخطة، التي بادر بها الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 30 عاماً، والذي يعتبر ممثلا لتطلعات الجيل الشاب.
وفي موقف يطرح الكثير من التساؤلات، قال محمد بن سلمان خلال مقابلة تلفزيونية "أعتقد في سنة 2020 نستطيع (السعوديون) أن نعيش بدون نفط". هذا التنبؤ يبدو غريبا، وبعيدا عن الحقيقة، على خلفية الأحداث الأخيرة. إذ دفع تراجع إيرادات النفط الحكومة السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماض،ي إلى خفض الدعم على مواد أساسية أهمها الوقود والمياه والكهرباء. وسجلت أسعار النفط تراجعاً حاداً منذ منتصف العام 2014، ما كبد المملكة خسائر بمئات مليارات الدولارات. وأعلنت السعودية عجزاً قياسياً في ميزانية العام 2015، بلغ 98 مليار دولار، وتتوقع عجزاً إضافيا بنحو 87 ملياراً هذه السنة. كما دفع انخفاض إيرادات النفط المملكة إلى الاستعانة باحتياطها من العملات الأجنبية. كما تعتزم السعودية اقتراض عشرة مليارات دولار من مصارف اجنبية، لتغطية العجز في ماليتها العامة.
مبادرة بن سلمان "الرؤية السعودية 2030" تفتقر برأي البعض إلى إمكانية الواقعية، والاختبار الحقيقي لها سيكون في التطبيق، الذي لن يكون سهلاً، لا في القطاع النفطي، شريان حياة المملكة وآل سعود، ولا في السياحة التي تتطلب تغييراً جذرياً في المفاهيم والقوانين، ولا في الجانب الصناعي الذي يتطلب تراكم مهارات وكفاءات تحتاج سنوات طويلة، ولا في الجانب الاجتماعي الذي يحتاج إلى نظم تفكير وعمل وتعليم تخالف الكثير مما هو قائم من المراكز والمؤسسات الدينية المتشددة وصولاً إلى المدارس والجامعات.
كما يمكن من المنظور ذاته النظر إلى التحديات القانونية. إذ أنه لأمر مثير للإهتمام أن يريد الأمير محمد بن سلمان جذب الاستثمار الأجنبية إلى شركة النفط الوطنية "أرامكو السعودية"، وبناء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، تصل قيمته إلى تريليوني دولار، دون حتى الأخذ بخبرة الدول المجاورة -مثل الإمارات (أبو ظبي ودبي) وقطر- في عالم الأعمال، والتي تتعامل مع المستثمرين الأجانب بنظام تسوية النزاعات التجارية على أساس القانون العام والتحكيم الدولي، بدلاً من الشريعة الإسلامية التي تهيمن على الحياة في السعودية.
وهناك تحدّيان سياسيان يلوحان في الأفق أيضاً. أولاً، سوف تكون طبقة رجال الأعمال السعوديين والتكنوقراطيين المستفيدة الرئيسية من "رؤية السعودية 2030"، وهي طبقة متعطشة للفرص التجارية. ولكن يتعيّن على العائلة المالكة تحقيق التوازن بين تأثير نخبة الأعمال وبين "سلطة العلماء" - الهيئة الدينية التي تمنح الشرعية الدينية الضرورية لبيت آل سعود. ثانياً، يُعتقد أن الأمير محمد بن سلمان لا يتمتع بدعم كلي تام داخل العائلة المالكة، التي عادة ما تتخذ قراراتها بتوافق الآراء. فبعض الأمراء يعتبرونه متهوراً وعديم الخبرة، وتراود العديد منهم مخاوف، إذ يرجح أنهم سيفقدون امتيازاتهم في تأمين شروط مواتية للصفقات التجارية - وهي الطريقة التقليدية لجمع الثروة للعائلة المالكة، ولكنها تشكل أيضاً مصدر استياء على نطاق واسع.
ومن الناحية الاقتصادية، الخطة نفسها تبدو متناقضة في اعتمادها على الخصخصة الجزئية لشركة "أرامكو السعودية" لتمويل التحوّل في منأى عن الاعتماد على النفط. فلدى المملكة اكثر من 15 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وتأتي بالمرتبة الثانية بعد فنزويلا، التي لديها تكاليف إنتاج أعلى بكثير من التكاليف السعودية. وحالياً، يرتبط ما يصل إلى 70 في المائة من الاقتصاد السعودي بالنفط.
ولجذب المستثمرين الأجانب، ستحتاج المملكة إلى التحلي أيضاً بقدر أكبر من الشفافية حول المعلومات التي تنشرها. فغالباً ما تكون الإحصاءات الرسمية محدودة، أو بعيدة عن الحقيقة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، تشير البيانات الحكومية إلى أن ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليون نسمة سعوديين والثلث من الوافدين، إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن النسبة هي عكس ذلك تمام، الأمر الذي يقوّض الأساس الذي تقوم عليه خطط الرياض المعلن عنها حول السكن والاحتياجات التعليمية.
وفي الأساس، تمثل "رؤية السعودية 2030" انفتاح المملكة العربية السعودية، ليس فقط أمام الاستثمار الأجنبي، بل أيضاً أمام الرأي العام العالمي، الذي يَعتبر معظمه أن الحظر الذي تفرضه المملكة - على قيادة النساء للسيارات، وقطع الرؤوس بصورة علنية، والجلد وفقاً لتوجيهات الدولة، وغيره من الممارسات - جديراً بالشجب والاستنكار. وقد يخشى بعض المستثمرين المحتملين الانخراط في الخطة المقترحة، بسبب سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان المثير للجدل – وهؤلاء، منتطمع الرياض باجتذابهم أكثر من غيرهم، خاصة من الغرب.
من غير المعلوم كيف سيستجيب النموذج الاقتصادي السعودي للتغيرات الجذرية المنوي تطبيقها٬ ومن الصعب توقع هذه الاستجابة قياساً على نموذج اقتصادي ـ سياسي آخر. ببساطة، لا يتحقق في دولة أخرى غير السعودية مثلاً التواجد الموازي للمطاوعة والشرطة، ولا يتوفر التجذّر القياسي لثقافة الاقتصاد الريعي. هذا نموذج أقل ما يُقال فيه إنه حرج ويحتاج إلى عناية يومية كي لا يتداعى. يريد الأمير أن يحدث تغيّرات جذرية في هذه التوليفة، لهذا يتوجّس الجميع.