جولة نتنياهو الأفريقية للالتفاف على العقبات
أنهى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو جولة هامة له في القارة السوداء أثارت الكثير من الاهتمام ليس في إسرائيل وحسب وإنما أيضاً في المنطقة العربية. وفيما حاول نتنياهو إخراج الجولة وكأنها عودة مظفرة لإسرائيل إلى أفريقيا بعد سنوات طويلة من الانقطاع عنها لاحظ إسرائيليون أنها تأتي وكأنها ردّ على التوتر في العلاقات، بسبب الاستيطان، مع كل من أميركا والاتحاد الأوروبي. وكان لافتاً غياب الموقف العربي من هذه الزيارة، رغم التاريخ الطويل من العلاقات بين العرب وأفريقيا ما أظهر وكأن الساحة تركت لإسرائيل.
والواقع أن اعتبارات كثيرة وقفت خلف جولة نتنياهو في أفريقيا وطريقة الإخراج لها. ولم يكن عابراً اتخاذ مطار عنتـيبة في أوغندا مدخلاً لهذه الزيارة نظراً للشهرة التي نالتها القوات الإســـرائيلية بعد نجاحها في اقتحام المطار قبل أربعين عاماً لتحرير رهائن كانوا على متن طائرة إير فرانس. وقد أشار هذا المدخل إلى أن ما يربط إسرائيل بالدول الست التي شارك زعماؤها في مسرحية استقباله في المطار ليس بعيداً عن مكافحة الإرهاب. وطبيعي أن الحديث عن هذا الجانب يظهر فوراً التعاون الأمني والعسكري ويُعيد إلى الأذهان المكـــانة التي حظيت بها إســـرائيل في الماضي في علاقتها مع الدول الأفريقية بوصفها وكيلاً للإمبريالية الأمـــيركية.
وبديهي أن جولة نتنـــياهو أكدت قول ماركس الشهير بأن «التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة». ومعروف أن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بلغت ذروتها في الستيــــنيات مع الدول المتحررة حديثاً من الاستعمار وفي ظل الصراع الغربي - الشرقي وبدعـــم واسع من الولايات المتحـــدة. وحينها تركز دور إسرائيل على نقل تجــــارب الإدارة وبناء الدولة والزراعة الحديثة وبناء المؤسسات الأمنية ومجابهة الشيوعية.
وقد أفلح العرب، خصوصاً في ظل حرب تشرين 1973 في إخراج إسرائيل من القارة السوداء بعد أن تعاظمت القناعة لدى دول هذه القارة بأن إسرائيل شكل جديد من أشكال الاستعمار. لكن الحال تغيّر حالياً مع ازدياد القناعة بأنه بعد معاهدات الصلح واتفاقيات أوسلو مع إسرائيل لم يعُد بالوسع عرض إسرائيل كما في الماضي. ولكن المثير للاهتمام هذه المرّة أن نتنياهو آثر إنشاء العلاقة مع الدول الأفريقية باستقلالية تامة عن الأميركيين والأوروبيين وربما ضمن منافسة معهم.
فالعلاقات الأميركية مع معظم الدول التي زارها نتنياهو متوترة لأسباب بينها ميل الأنظمة فيها للتخلي عن الديمقراطية. وعدا ذلك فإن إسرائيل تنافس الشركات الأميركية في العديد من المجالات، خصوصاً العسكرية والأمنية في أفريقيا. وتقريباً يكاد يكون انتهى الوضع الذي كانت فيه هذه الدول تطلب مساعدة إسرائيل في واشنطن. وليس مستبعداً أن الدور الإسرائيلي في بعض الدول الأفريقية يتكامل مع الدور الصيني في ظل توثيق علاقات التعاون والتنسيق بينهما.
ولكن إلى جانب كل ذلك تطلع نتنياهو إلى تحقيق أهداف أخرى من الزيارة. فهو أراد أن يثبت للإسرائيليين أنه لا يزال قادراً على نيل الاحترام من دول العالم وعلى ان هناك عالماً خارج اميركا واوروبا. والهدف هنا ليس فقط تحقيق مصالح لإسرائيل بقدر ما يتعلّق بمحاولة حفظ مكانته في ظل تزايد المنافسة له داخل معسكر اليمين وحتى ضمن حزبه. وليس صدفة أن الانتقادات وجّهت للزيارة بسبب ما اعتبره البعض تبذيراً للمال العام جراء النفقات الباهظة وتكاليف إقامة وفد وحاشية إسرائيلية كبيرة فضلاً عن النفقات الأمنية الهائلة لتأمين الجولة.
وأشار يوسي فيرتر في «هآرتس» إلى أن الأنباء السيئة لاحقت نتنياهو إلى أفريقيا في ظل ما كشف النقاب عن أنه فضيحة فساد جديدة. ولا يقلل من قيمة ذلك اتهام نتنياهو لخصومه باختراع ملفات ضده من أجل التخريب على زيارته «التاريخية» لأنهم لا يستطيعون التعالي وإدراك قيمة اللحظة الحالية. وكتب فيرتر أن «نتنياهو يجد نفسه ثانية يتخبط في سفينة ليس هو من يقودها. فميله المتعاظم على مر السنين لأن يرى نفسه أعظم قادة إسرائيل على الإطلاق ونبذ كل مَن يُصرّ على معاملته كرئيس حكومة اعتيادي لا حصانة له أمام الانتقادات، تجره أحياناً لمواقع هزلية. فقد كتب على صفحته على الفيسبوك قبل أن يهبط في عنتيبة أن «كل أفريقيا منفعلة من هذه الزيارة».
ولاحظ آخرون أن كل الزيارة تنطلق من رغبة في إظهار الذات على حساب الأفارقة المنشغلين بالبحث عن سبل تأمين حياتهم ومواجهة المشكلات العويصة التي يعانون منها. ويرى هؤلاء أن الأفارقة يصعب عليهم أن يغفروا لإسرائيل دورها في مساندة الأنظمة الاستبدادية ونظامي التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا وأن شيئاً لن يغير هذا الشعور، خصوصاً في ظل تنامي الدور المركزي لجنوب أفريقيا المتحررة من نظام التفرقة.
وكما سلف وجّه البعض انتقادات للزيارة لأنها في مضمونها عنت أن اكتشاف أفريقيا من جديد ليس سوى نوع من التعمية على بدء خسارة أميركا. وكتب المعلق العسكري للقناة العاشرة، ألون بن دافيد في «معاريف»: «صحيح أنه في عنتيبة أطلقت الرصاصات القاتلة التي وضعته في الساحة الجماهيرية قبل أربعين عاماً، لكن في أميركا تشكلت الشخصية الروحانية لبنيامين نتنياهو. وفي واشنطن وليس في بنغالي، يتم التوقيع على الشيكات لتعزيز وجودنا هنا».
جريدة "السفير"