فرنسا تحطم آمال الأمريكيين برفضها توقيع اتفاق "الشراكة الأطلسية"
لم تفض 14 جولة من المفاوضات منذ العام 2013، إلى إقرار الاتحاد الأوروبي اتفاق التبادل الحر المثير للجدل مع الولايات المتحدة، قبل نهاية عهد الرئيس الأميركي باراك اوباما، الطامح للتوصل إلى الاتفاق قبل مغادرته البيت الأبيض، ويبدو أن الجولة الجديدة التي ستعقد في نوفمبر/تشرين الثاني، قد لا تفضي أيضا لمحاصرة القوة الناعمة للصين، وتحويل العالم إلى شركة أميركية متعددة الجنسيات. وتأتي العراقيل على طريق الطموح الأميركي خصوصاً من حلف متين بين برلين وباريس، على قاعدة أن زعيميها لن يذهبا إلى التوقيع على مشروع تعارضه القاعدة الشعبية في بلديهما، وهما يتحضران إلى انتخابات، مصير كل منهما فيها على المحك.
وبعد نعي ألماني أمس الأول للمفاوضات على لسان نائب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، سيغمار غابريال، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن الحديث عن اتفاق وشيك مع واشنطن هو "مجرد وهم"، لكن وزير الدولة الفرنسي للتجارة الخارجية ماتياس فيكل حسم الجدل بأنه "لم يعد هناك دعم سياسي من قبل فرنسا لهذه المفاوضات"، لأن الأميركيين "لا يعطون شيئاً، أو يعطون الفتات فقط"، مضيفاً أن "فرنسا تطلب وقف هذه المفاوضات".
وقال هولاند أمام أعضاء السلك الديبلوماسي خلال اجتماعه السنوي الأخير معهم قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن "المناقشات الجارية حول الاتفاقية بين أوروبا والولايات المتحدة لن تؤدي إلى اتفاق قبل نهاية العام"، معتبراً ان "فرنسا تفضل أن ترى الأشياء كما هي، لا أن تتوهم بأن اتفاقاً سيبرم قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي".
وهي ليست المرة الاولى التي يطلق فيها هولاند هذا الموقف، هو المتحمس للتمايز عن الأميركيين في ظل صراع القوى الكبرى، وكذلك عن موقف سلفه نيكولا ساركوزي المرشح بقوة للانتخابات الرئاسية المقبلة. وكان هولاند قد هدد في أيار باعتراض الاتفاق أو على الأقل تعليقه، في وقت كانت صحيفة "الغارديان" قد كشفت وفق وثائق سربت عن فحوى المفاوضات، عن هوة كبيرة بين الجانبين، وخلافات "غير قابلة للحل"، تتعلق خصوصاً بحماية المستهلكين. وكانت فرنسا، وهي الجانب الأكثر شراسة خلال المفاوضات، قد توصلت إلى اتفاق باستثناء قطاعها السمعي ـ البصري من أي اتفاق، لحماية ثقافتها الفرنكوفونية.
وكان نائب المستشارة الألمانية قد قال أمس الاول إن المفاوضات مع الولايات المتحدة "أخفقت فعلياً لأن على الأوروبيين ألا يخضعوا لمطالب واشنطن"، مضيفا "لم يتم إحراز أي تقدم".
وتجري المفاوضات منذ منتصف 2013 بسرية كبيرة بين الحكومة الأميركية والمفوضية الأوروبية حول اتفاقية "الشراكة التجارية الاستثمارية عبر الأطلسي" (تافتا)، وهي تهدف الى إلغاء الحواجز التجارية والتنظيمية على جانبي المحيط الأطلسي لإقامة منطقة واسعة للتبادل الحر يفترض أن هدفها أن تسمح بإنعاش الاقتصاد، لكن المعارضين للمشروع يعتبرون انها تحول اوروبا إلى مجرد سوق مفتوحة بلا ضوابط للأميركيين، وسط الخشية من ان تؤدي الاتفاقية الى خلل في القواعد لمصلحة الشركات الكبرى. ويقول ناشطون مناهضون للاتفاقية إنها تخدم الشركات المتعددة الجنسيات فقط، وتضر بالمستهلكين.
وتشهد ألمانيا معارضة شديدة للاتفاق الذي يجري التفاوض حوله، بما في ذلك داخل الائتلاف الحكومي. وبينما يزداد عدد معارضي النص في صفوف الاشتراكيين الديموقراطيين مثل غابريال، ما زالت ميركل تدافع عن المشروع.
ووراء الكواليس، قال ديبلوماسيون إنه قد يتم تعليق المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، وقد تعلق أيضاً إلى ما بعد الانتخابات في فرنسا وألمانيا العام المقبل، علماً أن هناك انقساما بين الديموقراطيين الأميركيين حول الاتفاق، فيما تعارضه المرشحة هيلاري كلينتون.
وكانت واشنطن قد وقعت مع 11 دولة تشكل 40 في المئة من اقتصاد العالم (أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان والمكسيك وماليزيا ونيوزيلندا والبيرو وسنغافورة وفيتنام)، في فبراير/شباط الماضي، اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، الذي يسمح بإنشاء أكبر منطقة للتبادل الحر في العالم، وترى فيه واشنطن وسيلة لوضع قواعد التجارة الدولية والتصدي للقوة الصاعدة للصين، لكن الكونغرس لم يقره بعد. وقال أوباما حينها اثر توقيع الاتفاق، إنه "يسمح للولايات المتحدة لا للصين، بوضع خريطة طريق القرن الحادي والعشرين". ويأتي الاتفاق مع الأوروبيين، لو كتب له أن يحصل، مكملاً للاتفاق السابق. في هذه الأثناء، ومن قبيل المفارقات، ترحب أوروبا باتفاق الشراكة مع الكنديين، التي تعتبره الـ"انتي تافتا"، لما يقدم لها من حقوق لم يضمنها الأميركيون.