فرنسا في ليبيا.. الدعم العسكري لحفتر ما يزال مستمرًا "تحت الطاولة"

02.08.2016

دب الخلاف بين ليبيا وفرنسا، بعدما انكشف التواجد العسكري الفرنسي على الأراضي الليبية، عقب مقتل ثلاثة عسكريين فرنسيين هناك. ذلك التواجد الذي كان سريًّا، الداعم للجنرال خليفة حفتر، الذي تحدثت عنه صحيفة "لوموند" منذ شهور، يبدو أنه سيستمر في المستقبل بالرغم من تطمينات فرنسية مُعلنة.

خلاف بين فرنسا وحكومة الوفاق الليبية
"من غير الوارد إطلاقًا أن نتدخل عسكريًّا في ليبيا"، هكذا أعلن بوضوح وزير الدفاع الفرنسي لوران فابيوس، في تصريحات أدلى بها في فبراير/شباط الماضي، نافيًا فكرة التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا. وكانت فرنسا تُقر فقط بتحليق طائرتها فوق السماء الليبية لجمع المعلومات لمواجه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتنفي بشدة وجود قوات عسكرية خاصة لها في ليبيا، وبالأخص في الشرق الليبي، حيث سيطرة القوات التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر.

ولكن يوم 20 يوليو/تموز، انكشف التواجد العسكري الفرنسي على الأراضي الليبية، إذ أعلنت باريس ولأول مرة عن ذلك، عندما قال لي فول، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية: "نستطيع تأكيد وجود قوات خاصة فرنسية في ليبيا"، للمشاركة في محاربة من وصفهم بـ"الإرهابيين".

ويبدو أن باريس اضطرت لذلك؛ إذ جاء ذلك الإعلان الرسمي قبل ساعات قليلة من إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، مقتل ثلاثة جنود فرنسيين بعد تحطم طائرة هليكوبتر كانوا على متنها في بنغازي شرقي ليبيا، كانوا في مهام استخبارية "خطيرة" ضمن عمليات تكافح الإرهاب، بحسب أولاند ووزير دفاع حكومته. وأعلنت قوات مؤيدة لحفتر أن القتلى "كانوا مستشارين عسكريين لهم".

أدى ذلك الاعتراف الفرنسي بوجودها عسكريًّا في ليبيا، إلى موجات احتجاجية وتظاهرات اندلعت في مصراتة والعاصمة الليبية طرابلس، مُنددة بالتدخل العسكري الفرنسي في ليبيا، مُعتبرة إياه بمثابة "احتلال أجنبي" يستهدف دعم حفتر شرقي ليبيا، من أجل التخلص من "سرايا الدفاع عن بنغازي" تلك القوى المناوئة لحفتر شرقي ليبيا، والتي أسقطت الطائرة الفرنسية.

واتخذ ذلك التنديد منحى أكثر جدية يوم الثلاثاء الماضي، عندما استدعى فائز السراج -رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة أمميًّا- أنطوان سيفان، السفير الفرنسي في طرابلس، ليبلغه احتجاج بلاده على التواجد العسكري الفرنسي شرقي ليبيا، باعتباره "تجاوزًا للأعراف الدولية وتدخلًا مرفوضًا تمامًا" على حد وصف بيان الحكومة، الذي لفت إلى طلب السراج من سيفان توضيح رسمي من الحكومة الفرنسية لحقيقة ما حدث، أثناء لقائهما على هامش القمة العربية في موريتانيا، وأفاد البيان تعهد سيفان مجددًا بدعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني.

علامات التدخل العسكري من قبل الاعتراف به
رغم أن فرنسا تدعم بشكل مُعلن حكومة الوفاق الوطني الليبي، التي كانت من مخرجات اتفاق الصخيرات المدعوم غربيًّا وأمميًّا، ذلك الاتفاق الموقع في 17 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، بين مختلف الأطراف الليبية، والذي ينص على عدم السماح "بأي تدخل أجنبي دون موافقة ليبيا".

إلا أن ذلك لم يمنع فرنسا من تقديم الدعم العسكري السري للقوات الموالية لحفتر، والتي تُعارض حكومة الوفاق المُعترف بها دوليًّا. وقبل أول اعتراف رسمي فرنسي، عن وجود قوات عسكرية لها في ليبيا، وبالأخص في الشرق الليبي حيث سيطرة القوات الموالية لحفتر، ظهرت العديد من العلامات والتسريبات التي كشفت هذا الدور الفرنسي في دعم حفتر عسكريًّا على مدار الأسابيع والأشهر الماضية.

ففي التاسع من يوليو/تموز 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تسجيلات صوتية مُسربة، لمحادثات الخطوط الجوية في بنغازي شرقي ليبيا، كشفت عن دعم عسكري فرنسي وغربي للقوات الموالية لحفتر شرقي البلاد، بوجود غرفة عسكرية غربية بقيادة فرنسية هناك.

الفريق أول المتقاعد خليفة حفتر
وقبل شهور من الاعتراف الفرنسي الرسمي، تحديدًا في 24 فبراير/شباط الماضي، نفس الشهر الذي نفى فيه وزير الدفاع الفرنسي نفيًا قاطعًا إمكانية تدخل بلاده عسكريًّا في ليبيا، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا صحافيًّا أفاد بوجود قوات خاصة فرنسية في الشرق الليبي تُنفذ عمليات سرية، وجاء في التقرير: "إن فرنسا شرعت في القيام بضربات دقيقة، ومحدّدة للغاية، في ليبيا، وقع تحضيرها اعتمادًا على إجراءات سرية؛ بل سرية للغاية".

ودفع ذلك التقرير الصحافي، وزارة الدفاع الفرنسية لفتح تحقيقات نيابية على خلفية "شبهة إفشاء أسرار عسكرية"، وقد أثبت الاعتراف الرسمي الفرنسي صحة المعلومات الواردة في التقرير، الذي أجرته واحدة من أكبر الصحف الفرنسية.

هل يستمر التدخل الفرنسي؟
رغم التطمينات الفرنسية بشأن دعمها المعلن لحكومة الوفاق الليبية، يبدو أن التدخل العسكري "السري" الفرنسي سيظل مُستمرًا لدعم حفتر شرقي البلاد، إذ أفادت تقارير صحافية، بالاستعانة بمصادر سابقة وحالية من وزارة الدفاع الفرنسية، بوجود خلاف بين وزارتي الدفاع، والخارجية الفرنسية بشأن الموقف الفرنسي تجاه ليبيا.

ووفقًا لتلك التقارير، فإن وزارة الدفاع الفرنسية تميل إلى التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا؛ دعمًا للقوات الموالية لحفتر شرقي البلاد، في حين تعارض وزارة الخارجية الفرنسية التدخل العسكري في ليبيا، وترفض دعم طرف على حساب الآخر، وتميل إلى "ضرورة العمل على إيجاد حل سياسي يعيد الاستقرار في ليبيا".

ومع تباين الآراء بين الوزارتين، وتمسك وزارة الدفاع بالحل العسكري، مع رفض وزارة الخارجية التي تميل للحل السياسي دون تحيز فرنسي، أفادت صحيفة "لوموند" أن الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند حسم ذلك الخلاف، باختيار التدخل العسكري السري غير المعلن في ليبيا؛ للوقوف بجانب القوات الموالية لحفتر في بنغازي شرقي البلاد.

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مسؤول بوزارة الدفاع الفرنسية، لم تفصح عن اسمه، قوله إن "الخط الذي حدده الرئيس يعتمد حتى الآن على عمليات عسكرية غير رسمية، تنفذها القوات الخاصة"، نافيًا وجود تدخل عسكري "مفتوح، وإنما تحرك حذر". ولفت المصدر إلى وجود "آراء داخل وزارة الدفاع كانت تدعم بقوة فكرة التدخل العسكري، وهو ما رفضه أولاند؛ نظرًا لما يمثله التدخل من خطر على فرنسا".

لماذا يميل أولاند إلى التدخل السري؟
يفسر عددٌ من المحللين الفرنسيين، ميل أولاند إلى التدخل العسكري "السري" في ليبيا، بـ"سوء سُمعة" التدخل العسكري العلني الفرنسي في 2011، والذي ساعد على إسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي. وفي هذا الصدد يقول فرانسيس سيمونيس، مدير أبحاث العالم الأفريقي في جامعة إيكس مرسيليا بفرنسا، إن "فرنسا لم تكفّ أبدًا عن التدخل سرًّا في ليبيا؛ حيث تمتلك الكثير من المصالح". لافتًا إلى أن اعتراف أولاند بالوجود العسكري في ليبيا، يؤكد استمرار سياسة بدأها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، واستكملها أولاند.

ووصف سيمونيس، في تصريحات صحافية، فكرة تدخل عسكري علني فرنسي شبيه بما حدث في 2011 بـ"الأمر الحساس للغاية، وله وقع سيئ"، موضحًا: "يكفي النظر إلى الفوضى التي تسبب فيها التدخل الأول (تصاعد المجموعات المسلحة، وأزمة المهاجرين وتهريب الأسلحة وزعزعة استقرار المنطقة)، وهذا ما من شأنه أن يشكل خطرًا كبيرًا بالنسبة لحكومة على أبواب انتخابات (رئاسيات 2017 في فرنسا)، ما يدفع ويفرض التحرك بشكل سري".

وهو ما يؤديه الباحث الفرنسي بيير بيرتي، عندما قال إن التدخل العلني الفرنسي "قد يفجر مشاعر الكراهية نحو فرنسا، لا سيما بفعل الفوضى والأضرار الجانبية التي تسببت فيها خلال تدخلها العسكري في 2011"، لافتًا إلى أن الفرنسيين يدفعون ثمن تدخل بلادهم في الخارج، في إشارة إلى هجمات باريس، التي نفذها تنظيم "الدولة" في 13 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، مُسفرةً عن مقتل وإصابة العشرات.

نشرت لأول مرة على "ساسة بوست"