الرأسمالية الطُهرانية ..... الجذور، البذور، الثمار، المآلات
منذ أيام خلت قررت الحكومة، زيادة في أسعار الوقود والمحروقات ضمن سياسات ما يعرف " بالإصلاحات الاقتصادية"، وعلى إثر ذلك أنقسم كل من الشارع ومنصات التواصل الاجتماعي بين معارض لتلك السياسات مبديا أسفه على الأيام الخوالي، مرجعاً تلك الزيادات المضطردة إلى فشل في قدرة الإدارة الحالية على إيجاد مصادر دخل بعيداً عن حافظة نقود المواطن، ومؤيد، يرى أن الآثار الجانبية جراء تلك "الإصلاحات" ناجمة عن جشع التجار، واستغلالهم للظرف الراهن.
مما أسترعي انتباهي هو أنني لم أجد ممن التقيت بهم أو تحدثت إليهم أو قرأت منشوراتهم، من سلط الضوء على الإيديولوجية التي تحكمنا. وسط هذا السجال، أقتحم ذاكرتي سطر شعري من قصيدة محمود درويش المعنونة "هو لا غيره" أعني السطر الذي يقول فيه " يحاصرني واقع لا أجيد قراءته" ولست على يقين هل كان الشاعر من خلال سطره الشعري هذا يقرر واقعاً أم أنه كان يروج لأفكار وعلاقات وغايات من نوع ما علانية كانت أم باطنية.
على كل حال موضوع الكاتب الترويجي كما اسميه سوف نعود إليه في وقت لاحق. المهم هو أنني كنت أُعد سلفاً وطويلاً، كي أجيد قراءة واقعي. وفى سبيل قراءة كهذه لا خيار لدينا سوى كشف الغطاء عن الإيديولوجية التي تحكمنا وتسير حياتنا، فبأي عقيدة فكرية نحن محكمون، وما هي جذورها وبذورها وثمارها وأي مصير ينتظرها؟
الجذور:
القدس، الهيكل الثاني، القرن الرابع قبل الميلاد، لم يعد جميع المهجرين اليهود من بابل إلى مدينة القدس، بل منهم من فضل البقاء في بابل ومنهم من أختار الإسكندرية محلاً لإقامته في زمن لاحق، كما انهم لم يعودوا كما هُجروا، بل عادوا طوائف وفرق، منهم الفريسي والصدوقي والأسيني فيما بعد، وعن هذا يقول المستشرق فلهاوزن "عادت من الأسر البابلي طائفة يهودية لم تعد تحيا وفق شريعة موسى، بل صار لها قواعد أخرى، معايير ومتطلبات ومحذورات بلغت حوالي 613 قاعدة".
الهيكل الأول، أول خزينة مركزية يتم فيها إيداع النفائس، وذلك يرجع إلى شدة تحصيناته، وكان الإيداع يتم فيه بلا مقابل، على سبيل الأمانة. ومع مرور الزمن استحال الأمر إلى أن أصبحت وظيفة إصدار وإيداع النقد من وظائف المعبد، وكان هذا من النماذج الأولى للودائع وإصدار السندات المالية، فقد كان المودع يتسلم إيصال إيداع ومع الوقت أصبح هذا الإيصال ذاته نقداً وفى عهد الهيكل الثاني صار النشاط المالي لكهنة المعبد واضح المعالم، كانوا يضعون فيه ودائعهم المالية مقابل صكوك، وكان الكهنة من طائفة الصدوقيين هم المشرفون على المعبد، وهي طائفة لا تؤمن بخلود الروح وترى أن على المرء أن يتمتع بكل ما تتيحه له هذه الحياة، والمال هو الوسيلة المثلى لهذه الغاية. مع انتشار الجالية اليهودية بكثافة في المثلث (القدس، الإسكندرية، روما). ظهر معبد الإسكندرية الذي لم يكن معترفاً به من قبل معبد أورشليم، لأن المعبد لا يكون إلا واحداً وفى مكان واحد تماماً كما هو الحال بالنسبة للاحتياطي النقدي الفدرالي، فهو لا يمكن إلا أن يكون واحداً وفى مكان واحد.
اذا قاربنا الموضوع بلغة عصرنا، يعد هذا كثير الشبه بالنظام الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية، فالنظام المالي العالمي، ينتهي ويصب في المركز، وهو يقوم بتوزيع الواردات المالية وفق اعتباراته الخاصة، وما الكهنة في المعبد سوى الصورة الأولى لحملة الأسهم في ذات النظام المركزي الفدرالي، فقد كانوا لا قوميين في هذا الجانب كأصحاب رؤوس الأموال في عصرنا.
كان شتات الجالية اليهودية، في العديد من المدن سبباً في ظهور ما يعرف بصندوق " حالوكاه" وهو صندوق معنى بجمع التبرعات لصالح معبد القدس، ولم تكن أموال صندوق " حالوكاه" هي المصدر الوحيد لدخل المعبد، كان هناك العُشر، وإتاوة المعبد كذلك، وبالمناسبة لم تكن تُرسل كلها إلى خزينة المعبد التي كانت تعج بالنفائس، بل كانت تبقى في المدينة التي جبيت منها وترسل الزيادة إلي المعبد المركزي في القدس، تماماً مثل النظام الضريبي المتبع اليوم!
في أعقاب دمار الهيكل الثاني أستمر العمل بنفس الطريقة على المستوى المحلي عبر نظام " كاحال" وهو نظام للإدارة المالية يعد وسيطاً بين أفراد الجالية اليهودية والدول التي يعيشون فيها ولهذا النظام محكمته الخاصة به ونظامه الضريبي والمالي الخاص.
في المقال القادم نتناول موضوعي الربا و القروض بين اليهودية والمسيحية عامة والبروتستانتية بشكل خاص.