الاغلاق الثاني لباب المندب .. الاول اغلاق على ايران والثاني لها ..

31.07.2018

تأمين باب المندب، أحد أهم نقاط الامن القومي العربي، هذا هو الجرس الذي قرعه الجيش المصري بمجرد الاستيلاء على السلطة السياسية بعد اخراج الاحتلال الانجليزي من مصر في بداية الخمسينيات. مما استدعى الجيش المصري للتدخل المباشر في اليمن بعد ذلك في الستينيات حيث كان مقر المخابرات البريطانية في جنوب اليمن، وحاول تأمين المضيق وضمان استقلال القرار في اليمن ، إما بمحاولة توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الامام اليمني  في شمال اليمن والسعودية وهو الأمر الذي لم يتم ، أو بدعم الثوار اليمنيين، وقلب نظام الامامة الى نظام جمهوري  متحالف مع مصر ضد بريطانيا ، وهو ما أخرج الإحتلال الإنجليزي من اليمن.

اغلاق المضيق على ايران

نجحت بعد ذلك محاولة الجيش المصري  لتأمين باب المندب في السبيعنيات، حيث تم اغلاق المضيق من قبل القوات  المصرية، لمنع دخول بارجات النفط الايرانية لدعم إسرائيل، حيث كان النظام الايران وقتها "نظام الشاه" حليفا قويا لأمريكا و إسرائيل، في حين كانت السعودية والخليج واليمن وباقي الدولة العربية تقف مع مصر وسوريا في حرب اكتوبر 1973 – وكان هذا هو آخر ظهور للدفاع العربي المشترك- لحد اللحظة الراهنة.

المفارقة التاريخية أن الاغلاق الثاني في 2018  تلوح به إيران لتهدد السعودية، وتستخدم فيه مليشيات محلية في اليمن، فالجماعات المسلحة الخارجة عن الدولة والقانون الدولي، ليست ملزمة بالاتفاقيات، ولا البرامج السياسية، ولا حتى العلاقات الدولية ، ولا تخاف العقوبات او الحرب، لانها اساسا خلقت في بيئة حرب وتحت العقوبات والحصار. يبدو واضحا ان ايران اخيرا يمكنها اغلاق المضيق الاهم في المنطقة، حيث كانت تهدد منذ قلب نظام حكم الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية ، باغلاق  مضيق هرمز وتهديد التجارة النفطية العالمية، وحلفاء امريكا في المنطقة، وبالتالي الاقتصاد الغربي الذي يعتمد على بارجات النفط الخليجية. الحوثيون يقومون الان بالمهمة الايرانية ، تهديد البوارج وممر الملاحة العالمي، وهم ورقة ضغط ممتازة في يد ايران، التي تخبر مسقط انها على استعداد للتواصل مع الامريكان لعقد اتفاق نووي جديد، وهكذا ستفرض طهران شروطا جديدة على واشنطن. ما يحدث في اليمن داخليا لا يعنيها، تفاقم المأساة اليمنية وحلول الكارثة، ليس من  هموم الامن القومي الايراني، تغلغل الكراهية والطائفية والتحريض حتى على حلفائها الحوثيين، ايضا ليس خطرا كثيرا على خططها المستقبلية.

ماهي خطط ايران المستقبلية اذا، يبدو من طلب الوساطة مؤخرا، لبدء تفاوض مع الامريكان، بعد غبار التهديدات والتصعيد الكلامي بين ترامب وقاسم سليماني، ان ايران تريد استثمار النجاح في باب المندب على يد الحوثيين، لتؤكد حضورها الدولي كلاعب رئيس في الخليج والشرق الاوسط. وهذا يعني رسم مستقبل المنطقة وفقا للمتغيرات الاخيرة، انهيار دول ضعيفة كاليمن، ودول القرن الافريقي، وتفتت اخرى كالعراق، وصراعات خليجية وازمات اقتصادية، وتورط في حرب استنزاف، مع توغل ايراني، وتصعيد وتهديد، واستخدام اذراع مسلحة تطوق الخليج  من حلفاء امريكا، وتتهدد التجارة العالمية. هكذا توجد ايران لنفسها مكانا في الخارطة، وتباشر تكوين دول وجيوش موازية للدول العربية في لبنان، اليمن، والعراق، ولم تنجح في سوريا بسبب الدعم الروسي للجيش والنظام الرسمي السوري.

اذا ماهو موقف روسيا من هذا التصعيد في اهم المناطق الاستراتيجية، حيث كانت تقبع القاعدة العسكرية السوفيتية القديمة، والتي تستعد روسيا لعودتها اليها. لابد ان  موسكو تظهر اكثر قدرة على التواصل مع كل الاطراف، دون استثناء، وهي ميزة تنفرد بها دون غيرها في المنطقة، لكنها لاتقوم بدور الوسيط بقدر ما تستعد لدور المدير.

باب المندب محطة مهمة لتحديد قوة الدول الاقليمية، وتقوية ايران باذراع مسلحة، يعني استمرار الفوضى في المنطقة وبقاء الحروب الاهلية، وهو امر يناقض الاستقرار السياسي الذي تحتاجه منطقة كباب المندب يمر عبرها اكثر من 80% من التجارة العالمية وتستعد لاستقبال مشاريع اقتصادية ضخمة كالحزام الاقتصادي الصيني "طريق الحرير" الحوثيون مستقبلهم في المنطقة ليس مرهونا بقدرتهم على تحمل حرب طويلة غير متكافئة، بقدر قدرتهم على اظهار الليونة السياسية والقدر على التواصل وتقديم التنازلات، الذي يقتضيه التفاوض السياسي، ليكونوا جزء من العملية السياسية في اليمن، ولاعب مؤثر في المنطقة له علاقات جيدة بالاقليم ودول الجوار، وليسوا جماعة متمرد تحول جبال اليمن الى منصات تهديد. ولحد الان يظهر  الحوثيون مفتونون بقوتهم او على الاقل قدرتهم على التهديد لدول الاقليم القوية والغنية "السعودية والامارات" فعادة يزهو الاضعف عسكريا بقدرته على احداث اي خرق عسكري في منظومة الدفاع العسكري للطرف الاقوى الذي يواجهه.

خبرة ايران  القتالية في اليمن

ان فارق القوة والتسليح بين الجانبين كبير جدا ولا مجال للمقارنة، بين الحوثيين والتحالف السعودي،  غير ان الاستفادة من تقنية الادارة العسكرية للايرانيين في تكوين التشكيلات المسلحة وحرب العصابات، وتجهيز بنية تحتية عسكرية باقل الامكانيات، اظهر الحوثيون تفوقا فيه، وتطورا بسرعة خلال اقل من 4 سنوات، وربما اسرع من تطورحزب الله خلال 3 عقود. فهذه  الخبرة القتالية من مهارات وتقنينات وتصنيع،  وحرب العصابات، التي اكتسبت خلال الحرب اللبنانية الاهلية مع تشكيل حزب الله ثم في حربه مع اسرائيل، وتطورت في الحرب السورية والعراقية، تنقل اليوم الى اليمن. يستخدم الحوثيون اليوم هذه الخبرة القتالية الايرانية، ويبنون بنية تحتية عسكرية تستعد لحرب طويلة، غير انهم في الجانب السياسي يطورون مهارتهم السياسية ببطء، وهذا يرجح استمرار الصراع .

اما بالنسبة لممالك الخليج النفطية، فانها تدخل صراعا محموما في اليمن، وتننقل الى الحرب المباشرة مع الحوثيين، بينما تخوض صراعها الخليجي الموازي لها، وتنقسم دول الخليج لاول مرة سياسيا  منذ انشاء مجلس التعاون الخليجي، الذي تحول الى مجالس تنسيق ثنائية.

عقوبات على السعودية

الخليج والسعودية تحديدا تتورط في الحرب اليمنية بملف جرائم الحرب، الذي تحتفظ به الولايات المتحدة والامم المتحدة، حيث تحمل السعودية 60% من هذه الجرائم، وفي الوقت المناسب قد يتم استغلاله للابتزاز السياسي، فضلا عن بدء التلويح باستحداث عقوبات على السعودية بسبب حرب اليمن. فرض عقوبات دولية على السعودية مستقبلا امر وارد، خاصة ان شعرت السعودية انها خرجت منتصرة من حرب اليمن، فالحرب الدولية الاعلامية والسياسية على المملكة ليس مجرد فقاعة، بل ان غرضها السياسي سيظهر لاحقا.

هنا ستعتقد ايران التي تُرفض بالاجماع من الانظمة العربية الرسمية، وتتور علاقتها بمعظم الدول العربية بسبب اداروها العدائية في المنطقة، تعتقد انها اقتربت من حلمها لان تصبح سيدة الخليج والمنطقة، لكن الامور قد لاتسير كما تريد ايران، التي تغلي من داخلها، وتحديها الحقيقي هو تحد داخلي، وقيام ثورة ايرانية اخرى على نظام الملالي امر وارد الحدوث ايضا. اذا وسط هذا الانهيار الكبير للدول الكبرى ماهو مصير باب المندب، ربما ان الدول المطلة التي بدات تعيد بناء نفسها كالصومال، والتي يمكنها بدء نباء نفسها كاليمن في مدة قياسية بمجرد انتهاء الحرب، تحتاج الى وجود سياسية معتدلة قوية، وخطة اقتصادية عالمية شاملة، فتكون جزء من السياسية العالمية المعتدلة والخطة الاقتصادية العالمية وهذا ما تفعله روسيا والصين. لتخرج  اولا من التبعية الغربية، ومن الصراع الاقليمي الايراني-السعودي، وهذا هو ما تبشر به الصين الاقتصادية الاولى، وروسيا القوية سياسيا.